فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ

باب جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ
[ سـ :1186 ... بـ :703]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَجِلَ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ : يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ أَيَّتهِمَا شَاءَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ . وَفِي جَوَازِهِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا : لَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ . وَالطَّوِيلُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً ، وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ مُعْتَدِلَتَانِ كَمَا سَبَقَ ، وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ هُوَ فِي الْمَنْزِلِ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ إِلَيْهَا ، وَلِمَنْ هُوَ سَائِرٌ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْزِلُ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى إِلَى الثَّانِيَةِ ، وَلَوْ خَالَفَ فِيهِمَا جَازَ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ .

وَشَرْطُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَهَا وَيَنْوِيَ الْجَمْعَ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنَ الْأُولَى ، وَأَلَّا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ أَرَادَ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ أَنْ يَنْوِيَهُ فِي وَقْتِ الْأُولَى ، وَيَكُونَ قَبْلَ ضِيقِ وَقْتِهَا بِحَيْثُ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَأَكْثَرَ ، فَإِنْ أَخَّرَهَا بِلَا نِيَّةٍ عَصَى ، وَصَارَتْ قَضَاءً ، وَإِذَا أَخَّرَهَا بِالنِّيَّةِ اسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى أَوَّلًا ، وَأَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ ، وَأَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ . هَذَا مُخْتَصَرُ أَحْكَامِ الْجَمْعِ ، وَبَاقِي فُرُوعِهِ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ ، وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بِالْمَطَرِ فِي وَقْتِ الْأُولَى ، وَلَا يَجُوزُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِاسْتِمْرَارِهِ إِلَى الثَّانِيَةِ .

وَشَرْطُ وُجُودِهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْأُولَى وَالْفَرَاغِ مِنْهَا وَافْتِتَاحِ الثَّانِيَةِ ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ يَمْشِي إِلَى الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ كِنٍّ بِحَيْثُ يَلْحَقُهُ بَلَلُ الْمَطَرِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ . هَذَا مَذْهَبُنَا فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ ، وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَفِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَخَصَّهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ، وَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ، وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ كَمَا سَنُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِسَبَبِ السَّفَرِ وَلَا الْمَطَرِ وَلَا الْمَرَضِ وَلَا غَيْرِهَا إِلَّا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ بِسَبَبِ النُّسُكِ ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ بِسَبَبِ النُّسُكِ أَيْضًا ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ .




[ سـ :1187 ... بـ :703]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَيَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : ( إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ ) صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ إِحْدَى الصَّلَاتَيْنِ . وَفِيهِ إِبْطَالُ تَأْوِيلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ تَأْخِيرُ الْأُولَى إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا ، وَتَقْدِيمُ الثَّانِيَةِ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِهَا . وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ . وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَوْضَحُ دَلَالَةً وَهِيَ قَوْلُهُ : ( إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ) .

وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ ) وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى ذِكْرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ جَوَابًا لِقَضِيَّةٍ جَرَتْ لَهُ ، فَإِنَّهُ اسْتَصْرَخَ عَلَى زَوْجَتِهِ فَذَهَبَ مُسْرِعًا وَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَذَكَرَ ذَلِكَ بَيَانًا لِأَنَّهُ فَعَلَهُ عَلَى وَفْقِ السُّنَّةِ ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِعَدَمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ، فَقَدْ رَوَاهُ أَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ .




[ سـ :1192 ... بـ :704]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ قَالَا أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ إِسْمَعِيلَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَجِلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ

قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ قَالَا : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عُقَيْلٍ ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَاتِنَا أَهْلَ بِلَادِنَا ( جَابِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ) بِالْجِيمِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ بِلَادِنَا ( حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ) ، وَكَذَا وَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْمَغَارِبَةِ ، وَهُوَ غَلَطٌ ، وَالصَّوَابُ بِاتِّفَاقِهِمْ ( جَابِرٌ ) بِالْجِيمِ ، وَهُوَ جَابِرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَضَرِيُّ الْمِصْرِيُّ .

قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ : ( إِذَا عَجَّلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ( عَجَّلَ عَلَيْهِ ) ، وَهُوَ بِمَعْنَى عَجَّلَ بِهِ فِي الرِّوَايَاتِ الْبَاقِيَةِ .