فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ

باب تَحْرِيمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ
[ سـ :2146 ... بـ :1193]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَلَمَّا أَنْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي وَجْهِي قَالَ إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ وَقُتَيْبَةُ جَمِيعًا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ح وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَهْدَيْتُ لَهُ حِمَارَ وَحْشٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَفِي حَدِيثِ اللَّيْثِ وَصَالِحٍ أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَخْبَرَهُ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالُوا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ أَهْدَيْتُ لَهُ مِنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ

قَوْلُهُ : ( عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ ) هُوَ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ، ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مُشَدَّدَةٍ .

قَوْلُهُ : ( وَهُوَ : بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ ) أَمَّا ( الْأَبْوَاءُ ) فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمَدِّ ، وَ ( وَدَّانَ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ، وَهُمَا مَكَانَانِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ ( أَنَّا حُرُمٌ ) وَ ( حُرُمٌ ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَالرَّاءِ أَيْ مُحْرِمُونَ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : رِوَايَةُ الْمُحَدِّثِينَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ( لَمْ نَرُدَّهُ ) بِفَتْحِ الدَّالِ .

قَالَ : وَأَنْكَرَهُ مُحَقِّقُو شُيُوخِنَا مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَقَالُوا : هَذَا غَلَطٌ مِنَ الرُّوَاةِ ، وَصَوَابُهُ : ضَمُّ الدَّالِ ، قَالَ : وَوَجَدْتُهُ بِخَطِّ بَعْضِ الْأَشْيَاخِ بِضَمِّ الدَّالِ ، وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنَ الْمُضَاعَفِ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْهَاءُ أَنْ يُضَمَّ مَا قَبْلَهَا فِي الْأَمْرِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَجْزُومِ ، مُرَاعَاةً لِلْوَاوِ الَّتِي تُوجِبُهَا ضَمَّةُ الْهَاءِ بَعْدَهَا ؛ لِخَفَاءِ الْهَاءِ ، فَكَانَ مَا قَبْلَهَا وَلِيَ الْوَاوَ ، وَلَا يَكُونُ مَا قَبْلَ الْوَاوِ إِلَّا مَضْمُومًا هَذَا فِي الْمُذَكَّرِ ، وَأَمَّا الْمُؤَنَّثُ مِثْلُ ( رَدَّهَا وَجَبَّهَا ) فَمَفْتُوحُ الدَّالِ ، وَنَظَائِرُهَا مُرَاعَاةً لِلْأَلِفِ ، هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي ، فَأَمَّا ( رَدَّهَا ) وَنَظَائِرَهَا مِنَ الْمُؤَنَّثِ فَفَتْحَةُ الْهَاءِ لَازِمَةٌ بِالِاتِّفَاقِ ، وَأَمَّا ( رَدَّهُ ) وَنَحْوُهُ لِلْمُذَكَّرِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَفْصَحُهَا : وُجُوبُ الضَّمِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ، وَالثَّانِي : الْكَسْرُ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَالثَّالِثُ : الْفَتْحُ ، وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ ، وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ فِي الْفَصِيحِ ، لَكِنْ غَلَّطُوهُ ؛ لِكَوْنِهِ أَوْهَمَ فَصَاحَتَهُ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى ضَعْفِهِ .

قَوْلُهُ : ( عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( حِمَارَ وَحْشٍ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( مِنْ لَحْمِ حِمَارِ وَحْشٍ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ ( عَجُزَ حِمَارِ وَحْشٍ يَقْطُرُ دَمًا ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( شِقَّ حِمَارِ وَحْشٍ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( عُضْوًا مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ ) هَذِهِ رِوَايَاتُ مُسْلِمٍ ، وَتَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيُّ : بَابُ إِذَا أُهْدِيَ لِلْمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًّا حَيًّا لَمْ يَقْبَلْ ، ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ ، وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ ( حِمَارًا وَحْشِيًّا ) ، وَحُكِيَ هَذَا التَّأْوِيلُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ ، وَهَذِهِ الطُّرُقُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ مَذْبُوحٌ ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَهْدَى بَعْضَ لَحْمِ صَيْدٍ لَا كُلَّهُ ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الِاصْطِيَادِ عَلَى الْمُحْرِمِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ : يَحْرُمُ عَلَيْكَ تَمَلُّكُ الصَّيْدِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا ، وَفِي مِلْكِهِ إِيَّاهُ بِالْإِرْثِ خِلَافٌ ، وَأَمَّا لَحْمُ الصَّيْدِ : فَإِنْ صَادَهُ أَوْ صِيدَ لَهُ فَهُوَ حَرَامٌ ، سَوَاءٌ صِيدَ لَهُ بِإِذْنِهِ أَمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، فَإِنْ صَادَهُ حَلَالٌ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَقْصِدِ الْمُحْرِمَ ، ثُمَّ أَهْدَى مِنْ لَحْمِهِ لِلْمُحْرِمِ أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ ، هَذَا مَذْهَبُنَا ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ .

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا صِيدَ لَهُ بِغَيْرِ إِعَانَةٍ مِنْهُ ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لَا يَحِلُّ لَهُ لَحْمُ الصَّيْدِ أَصْلًا ، سَوَاءٌ صَادَهُ أَوْ صَادَهُ غَيْرُهُ لَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا ، حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا قَالُوا : الْمُرَادُ بِالصَّيْدِ الْمَصِيدُ ، وَلِظَاهِرِ حَدِيثِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهُ وَعَلَّلَ رَدَّهُ أَنَّهُ مُحْرِمٌ ، وَلَمْ يَقُلْ : لِأَنَّكَ صِدْتَهُ لَنَا ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمَذْكُورِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ هَذَا ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الصَّيْدِ الَّذِي صَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ - وَهُوَ حَلَالٌ - قَالَ لِلْمُحْرِمِينَ : ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوا ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ : فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ ؟ قَالُوا : مَعَنَا رِجْلُهُ ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَادَ لَكُمْ هَكَذَا الرِّوَايَةُ ( يُصَادَ ) بِالْأَلِفِ وَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَى لُغَةٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :


أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي

قَالَ أَصْحَابُنَا : يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ ، وَرَدٌّ لِمَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَذْهَبَيْنِ الْآخَرَيْنِ ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُمْ بِاصْطِيَادِهِ ، وَحَدِيثُ الصَّعْبِ أَنَّهُ قَصَدَهُمْ بِاصْطِيَادِهِ ، وَتُحْمَلُ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى الِاصْطِيَادِ ، وَعَلَى لَحْمِ مَا صِيدَ لِلْمُحْرِمِ ؛ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْمُرَادِ مِنَ الْآيَةِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي حَدِيثِ الصَّعْبِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ بِأَنَّهُ مُحْرِمٌ فَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ صِيدَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْرُمُ الصَّيْدُ عَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا صِيدَ لَهُ بِشَرْطِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ ، فَبَيَّنَ الشَّرْطَ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ ) فِيهِ : جَوَازُ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ . وَفِيهِ : أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنِ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ هَدِيَّةٍ وَنَحْوِهَا لِعُذْرٍ أَنْ يَعْتَذِرَ بِذَلِكَ إِلَى الْمُهْدِيِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ .




[ سـ :2149 ... بـ :1196]
وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ وَاللَّفْظُ لَهُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْقَاحَةِ فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ فَأَسْرَجْتُ فَرَسِي وَأَخَذْتُ رُمْحِي ثُمَّ رَكِبْتُ فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي وَكَانُوا مُحْرِمِينَ نَاوِلُونِي السَّوْطَ فَقَالُوا وَاللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ فَنَزَلْتُ فَتَنَاوَلْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ فَأَدْرَكْتُ الْحِمَارَ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ وَرَاءَ أَكَمَةٍ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي فَعَقَرْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَأْكُلُوهُ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَنَا فَحَرَّكْتُ فَرَسِي فَأَدْرَكْتُهُ فَقَالَ هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ

قَوْلُهُ : ( سَمِعْتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْقَاحَةِ فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ ) إِلَى آخِرِهِ ( الْقَاحَةِ ) بِالْقَافِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ ، وَالَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ ، قَالَ الْقَاضِي : كَذَا قَيَّدَهَا النَّاسُ كُلُّهُمْ ، قَالَ : وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالْفَاءِ ، وَهُوَ وَهَمٌ ، وَالصَّوَابُ الْقَافُ ، وَهُوَ وَادٍ عَلَى نَحْوِ مِيلٍ مِنَ السُّقْيَا ، وَعَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ .

( وَالسُّقْيَا ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ ، وَهِيَ مَقْصُورَةٌ ، وَهِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَ ( الْأَبْوَاءُ وَوَدَّانُ ) قَرْيَتَانِ مِنْ أَعْمَالِ الْفُرْعِ أَيْضًا .




[ سـ :2150 ... بـ :1196]
وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ طَرِيقِ مَكَّةَ تَخَلَّفَ مَعَ أَصْحَابٍ لَهُ مُحْرِمِينَ وَهُوَ غَيْرُ مُحْرِمٍ فَرَأَى حِمَارًا وَحْشِيًّا فَاسْتَوَى عَلَى فَرَسِهِ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُنَاوِلُوهُ سَوْطَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَسَأَلَهُمْ رُمْحَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ ثُمَّ شَدَّ عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَى بَعْضُهُمْ فَأَدْرَكُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ أَطْعَمَكُمُوهَا اللَّهُ وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ ؟ ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ ؟ قَالُوا : مَعَنَا رِجْلُهُ ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَهَا ) . إِنَّمَا أَخَذَهَا وَأَكَلَهَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِ ، وَمُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُمْ بِحُصُولِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ : إِنَّمَا هِيَ طُعْمَةٌ ) هِيَ بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْ طَعَامٌ .

قَوْلُهُ : ( أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ شَأْوًا ) هُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مَهْمُوزٌ ، وَ ( الشَّأْو ) الطَّلْقُ وَالْغَايَةُ ، وَمَعْنَاهُ : أَرْكُضُهُ شَدِيدًا وَقْتًا ، وَأَسُوقُهُ بِسُهُولَةٍ وَقْتًا .

قَوْلُهُ : ( فَقُلْتُ : أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ ، وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا ) أَمَّا ( غَيْقَةُ وَالسُّقْيَا وَتِعْهِنُ ) فَسَبَقَ ضَبْطُهُنَّ وَبَيَانُهُنَّ ، وَقَوْلُهُ : ( قَائِلٌ ) رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا ( قَائِلٌ ) بِهَمْزَةٍ بَيْنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ ، وَمَعْنَاهُ : تَرَكْتُهُ بِتِعْهِنَ ، وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَقِيلَ بِالسُّقْيَا وَمَعْنَى ( قَائِلٌ ) سَيَقِيلُ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَالْجُمْهُورُ غَيْرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ ( قَابِلٌ ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَغَرِيبٌ ، وَكَأَنَّهُ تَصْحِيفٌ ، وَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ : تِعْهِنُ مَوْضِعٌ قَابِلٌ لِلسُّقْيَا .

قَوْلُهُ : ( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابَكَ يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ السَّلَامِ إِلَى الْغَائِبِ ، سَوَاءٌ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّهُ إِذَا أَرْسَلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ فَمَنْ دُونَهُ أَوْلَى ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ حِينَ يَبْلُغُهُ عَلَى الْفَوْرِ .

قَوْلُهُ : ( يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُخَفَّفَةِ ، وَالضَّمِيرُ فِي ( مِنْهُ ) يَعُودُ عَلَى الصَّيْدِ الْمَحْذُوفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ( أَصَدْتُ ) ، وَيُقَالُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : ( صِدْتُ ) ، وَفِي بَعْضِهَا . ( اصْطَدْتُ ) وَكُلُّهُ صَحِيحٌ .




[ سـ :2151 ... بـ :1196]
وَحَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ السُّلَمِيُّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ انْطَلَقَ أَبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ يُحْرِمْ وَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَدُوًّا بِغَيْقَةَ فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَبَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَصْحَابِهِ يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَطَعَنْتُهُ فَأَثْبَتُّهُ فَاسْتَعَنْتُهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُعِينُونِي فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَخَشِينَا أَنْ نُقْتَطَعَ فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْفَعُ فَرَسِي شَأْوًا وَأَسِيرُ شَأْوًا فَلَقِيتُ رَجُلًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقُلْتُ أَيْنَ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَرَكْتُهُ بِتَعْهِنَ وَهُوَ قَائِلٌ السُّقْيَا فَلَحِقْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَصْحَابَكَ يَقْرَءُونَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ وَإِنَّهُمْ قَدْ خَشُوا أَنْ يُقْتَطَعُوا دُونَكَ انْتَظِرْهُمْ فَانْتَظَرَهُمْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَدْتُ وَمَعِي مِنْهُ فَاضِلَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَوْمِ كُلُوا وَهُمْ مُحْرِمُونَ

قَوْلُهُ : ( وَتِعْهِنَ ) الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ عَيْنُ مَاءٍ هُنَاكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ السُّقْيَا ، وَهِيَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةِ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ هَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ نُونٍ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : هِيَ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا ، قَالَ : وَرِوَايَتُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ بِالْكَسْرِ ، قَالَ : وَكَذَا قَيَّدَهَا الْبَكْرِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْهَرَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ : سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُهَا بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْهَاءِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ .

وَأَمَّا ( غَيْقَةَ ) فَهِيَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتَ سَاكِنَةٍ ثُمَّ قَافٍ مَفْتُوحَةٍ ، وَهِيَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ بَنِي غِفَارٍ ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَقِيلَ : هِيَ بِئْرُ مَاءٍ لِبَنِي ثَعْلَبَةَ .

قَوْلُهُ : ( فَمِنَّا الْمُحْرِمُ وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ ) قَدْ يُقَالُ : كَيْفَ كَانَ أَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ غَيْرَ مُحْرِمِينَ ، وَقَدْ جَاوَزُوا مِيقَاتَ الْمَدِينَةِ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ ؟ قَالَ الْقَاضِي - فِي جَوَابِ هَذَا - : قِيلَ إِنَّ الْمَوَاقِيتَ لَمْ تَكُنْ وُقِّتَتْ بَعْدُ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ وَرُفْقَتَهُ لِكَشْفِ عَدُوٍّ لَهُمْ بِجِهَةِ السَّاحِلِ ، كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ، وَقِيلَ : إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ ، بَلْ بَعَثَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِيُعْلِمَهُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقْصِدُونَ الْإِغَارَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ ، وَقِيلَ : إِنَّهُ خَرَجَ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْوِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً ، قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا بَعِيدٌ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَسَقَطَ مِنِّي سَوْطِي ، فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي - وَكَانُوا مُحْرِمِينَ - : نَاوَلُونِي السَّوْطَ ، فَقَالُوا : وَاللَّهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ) وَقَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : فَكُلُوهُ ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِشَارَةِ وَالْإِعَانَةِ مِنَ الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ ، وَكَذَلِكَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ، وَكُلِّ سَبَبٍ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ : لَا تَحِلُّ الْإِعَانَةُ مِنَ الْمُحْرِمِ إِلَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اصْطِيَادُهُ بِدُونِهَا .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَ بَعْضُهُمْ : كُلُوهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا تَأْكُلُوهُ ) ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالِاخْتِلَافِ فِيهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلَالَ إِذَا صَادَ صَيْدًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُحْرِمِ إِعَانَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَيْهِ ، حَلَّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ .

قَوْلُهُ : ( إِذْ بَصُرْتُ بِأَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( يَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَيَّ ؛ إِذْ نَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِحِمَارِ وَحْشٍ ) هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا ( يَضْحَكُ إِلَيَّ ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ ، قَالَ الْقَاضِي : هَذَا خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الرُّوَاةِ عَنْ مُسْلِمٍ وَالصَّوَابُ ( يَضْحَكُ إِلَى بَعْضٍ ) فَأَسْقَطَ لَفْظَةَ ( بَعْضٍ ) وَالصَّوَابُ إِثْبَاتُهَا كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ ضَحِكُوا إِلَيْهِ لَكَانَتْ إِشَارَةٌ مِنْهُمْ ، وَقَدْ قَالُوا : إِنَّهُمْ لَمْ يُشِيرُوا إِلَيْهِ ، قُلْتُ : لَا يُمْكِنُ رَدُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، فَقَدْ صَحَّتْ هِيَ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى ، وَلَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَلَالَةٌ وَلَا إِشَارَةٌ إِلَى الصَّيْدَةِ ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الضَّحِكِ لَيْسَ فِيهِ إِشَارَةٌ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا ضَحِكُوا تَعَجُّبًا مِنْ عُرُوضِ الصَّيْدِ ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِمْ مِنْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ ) وَكَذَا ذُكِرَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ ( حِمَارُ وَحْشٍ ) ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ : ( إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا ) فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْحِمَارَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الْمُرَادُ بِهِ أُنْثَى وَهِيَ الْأَتَانُ ، وَسُمِّيَتْ حِمَارًا مَجَازًا .




[ سـ :2152 ... بـ :1196]
حَدَّثَنِي أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا وَخَرَجْنَا مَعَهُ قَالَ فَصَرَفَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ خُذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ حَتَّى تَلْقَوْنِي قَالَ فَأَخَذُوا سَاحِلَ الْبَحْرِ فَلَمَّا انْصَرَفُوا قِبَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمُوا كُلُّهُمْ إِلَّا أَبَا قَتَادَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ فَبَيْنَمَا هُمْ يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلُوا فَأَكَلُوا مِنْ لَحْمِهَا قَالَ فَقَالُوا أَكَلْنَا لَحْمًا وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ قَالَ فَحَمَلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِ الْأَتَانِ فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَحْرَمْنَا وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ لَمْ يُحْرِمْ فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا فَنَزَلْنَا فَأَكَلْنَا مِنْ لَحْمِهَا فَقُلْنَا نَأْكُلُ لَحْمَ صَيْدٍ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ فَحَمَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا فَقَالَ هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ قَالَ قَالُوا لَا قَالَ فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا وَحَدَّثَنَاه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ شَيْبَانَ جَمِيعًا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ قَالَ أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَدْتُمْ قَالَ شُعْبَةُ لَا أَدْرِي قَالَ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَدْتُمْ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَشَرْتُمْ أَوْ أَعَنْتُمْ أَوْ أَصَّدْتُمْ ) رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَتَخْفِيفِهَا ، وَرُوِيَ ( صِدْتُمْ ) قَالَ الْقَاضِي : رُوِّينَاهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي ( أَصَدْتُمْ ) ، وَمَعْنَاهُ : أَمَرْتُمْ بِالصَّيْدِ أَوْ جَعَلْتُمْ مَنْ يَصِيدُهُ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَثَرْتُمُ الصَّيْدَ مِنْ مَوْضِعِهِ ؛ يُقَالُ : أَصَدْتُ الصَّيْدَ مُخَفَّفٌ ، أَيْ أَثَرْتُهُ ، قَالَ : وَهُوَ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَاهُ ( صِدْتُمْ ) أَوْ ( أَصَّدْتُمْ ) بِالتَّشْدِيدِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَصِيدُوا ، وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ عَمَّا صَادَ غَيْرُهُمْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :2154 ... بـ :1197]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَنَحْنُ حُرُمٌ فَأُهْدِيَ لَهُ طَيْرٌ وَطَلْحَةُ رَاقِدٌ فَمِنَّا مَنْ أَكَلَ وَمِنَّا مَنْ تَوَرَّعَ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ وَقَالَ أَكَلْنَاهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَوْلُهُ : ( فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَةُ وَفَّقَ مَنْ أَكَلَهُ ) مَعْنَاهُ : صَوَّبَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .