فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ

باب بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَجَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَمَتَى يَحِلُّ الْقَارِنُ مِنْ نُسُكِهِ
[ سـ :2195 ... بـ :1211]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَتْ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ قَالَتْ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا

( بَابُ بَيَانِ وُجُوهِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إِفْرَادُ الْحَجِّ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَجَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ ، وَمَتَى يَحِلُّ الْقَارِنُ مِنْ نُسُكِهِ )

قَوْلُهُمْ : ( حَجَّةِ الْوَدَاعِ ) سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا وَلَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الْهِجْرَةِ غَيْرَهَا ، وَكَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ .

اعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى جَوَازِ إِفْرَادِ الْحَجِّ عَنِ الْعُمْرَةِ ، وَجَوَازِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ . وَأَمَّا النَّهْيُ الْوَارِدُ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَسَنُوَضِّحُ مَعْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ ، وَيَفْرُغَ مِنْهُ ثُمَّ يَعْتَمِرَ . وَالتَّمَتُّعُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهُ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ . وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ طَوَافِهَا صَحَّ وَصَارَ قَارِنًا ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا : لَا يَصِحُّ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ ، وَالثَّانِي : يَصِحُّ ، وَيَصِيرُ قَارِنًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي أَسْبَابِ التَّحَلُّلِ مِنَ الْحَجِّ ، وَقِيلَ : قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ ، وَقِيلَ : قَبْلَ فِعْلِ فَرْضٍ ، وَقِيلَ : قَبْلَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ غَيْرِهِ .

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَيُّهَا أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَكَثِيرُونَ : أَفْضَلُهَا الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَآخَرُونَ : أَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ : أَفْضَلُهَا الْقِرَانُ ، وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ قَوْلَانِ آخَرَانِ لِلشَّافِعِيِّ ، وَالصَّحِيحُ تَفْضِيلُ الْإِفْرَادِ ثُمَّ التَّمَتُّعِ ثُمَّ الْقِرَانِ .

وَأَمَّا حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا ، هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا أَمْ قَارِنًا ؟ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ بِحَسَبِ مَذَاهِبهِمُ السَّابِقَةِ ، وَكُلُّ طَائِفَةٌ رَجَّحَتْ نَوْعًا ، وَادَّعَتْ أَنَّ حَجَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ كَذَلِكَ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَأَدْخَلَهَا عَلَى الْحَجِّ فَصَارَ قَارِنًا ، وَقَدِ اخْتَلَفَتْ رِوَايَاتُ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، هَلْ كَانَ قَارِنًا أَمْ مُفْرِدًا أَمْ مُتَمَتِّعًا ؟ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رِوَايَاتِهِمْ كَذَلِكَ . وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا مَا ذَكَرْتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ صَارَ قَارِنًا . فَمَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ هُوَ الْأَصْلُ ، وَمَنْ رَوَى الْقِرَانَ اعْتَمَدَ آخِرَ الْأَمْرِ ، وَمَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ أَرَادَ التَّمَتُّعَ اللُّغَوِيَّ ، وَهُوَ : الِانْتِفَاعُ وَالِارْتِفَاقُ ، وَقَدِ ارْتَفَقَ بِالْقِرَانِ كَارْتِفَاقِ الْمُتَمَتِّعِ ، وَزِيَادَةٌ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ ، وَبِهَذَا الْجَمْعِ تَنْتَظِمُ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي كِتَابٍ صَنَّفَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ خَاصَّةً ، وَادَّعَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَارِنًا ، وَتَأَوَّلَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ .

وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَدِلَّتِهِ وَجَمِيعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَعَلَّقِ بِهَا .

وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ فِي تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ بِأَنَّهُ صَحَّ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ ، وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ مَزِيَّةٌ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى غَيْرِهِمْ ، فَأَمَّا جَابِرٌ فَهُوَ أَحْسَنُ الصَّحَابَةِ سِيَاقَةً لِرِوَايَةِ حَدِيثِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا مِنْ حِينِ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى آخِرِهَا ، فَهُوَ أَضْبَطُ لَهَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ آخِذًا بِخِطَامِ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ رَجَّحَ قَوْلَ أَنَسٍ عَلَى قَوْلِهِ ، وَقَالَ : كَانَ أَنَسٌ يَدْخُلُ عَلَى النِّسَاءِ وَهُنَّ مُكْشِفَاتٌ الرُّءُوسَ ، وَإِنِّي كُنْتُ تَحْتَ نَاقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّنِي لُعَابُهَا ، أَسْمَعُهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ ، وَأَمَّا عَائِشَةُ فَقُرْبُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرُوفٌ ، وَكَذَلِكَ اطِّلَاعُهَا عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِ وَظَاهِرِهِ وَفِعْلِهِ فِي خَلْوَتِهِ وَعَلَانِيَتِهِ مَعَ كَثْرَةِ فِقْهِهَا وَعِظَمِ فِطْنَتِهَا ، وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَحَلُّهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْفَهْمِ الثَّاقِبِ مَعْرُوفٌ مَعَ كَثْرَةِ بَحْثِهِ وَتَحَفُّظِهِ أَحْوَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرُهُ ، وَأَخْذُهُ إِيَّاهَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ .

وَمِنْ دَلَائِلِ تَرْجِيحِ الْإِفْرَادِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ ، وَوَاظَبُوا عَلَى إِفْرَادِهِ ، كَذَلِكَ فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَاخْتَلَفَ فِعْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ وَعَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ مُفْرِدًا _ لَمْ يُوَاظِبُوا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَعْلَامُ ، وَقَادَةُ الْإِسْلَامِ ، وَيُقْتَدَى بِهِمْ فِي عَصْرِهِمْ وَبَعْدَهُمْ ، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِهِمُ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى خِلَافِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَأَمَّا الْخِلَافُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ فَإِنَّمَا فَعَلُوهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ ، وَمِنْهَا أَنَّ الْإِفْرَادَ لَا يَجِبُ فِيهِ دَمٌ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ لِكَمَالِهِ ، وَيَجِبُ الدَّمُ فِي التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ ، وَهُوَ دَمُ جُبْرَانٍ لِفَوَاتِ الْمِيقَاتِ وَغَيْرِهِ ، فَكَانَ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى جَبْرٍ أَفْضَلَ ، وَمِنْهَا : أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى جَوَازِ الْإِفْرَادِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ، وَكَرِهَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَغَيْرُهُمَا التَّمَتُّعَ ، وَبَعْضُهُمُ التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ ، فَكَانَ الْإِفْرَادُ أَفْضَلَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ

فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي صِفَةِ حَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فِي قَضِيَّةٍ وَاحِدَةٍ ؟ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، فَمِنْ مُجِيدٍ مُنْصِفٍ ، وَمِنْ مُقَصِّرٍ مُتَكَلِّفٍ ، وَمِنْ مُطِيلٍ مُكْثِرٍ ، وَمِنْ مُقْتَصِرٍ مُخْتَصِرٍ ، قَالَ : وَأَوْسَعُهُمْ فِي ذَلِكَ نَفَسًا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ الْحَنَفِيُّ ، فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَلْفِ وَرَقَةٍ ، وَتَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ ، ثُمَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ ، ثُمَّ الْمُهَلَّبُ وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُرَابِطِ ، وَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ الْبَغْدَادِيُّ ، وَالْحَافِظُ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَغَيْرُهُمْ .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَأَوْلَى مَا يُقَالُ فِي هَذَا عَلَى مَا فَحَصْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاخْتَرْنَاهُ مِنَ اخْتِيَارَاتِهِمْ مِمَّا هُوَ أَجْمَعُ لِلرِّوَايَاتِ وَأَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْأَحَادِيثِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لِلنَّاسِ فِعْلَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ ، لِيَدُلَّ عَلَى جَوَازِ جَمِيعِهَا ، وَلَوْ أَمَرَ بِوَاحِدٍ لَكَانَ غَيْرُهُ يُظَنُّ أَنَّهُ لَا يَجْزِي فَأُضِيفَ الْجَمِيعُ إِلَيْهِ وَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ ، وَأَبَاحَهُ لَهُ ، وَنَسَبَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِمَّا لِأَمْرِهِ بِهِ وَإِمَّا لِتَأْوِيلِهِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا إِحْرَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ فَأَخْذَ بِالْأَفْضَلِ فَأَحْرَمَ مُفْرِدًا لِلْحَجِّ ، وَبِهِ تَظَاهَرَتِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ ، وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا فَمَعْنَاهَا أَمَرَ بِهِ ، وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ بِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا فَإِخْبَارٌ عَنْ حَالَتِهِ الثَّانِيَةِ لَا عَنِ ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ ، بَلْ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ حِينَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ حَجِّهِمْ وَقَلَبَهُ إِلَى عُمْرَةٍ لِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ، وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ فِي آخِرِ إِحْرَامِهِمْ قَارِنِينَ ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَدْخَلُوا الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ ، وَفَعَلَ ذَلِكَ مُوَاسَاةً لِأَصْحَابِهِ ، وَتَأْنِيسًا لَهُمْ فِي فِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، لِكَوْنِهَا كَانَتْ مُنْكَرَةً عِنْدَهُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَلَمْ يُمْكِنُهُ التَّحَلُّلُ مَعَهُمْ بِسَبَبِ الْهَدْيِ ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي تَرْكِ مُوَاسَاتِهِمْ ، فَصَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِنًا فِي آخِرِ أَمْرِهِ ، وَقَدِ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ إِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ ، وَشَذَّ بَعْضُ النَّاسِ فَمَنَعَهُ وَقَالَ : لَا يَدْخُلُ إِحْرَامٌ عَلَى إِحْرَامٍ ، كَمَا لَا تَدْخُلُ صَلَاةٌ عَلَى صَلَاةٍ ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ ، فَيُجَوِّزُهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَمَنَعَهُ آخَرُونَ وَجَعَلُوا هَذَا خَاصًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِضَرُورَةِ الِاعْتِمَارِ حِينَئِذٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ، قَالَ : وَكَذَلِكَ يُتَأَوَّلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ : كَانَ مُتَمَتِّعًا ، أَيْ تَمَتَّعَ بِفِعْلِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ وَفَعَلَهَا مَعَ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ التَّمَتُّعِ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ ، فَانْتَظَمَتِ الْأَحَادِيثُ وَاتَّفَقَتْ ، قَالَ : وَلَا يَبْعُدُ رَدُّ مَا وَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ فِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِ هَذَا مَعَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا ، فَيَكُونُ الْإِفْرَادُ إِخْبَارًا عَنْ فِعْلِهِمْ أَوَّلًا ، وَالْقِرَانُ إِخْبَارًا عَنْ إِحْرَامِ الَّذِينَ مَعَهُمْ هَدْيٌ بِالْعُمْرَةِ ثَانِيًا ، وَالتَّمَتُّعُ لِفَسْخِهِمُ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ ثُمَّ إِهْلَالِهِمْ بِالْحَجِّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا ، كَمَا فَعَلَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ .

قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا : إِنَّهُ أَحْرَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا مُنْتَظِرًا مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ إِفْرَادٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْحَجِّ ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْعُمْرَةِ مَعَهُ فِي وَادِي الْعَقِيقِ بِقَوْلِهِ : " صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ ، وَقُلْ : عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ " ؛ قَالَ الْقَاضِي : وَالَّذِي سَبَقَ أَبْيَنُ وَأَحْسَنُ فِي التَّأْوِيلِ ، هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ ، ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَهُ : لَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ : أَحْرَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا مُبْهَمًا ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِهِ .

قَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَدْ أَنْعَمَ الشَّافِعِيُّ بِبَيَانِ هَذَا فِي كِتَابِهِ : اخْتِلَافُ الْحَدِيثِ وَجودُ الْكَلَامِ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَفِي اقْتِصَاصِ كُلِّ مَا قَالَهُ تَطْوِيلٌ . وَلَكِنَّ الْوَجِيهَ وَالْمُخْتَصَرَ مِنْ جَوَامِعِ مَا قَالَ أَنَّ مَعْلُومًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَوَازُ إِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْأَمْرِ ، كَجَوَازِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْفَاعِلِ كَقَوْلِكَ : بَنَى فُلَانٌ دَارًا ، إِذَا أَمَرَ بِبِنَائِهَا ، وَضَرَبَ الْأَمِيرُ فُلَانًا ، إِذَا أَمَرَ بِضَرْبِهِ ، وَرَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا ، وَقَطَعَ سَارِقَ رِدَاءَءِ صَفْوَانَ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ ، وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمُ الْمُفْرِدُ وَالْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ ، وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ ، فَجَازَ أَنْ تُضَافَ كُلُّهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا ، وَأَذِنَ فِيهَا . قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَعْضَهُمْ سَمِعَهُ يَقُولُ : لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ ، فَحَكَى عَنْهُ أَنَّهُ أَفْرَدَ ، وَخَفِيَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : وَعُمْرَةٍ ، فَلَمْ يَحْكِ إِلَّا مَا سَمِعَ ، وَسَمِعَ أَنَسٌ وَغَيْرُهُ الزِّيَادَةَ وَهِيَ : لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، وَلَا يُنْكَرُ قَبُولُ الزِّيَادَةِ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ التَّنَاقُضُ لَوْ كَانَ الزَّائِدُ نَافِيًا لِقَوْلِ صَاحِبِهِ ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُثْبِتًا لَهُ وَزَائِدًا عَلَيْهِ ، فَلَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ ، قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّاوِي سَمِعَهُ يَقُولُ لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْلِيمِ ، فَيَقُولُ لَهُ : لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، عَلَى سَبِيلِ التَّلْقِينِ .

فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ ظَاهِرًا لَيْسَ فِيهَا تَنَاقُضٌ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا سَهْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ) يُقَالُ : ( هَدْيٌ ) بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَ ( هَدِيٌّ ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ ، وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ مِنَ الْأَنْعَامِ .

وَسَوْقُ الْهَدْيِسُنَّةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ .

قَوْلُهُ : ( عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ ، قَالَتْ : وَلَمْ أُهِلَّ إِلَّا بِعُمْرَةٍ ) ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَائِشَةَ فِيمَا أَحْرَمَتْ بِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْهَا : ( خَرَجْنَا لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ ) ، وَفِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْهَا : ( خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ ) ، وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا : ( نُلَبِّي لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً ) ، قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ ، فَقَالَ مَالِكٌ : لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَنَا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَتَرَجَّحُ أَنَّهَا كَانَتْ مُحْرِمَةً بِحَجٍّ ؛ لِأَنَّهَا رِوَايَةُ عَمْرَةَ وَالْأَسْوَدِ وَالْقَاسِمِ ، وَغَلَّطُوا عُرْوَةَ فِي الْعُمْرَةِ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ ، وَرَجَّحُوا رِوَايَةَ غَيْرِ عُرْوَةَ عَلَى رِوَايَتِهِ ؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ قَالَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْهُ : حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : ( دَعِي عُمْرَتَكِ ) فَقَدْ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعِ الْحَدِيثَ مِنْهَا ، قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَلَيْسَ هَذَا بِوَاضِحٍ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِمَّنْ حَدَّثَهُ ذَلِكَ ، قَالُوا أَيْضًا : وَلِأَنَّ رِوَايَةَ عَمْرَةَ وَالْقَاسِمِ نَسَّقَتْ عَمَلَ عَائِشَةَ فِي الْحَجِّ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاسِمُ عَنْ رِوَايَةِ عَمْرَةَ : ( أَنْبَأَتْكَ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ ) قَالُوا : وَلِأَنَّ رِوَايَةَ عُرْوَةَ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ إِحْرَامِ عَائِشَةَ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ مُمْكِنٌ ، فَأَحْرَمَتْ أَوَّلًا بِالْحَجِّ كَمَا صَحَّ عَنْهَا فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ ، وَكَمَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ ، ثُمَّ أَحْرَمَتْ بِالْعُمْرَةِ حِينَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ ، وَهَكَذَا فَسَّرَ الْقَاسِمُ فِي حَدِيثِهِ ، فَأَخْبَرَ عُرْوَةُ عَنْهَا بِاعْتِمَارِهَا فِي آخِرِ الْأَمْرِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ أَمْرِهَا ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ تَعَارَضَ هَذَا بِمَا صَحَّ عَنْهَا فِي إِخْبَارِهَا عَنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي الْإِحْرَامِ ، وَأَنَّهَا أَحْرَمَتْ هِيَ بِعُمْرَةٍ .

فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ ، ثُمَّ فَسَخَتْهُ إِلَى عُمْرَةٍ حِينَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْفَسْخِ ، فَلَمَّا حَاضَتْ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا إِتْمَامُ الْعُمْرَةِ وَالتَّحَلُّلُ مِنْهَا وَإِدْرَاكُ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ ، أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَأَحْرَمَتْ ، فَصَارَتْ مُدْخِلَةً لِلْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَقَارِنَةً . وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ارْفُضِي عُمْرَتَكِ ) ، لَيْسَ مَعْنَاهُ إِبْطَالُهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا ، فَإِنَّ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ لَا يَصِحُّ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِالتَّحَلُّلِ بَعْدَ فَرَاغِهَا ، بَلْ مَعْنَاهُ : ارْفُضِي الْعَمَلَ فِيهَا ، وَإِتْمَامَ أَفْعَالِهَا الَّتِي هِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَتَقْصِيرُ شَعْرِ الرَّأْسِ ، فَأَمَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ، وَأَنْ تُحْرِمَ بِالْحَجِّ فَتَصِيرَ قَارِنَةً ، وَتَقِفَ بِعَرَفَاتٍ وَتَفْعَلَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ ، فَتُؤَخِّرَهُ حَتَّى تَطْهُرَ ، وَكَذَلِكَ فَعَلَتْ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ : ( وَأَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ ) وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بَعْدَ هَذَا فِي آخِرِ رِوَايَاتِ عَائِشَةَ : ( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ بَهْزٍ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمَتْ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَاضَتْ فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا ، وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّفْرِ : يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ ، فَأَبَتْ فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ هَذَا لَفْظُهُ .

فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ ) تَصْرِيحٌ بِأَنَّ عُمْرَتَهَا بَاقِيَةٌ صَحِيحَةٌ مُجْزِئَةٌ ، وَأَنَّهَا لَمْ تُلْغِهَا وَتَخْرُجْ مِنْهَا ، فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ ( ) عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رَفْضِ الْعَمَلِ فِيهَا وَإِتْمَامِ أَفْعَالِهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَمَّا مَضَتْ مَعَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ : ( هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ ) فَمَعْنَاهُ : أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ يَكُونَ لَهَا عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ عَنِ الْحَجِّ ، كَمَا حَصَلَ لِسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَغَيْرِهِنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ فَسَخُوا الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ ، وَأَتَمُّوا الْعُمْرَةَ وَتَحَلَّلُوا مِنْهَا قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ ، ثُمَّ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، فَحَصَلَ لَهُمْ عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَحَجَّةٌ مُنْفَرِدَةٌ ، وَأَمَّا عَائِشَةُ فَإِنَّمَا حَصَلَ لَهَا عُمْرَةٌ مُنْدَرِجَةٌ فِي حَجَّةٍ بِالْقِرَانِ ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّفْرِ : ( يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ ) أَيْ وَقَدْ تَمَّا وَحُسِبَا لَكِ جَمِيعًا ، فَأَبَتْ وَأَرَادَتْ عُمْرَةً مُنْفَرِدَةً ، كَمَا حَصَلَ لِبَاقِي النَّاسِ ، فَلَمَّا اعْتَمَرَتْ عُمْرَةً مُنْفَرِدَةً قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ ) ، أَيِ الَّتِي كُنْتِ تُرِيدِينَ حُصُولَهَا مُنْفَرِدَةً غَيْرَ مُنْدَرِجَةٍ فَمَنَعَكِ الْحَيْضُ مِنْ ذَلِكَ ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهَا : ( يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ بِحَجٍّ ) أَيْ يَرْجِعُونَ بِحَجٍّ مُنْفَرِدٍ وَعُمْرَةٍ مُنْفَرِدَةٍ ، وَأَرْجِعُ أَنَا وَلَيْسَ لِي عُمْرَةٌ مُنْفَرِدَةٌ ، وَإِنَّمَا حَرَصَتْ عَلَى ذَلِكَ لِتُكْثِرَ أَفْعَالَهَا . وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِالرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ : الْقِرَانُ أَفْضَلُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي ) فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إِبْطَالُ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ نَقْضَ الرَّأْسِ وَالِامْتِشَاطَ جَائِزَانِ عِنْدَنَا فِي الْإِحْرَامِ بِحَيْثُ لَا يَنْتِفُ شَعْرًا ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ الِامْتِشَاطُ إِلَّا لِعُذْرٍ ، وَتَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ فِعْلَ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَعْذُورَةً ، بِأَنْ كَانَ فِي رَأْسِهَا أَذًى ، فَأَبَاحَ لَهَا الِامْتِشَاطَ كَمَا أَبَاحَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْحَلْقَ لِلْأَذَى ، وَقِيلَ : لَيْسَ الْمُرَادُ بِالِامْتِشَاطِ هُنَا حَقِيقَةَ الِامْتِشَاطِ بِالْمُشْطِ ، بَلْ تَسْرِيحَ الشَّعْرِ بِالْأَصَابِعِ لِلْغُسْلِ لِإِحْرَامِهَا بِالْحَجِّ ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ لَبَّدَتْ رَأْسَهَا كَمَا هُوَ السُّنَّةُ ، وَكَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَا يَصِحُّ غُسْلُهَا إِلَّا بِإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ شَعْرِهَا ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا نَقْضُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهَا : ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ عَنْ طَوَافِ الرُّكْنِ ، وَأَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ ، وَتَنْدَرِجُ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ كُلُّهَا فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَلْزَمُهُ طَوَافَانِ وَسَعْيَانِ ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْأَحَادِيثِ فِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ بَعْدَ إِحْرَامِهِمْ بِالْحَجِّ فِي مُنْتَهَى سَفَرِهِمْ وَدُنُوِّهِمْ مِنْ مَكَّةَ بِسَرِفَ ، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَوْ بَعْدَ طَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيِهِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ ، وَيُحْتَمَلُ تَكْرَارُ الْأَمْرِ بِذَلِكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَأَنَّ الْعَزِيمَةَ كَانَتْ آخِرًا حِينَ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ .




[ سـ :2196 ... بـ :1211]
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيَحْلِلْ وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَحِضْتُ فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وَأَمْتَشِطَ وَأُهِلَّ بِحَجٍّ وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ قَالَتْ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا قَضَيْتُ حَجَّتِي بَعَثَ مَعِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي أَدْرَكَنِي الْحَجُّ وَلَمْ أَحْلِلْ مِنْهَا

قَوْلُهَا : ( خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيَتَحَلَّلْ ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ ) هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَمُوَافِقِهِمَا فِي أَنَّ الْمُعْتَمِرَ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عُمْرَتِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ .

وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِمَا أَنَّهُ إِذَا طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ ، وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْحَالِ ، سَوَاءٌ كَانَ سَاقَ هَدْيًا أَمْ لَا . وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ ، وَبِأَنَّهُ تَحَلَّلَ مِنْ نُسُكِهِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ كَمَا لَوْ تَحَلَّلَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ ، وَأَجَابُوا عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَهَا ، وَالَّتِي ذَكَرَهَا قَبْلَهَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : ( خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا ) . فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلْمَحْذُوفِ مِنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَتَقْدِيرُهَا : وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ وَلَا يَحِلَّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ : وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ ؛ لِأَنَّ الْقَضِيَّةَ وَاحِدَةٌ وَالرَّاوِي وَاحِدٌ ، فَيَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :2197 ... بـ :1211]
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ أَكُنْ سُقْتُ الْهَدْيَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَتْ فَحِضْتُ فَلَمَّا دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِحَجَّتِي قَالَ انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ الْعُمْرَةِ وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ قَالَتْ فَلَمَّا قَضَيْتُ حَجَّتِي أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْدَفَنِي فَأَعْمَرَنِي مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي أَمْسَكْتُ عَنْهَا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَمْسِكِي عَنِ الْعُمْرَةِ ) فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْهَا ، وَإِنَّمَا أَمْسَكَتْ عَنْ أَعْمَالِهَا وَأَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ ، فَأَدْرَجَتْ أَعْمَالَهَا بِالْحَجِّ ، كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِلتَّأْوِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ) أَنَّ الْمُرَادَ رَفْضُ إِتْمَامِ أَعْمَالِهَا ، لَا إِبْطَالُ أَصْلِ الْعُمْرَةِ .

قَوْلُهَا : ( فَأَرْدَفَنِي ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِرْدَافِ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مُطِيقَةً ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِذَلِكَ . وَفِيهِ : جَوَازُ إِرْدَافِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ مِنْ مَحَارِمِهِ ، وَالْخَلْوَةِ بِهَا ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ .




[ سـ :2198 ... بـ :1211]
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجٍّ وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهْلِلْ ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ ) فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ . وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِهَا كَمَا سَبَقَ .

قَوْلُهَا : ( فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ ) هِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ، وَهِيَ الَّتِي بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ نَفَرُوا مِنْ مِنًى فَنَزَلُوا فِي الْمُحَصَّبِ وَبَاتُوا بِهِ .




[ سـ :2199 ... بـ :1211]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ قَالَتْ فَكَانَ مِنْ الْقَوْمِ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ قَالَتْ فَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِي فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ قَالَتْ فَفَعَلْتُ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّنَا أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْدَفَنِي وَخَرَجَ بِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَقَضَى اللَّهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مُوَافِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عَبْدَةَ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ مِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِهِمَا وَقَالَ فِيهِ قَالَ عُرْوَةُ فِي ذَلِكَ إِنَّهُ قَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا قَالَ هِشَامٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا صَدَقَةٌ

قَوْلُهَا : ( خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ ) أَيْ مُقَارِنِينَ لِاسْتِهْلَالِهِ ، وَكَانَ خُرُوجُهُمْ قَبْلَهُ لِخَمْسٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ ) هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِتَفْضِيلِ التَّمَتُّعِ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ ) .

وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَمَنَّى إِلَّا الْأَفْضَلَ ، وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِتَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ هَذَا مِنْ أَجْلِ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ الَّذِي هُوَ خَاصٌّ لَهُمْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ خَاصَّةً ، لِمُخَالَفَةِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ التَّمَتُّعَ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ ، وَقَالَ هَذَا تَطْيِيبًا لِقُلُوبِ أَصْحَابِهِ ، وَكَانَتْ نُفُوسُهُمْ لَا تَسْمَحُ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا ، فَقَالَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلَامَ ، وَمَعْنَاهُ : مَا يَمْنَعُنِي مِنْ مُوَافَقَتِكُمْ فِيمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ إِلَّا سَوْقِي الْهَدْيَ ، وَلَوْلَاهُ لَوَافَقْتُكُمْ ، وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ هَذَا الرَّأْيَ - وَهُوَ الْإِحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ - مِنْ أَوَّلِ أَمْرِي لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ .

وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا .

قَوْلُهَا : ( فَقَضَى اللَّهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إِخْبَارِهَا عَنْ نَفْسِهَا ، أَيْ لَمْ يَكُنْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ ، ثُمَّ إِنَّهُ مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً ، وَالْقَارِنُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ ، وَكَذَلِكَ الْمُتَمَتِّعُ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَجِبْ عَلَيَّ دَمُ ارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ ، كَالطِّيبِ ، وَسَتْرِ الْوَجْهِ ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ ، وَإِزَالَةِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، أَيْ لَمْ أَرْتَكِبْ مَحْظُورًا فَيَجِبُ بِسَبَبِهِ هَدْيٌ أَوْ صَدَقَةٌ أَوْ صَوْمٌ . هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهِ ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَجٍّ مُفْرَدٍ لَا تَمَتُّعٍ وَلَا قِرَانٍ ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى وُجُوبِ الدَّمِ فِيهِمَا إِلَّا دَاوُدَ الظَّاهِرِيَّ ، فَقَالَ : لَا دَمَ عَلَى الْقَارِنِ . هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي ، وَهَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ قَوْلُهُ : ( وَلَمْ يَكُنْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا صَوْمٌ ) ظَاهِرُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ ، وَلَكِنْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا بِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ ، وَيَكُونُ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَى الْمُدْرَجِ .

قَوْلُهَا : ( خَرَجْنَا مُوَافِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ ذِي الْحَجَّةِ لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ ) مَعْنَاهُ : لَا نَعْتَقِدُ أَنَّا نُحْرِمُ إِلَّا بِالْحَجِّ ؛ لِأَنَّا كُنَّا نَظُنُّ امْتِنَاعَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ .




[ سـ :2201 ... بـ :1211]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ عَمْرٌو حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا حِضْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ أَنَفِسْتِ يَعْنِي الْحَيْضَةَ قَالَتْ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي قَالَتْ وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ

قَوْلُهَا : ( حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ، وَهُوَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ بِقُرْبِ مَكَّةَ عَلَى أَمْيَالٍ مِنْهَا ، قِيلَ : سِتَّةٌ ، وَقِيلَ : سَبْعَةٌ ، وَقِيلَ : تِسْعَةٌ ، وَقِيلَ عَشَرَةٌ ، وَقِيلَ : اثْنَا عَشَرَ مِيلًا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَفِسْتِ ) مَعْنَاهُ : أَحِضْتِ ؟ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، الْفَتْحُ أَفْصَحُ ، وَالْفَاءُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا ، وَأَمَّا النِّفَاسُ الَّذِي هُوَ الْوِلَادَةُ فَيُقَالُ فِيهِ : ( نُفِسَتْ ) بِالضَّمِّ لَا غَيْرَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَيْضِ : ( هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ ) هَذَا تَسْلِيَةٌ لَهَا وَتَخْفِيفٌ لِهَمِّهَا ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّكِ لَسْتِ مُخْتَصَّةً بِهِ ، بَلْ كُلُّ بَنَاتِ آدَمَ يَكُونُ مِنْهُنَّ هَذَا ، كَمَا يَكُونُ مِنْهُنَّ وَمِنَ الرِّجَالِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَغَيْرُهُمَا ، وَاسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ بِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ كَانَ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ ، وَأَنْكَرَ بِهِ عَلَى مَنْ قَالَ : إِنَّ الْحَيْضَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ وَوَقَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَغْتَسِلِي ) ، مَعْنَى ( اقْضِي ) افْعَلِي ، كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( فَاصْنَعِي ) وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وَالْمُحْدِثَ وَالْجُنُبَ يَصِحُّ مِنْهُمْ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَأَقْوَالِهِ وَهَيْئَاتِهِ إِلَّا الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ ، فَيَصِحُّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَغَيْرُهُ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَلِكَ الْأَغْسَالُ الْمَشْرُوعَةُ فِي الْحَجِّ تُشْرَعُ لِلْحَائِضِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا .

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَصِحُّ مِنَ الْحَائِضِ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ : هِيَ شَرْطٌ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَيْسَتْ بِشَرْطٍ ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ ، فَمَنْ شَرَطَ الطَّهَارَةَ قَالَ : الْعِلَّةُ فِي بُطْلَانِ طَوَافِ الْحَائِضِ عَدَمُ الطَّهَارَةِ . وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا قَالَ : الْعِلَّةُ فِيهِ كَوْنُهَا مَمْنُوعَةً مِنَ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ .

قَوْلُهَا : ( وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْذَنَهُنَّ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ تَضْحِيَةَ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ لَا تَجُوزُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ فِي أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِالْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ تَفْضِيلِ الْبَقَرِ وَلَا عُمُومُ لَفْظٍ ، إِنَّمَا هِيَ قَضِيَّةُ عَيْنٍ مُحْتَمِلَةٌ لِأُمُورٍ ، فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَا قَالَهُ ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِالْبَدَنَةِ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَرَةِ ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً إِلَى آخِرِهِ .




[ سـ :2202 ... بـ :1211]
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَبُو أَيُّوبَ الْغَيْلَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ حَتَّى جِئْنَا سَرِفَ فَطَمِثْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ خَرَجْتُ الْعَامَ قَالَ مَا لَكِ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي قَالَتْ فَلَمَّا قَدِمْتُ مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ اجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَأَحَلَّ النَّاسُ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ قَالَتْ فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِي الْيَسَارَةِ ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ طَهَرْتُ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَضْتُ قَالَتْ فَأُتِيَنَا بِلَحْمِ بَقَرٍ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالُوا أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَرْجِعُ النَّاسُ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَأَرْجِعُ بِحَجَّةٍ قَالَتْ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْدَفَنِي عَلَى جَمَلِهِ قَالَتْ فَإِنِّي لَأَذْكُرُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ أَنْعَسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةَ الرَّحْلِ حَتَّى جِئْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ جَزَاءً بِعُمْرَةِ النَّاسِ الَّتِي اعْتَمَرُوا وَحَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ الْغَيْلَانِيُّ حَدَّثَنَا بَهْزٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْمَاجِشُونِ غَيْرَ أَنَّ حَمَّادًا لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَوِي الْيَسَارَةِ ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا وَلَا قَوْلُهَا وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ أَنْعَسُ فَيُصِيبُ وَجْهِي مُؤْخِرَةَ الرَّحْلِ

قَوْلُهَا : ( فَطَمِثْتُ ) هُوَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ حِضْتُ ، يُقَالُ : حَاضَتِ الْمَرْأَةُ وَتَحَيَّضَتْ ، وَطَمِثَتْ وَعَرَكَتْ بِفَتْحِ الرَّاءِ ، وَنَفِسَتْ وَضَحِكَتْ وَأَعْصَرَتْ وَأَكْبَرَتْ ، كُلُّهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ ، وَالِاسْمُ مِنْهُ الْحَيْضُ وَالطَّمْسُ وَالْعَرَاكُ وَالضَّحِكُ وَالْإِكْبَارُ وَالْإِعْصَارُ ، وَهِيَ حَائِضٌ ، وَحَائِضَةٌ فِي لُغَةِ غَرِيبَةٍ ، حَكَاهَا الْفَرَّاءُ ، وَطَامِثٌ وَعَارِكٌ وَمُكْبِرٌ وَمُعْصِرٌ .

وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ حَجِّ الرَّجُلِ بِامْرَأَتِهِ ، وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا اسْتَطَاعَتْهُ . وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ هَلَ الْمَحْرَمُ لَهَا مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِطَاعَةِ ؟ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ ، وَأَمَّا حَجُّ الْفَرْضِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ : لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا بِشَيْءٍ .

وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : لَا يَمْنَعُهَا مِنْهُ ، كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ ، وَأَصَحُّهُمَا : لَهُ مَنْعُهَا ، لِأَنَّ حَقُّهُ عَلَى الْفَوْرِ ، وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي ، قَالَ أَصْحَابُنَا : وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحُجَّ بِزَوْجَتِهِ ، لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ .

قَوْلُهَا : ( ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا ) يَعْنِي الَّذِينَ تَحَلَّلُوا بِعُمْرَةٍ وَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ حِينَ رَاحُوا إِلَى مِنًى ، وَذَلِكَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ . وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِيمَنْ هُوَ بِمَكَّةَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ ، وَلَا يُقَدِّمُهُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ .

قَوْلُهَا : ( أَنْعُسُ ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ .

قَوْلُهَا : ( فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ جَزَاءً بِعُمْرَةِ النَّاسِ ) أَيْ تَقُومُ مَقَامَ عُمْرَةِ النَّاسِ وَتَكْفِينِي عَنْهَا .




[ سـ :2204 ... بـ :1211]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَفْلَحَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفِي حُرُمِ الْحَجِّ وَلَيَالِي الْحَجِّ حَتَّى نَزَلْنَا بِسَرِفَ فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْكُمْ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا فَمِنْهُمْ الْآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ وَمَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَهُمْ قُوَّةٌ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ قُلْتُ سَمِعْتُ كَلَامَكَ مَعَ أَصْحَابِكَ فَسَمِعْتُ بِالْعُمْرَةِ قَالَ وَمَا لَكِ قُلْتُ لَا أُصَلِّي قَالَ فَلَا يَضُرُّكِ فَكُونِي فِي حَجِّكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا وَإِنَّمَا أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ قَالَتْ فَخَرَجْتُ فِي حَجَّتِي حَتَّى نَزَلْنَا مِنًى فَتَطَهَّرْتُ ثُمَّ طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحَصَّبَ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ لِتَطُفْ بِالْبَيْتِ فَإِنِّي أَنْتَظِرُكُمَا هَا هُنَا قَالَتْ فَخَرَجْنَا فَأَهْلَلْتُ ثُمَّ طُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَجِئْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَنْزِلِهِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ هَلْ فَرَغْتِ قُلْتُ نَعَمْ فَآذَنَ فِي أَصْحَابِهِ بِالرَّحِيلِ فَخَرَجَ فَمَرَّ بِالْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ

قَوْلُهَا : ( خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفِي حُرُمِ الْحَجِّ وَلَيَالِي الْحَجِّ ) قَوْلُهَا : ( حُرُمِ الْحَجِّ ) . هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَالرَّاءِ كَذَا ضَبَطْنَاهُ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ ، قَالَ : وَضَبَطَهُ الْأَصِيلِيُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ ، قَالَ : فَعَلَى الضَّمِّ كَأَنَّهَا تُرِيدُ الْأَوْقَاتَ وَالْمَوَاضِعَ وَالْأَشْيَاءَ وَالْحَالَاتِ ، أَمَّا بِالْفَتْحِ فَجَمْعُ ( حُرْمَةٍ ) أَيْ مَمْنُوعَاتِ الشَّرْعِ وَمُحَرَّمَاتِهِ ، وَكَذَلِكَ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ الْمُحَرَّمَةِ بِنَسَبٍ حُرْمَةٌ ، وَجَمْعُهَا حُرُمٌ وَأَمَّا قَوْلُهَا : ( فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ ) فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِأَشْهُرِ الْحَجِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ : هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ تَمْتَدُّ إِلَى الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ بِكَمَالِهِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ .

قَوْلُهَا : ( فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْكُمْ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا ، فَمِنْهُمُ الْآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ ) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ بَعْدَ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ ) ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ : ( فَأَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ ) يَعْنِي بِعُمْرَةٍ ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ : ( قَالَ : فَحِلُّوا قَالَ : فَحَلَلْنَا وَسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ فَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَصِّرُوا وَأَقِيمُوا حَلَالًا ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِّلُوا بِالْحَجِّ ، وَاجْعَلُوا الَّذِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً ، قَالُوا : كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا بِالْحَجِّ ؟ قَالَ : افْعَلُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ ) .

هَذِهِ الرِّوَايَاتُ صَحِيحَةٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ أَمْرَ عَزِيمَةٍ وَتَحَتُّمٍ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : خَيَّرَهُمْ أَوَّلًا بَيْنَ الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ مُلَاطَفَةً لَهُمْ ، وَإِينَاسًا بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهَا مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ ، ثُمَّ حَتَّمَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَسْخَ وَأَمَرَهُمْ بِهِ أَمْرَ عَزِيمَةٍ ، وَأَلْزَمَهُمْ إِيَّاهُ وَكَرِهَ تَرَدُّدَهُمْ فِي قَبُولِ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَبِلُوهُ وَفَعَلُوهُ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهَا : ( سَمِعْتُ كَلَامَكَ مَعَ أَصْحَابِكَ فَسَمِعْتُ بِالْعُمْرَةِ ) كَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ ( فَسَمِعْتُ بِالْعُمْرَةِ ) قَالَ الْقَاضِي : كَذَا رَوَاهُ جُمْهُورُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ ( فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ ) وَهُوَ الصَّوَابُ .

قَوْلُهَا : ( قَالَ : وَمَا لَكِ ؟ قُلْتُ : لَا أُصَلِّي ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْكِنَايَةِ عَنِ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْتَحَى مِنْهُ ، وَيُسْتَشْنَعُ لَفْظُهُ ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ حَاجَةً كَإِزَالَةِ وَهْمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ الْعُمْرَةَ فَمِيقَاتُهُ لَهَا أَدْنَى الْحِلِّ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرِمَ بِهَا مِنَ الْحَرَمِ ، فَإِنْ خَالَفَ وَأَحْرَمَ بِهَا مِنَ الْحَرَمِ وَخَرَجَ إِلَى الْحِلِّ قَبْلَ الطَّوَافِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ . وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ وَطَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ عُمْرَتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ يَصِحُّ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الْمِيقَاتَ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَإِنَّمَا وَجَبَ الْخُرُوجُ إِلَى الْحِلِّ لِيَجْمَعَ فِي نُسُكِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ، كَمَا أَنَّ الْحَاجَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَقِفُ بِعَرَفَاتٍ وَهِيَ فِي الْحِلِّ ، ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ لِلطَّوَافِ وَغَيْرِهِ

هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَهَكَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ الْخُرُوجُ لِإِحْرَامِ الْعُمْرَةِ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ ، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي الْحَرَمِ وَلَمْ يَخْرُجْ لَزِمَهُ دَمٌ . وَقَالَ عَطَاءٌ : لَا شَيْءَ عَلَيْهِ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَقَالَ مَالِكٌ : لَا بُدَّ مِنْ إِحْرَامِهِ مِنَ التَّنْعِيمِ خَاصَّةً . قَالُوا : وَهُوَ مِيقَاتُ الْمُعْتَمِرِينَ مِنْ مَكَّةَ ، وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ ، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ أَنَّ جَمِيعَ جِهَاتِ الْحِلِّ سَوَاءٌ ، وَلَا تَخْتَصُّ بِالتَّنْعِيمِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :2207 ... بـ :1211]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ح وَعَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ قَالَ انْتَظِرِي فَإِذَا طَهَرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي مِنْهُ ثُمَّ الْقَيْنَا عِنْدَ كَذَا وَكَذَا قَالَ أَظُنُّهُ قَالَ غَدًا وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ قَالَ نَفَقَتِكِ وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ وَإِبْرَاهِيمَ قَالَ لَا أَعْرِفُ حَدِيثَ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ أَوْ قَالَ : نَفَقَتِكِ ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الثَّوَابَ وَالْفَضْلَ فِي الْعِبَادَةِ يَكْثُرُ بِكَثْرَةِ النَّصَبِ وَالنَّفَقَةِ ، وَالْمُرَادُ النَّصَبُ الَّذِي لَا يَذُمُّهُ الشَّرْعُ ، وَكَذَا النَّفَقَةُ .




[ سـ :2208 ... بـ :1211]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا وَقَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ قَالَتْ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ فَأَحْلَلْنَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ قَالَ أَوْ مَا كُنْتِ طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَتْ قُلْتُ لَا قَالَ فَاذْهَبِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ ثُمَّ مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا قَالَتْ صَفِيَّةُ مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ قَالَ عَقْرَى حَلْقَى أَوْ مَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ بَلَى قَالَ لَا بَأْسَ انْفِرِي قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ عَلَيْهَا أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ مِنْهَا وَقَالَ إِسْحَقُ مُتَهَبِّطَةٌ وَمُتَهَبِّطٌ وَحَدَّثَنَاه سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُلَبِّي لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَنْصُورٍ

قَوْلُهَا : ( قَالَتْ صَفِيَّةُ : مَا أُرَانِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ . قَالَ : عَقْرَى حَلْقَى أَوَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَتْ : بَلَى قَالَ : لَا بَأْسَ انْفِرِي ) مَعْنَاهُ أَنَّ صَفِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْوَدَاعِ ، فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرُّجُوعَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَتْ : مَا أَظُنُّنِي إِلَّا حَابِسَتَكُمْ لِانْتِظَارِ طُهْرِي وَطَوَافِي لِلْوَدَاعِ فَإِنِّي لَمْ أَطُفْ لِلْوَدَاعِ ، وَقَدْ حِضْتُ وَلَا يُمْكِنُنِي الطَّوَافُ الْآنَ ، وَظَنَّتْ أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَا يَسْقُطُ عَنِ الْحَائِضِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَا كُنْتِ طُفْتِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ ؟ قَالَتْ : بَلَى قَالَ : يَكْفِيكِ ذَلِكَ ) لِأَنَّهُ هُوَ الطَّوَافُ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ . وَلَا بُدَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُ . وَأَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَقْرَى حَلْقَى ) فَهَكَذَا يَرْوِيهِ الْمُحَدِّثُونَ بِالْأَلِفِ الَّتِي هِيَ أَلِفُ التَّأْنِيثِ ، وَيَكْتُبُونَهُ بِالْيَاءِ وَلَا يُنَوِّنُونَهُ ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ لَا يُحْصَوْنَ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ، وَغَيْرِهِمْ عَنْ رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ . وَهُوَ صَحِيحٌ فَصِيحٌ . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : مَعْنَى ( عَقْرَى ) عَقَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَ ( حَلْقَى ) حَلَقَهَا اللَّهُ . قَالَ : يَعْنِي عَقَرَ اللَّهُ جَسَدَهَا وَأَصَابَهَا بِوَجَعٍ فِي حَلْقِهَا . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ ( عَقْرَى حَلْقَى ) ، وَإِنَّمَا هُوَ ( عَقْرًا حَلْقًا ) . قَالَ : وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ إِرَادَةِ وُقُوعُهُ . قَالَ شَمِرٌ : قُلْتُ لِأَبِي عُبَيْدٍ : لِمَ لَا تُجِيزُ ( عَقْرَى ) ؟ فَقَالَ : لِأَنَّ ( فَعْلَى ) تَجِيءُ نَعْتًا وَلَمْ تَجِئْ فِي الدُّعَاءِ ، فَقُلْتُ : رَوَى ابْنُ شُمَيْلٍ عَنِ الْعَرَبِ ( مَطْبَرَى ) ، وَعَقْرَى أَخَفُّ مِنْهَا ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ . هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ . وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ : يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ عَقْرَى حَلْقَى مَعْنَاهُ عَقَرَهَا اللَّهُ وَحَلَقَهَا أَيْ حَلَقَ شَعْرَهَا أَوْ أَصَابَهَا بِوَجَعٍ فِي حَلْقِهَا قَالَ : فَعَقْرَى هَهُنَا مَصْدَرٌ كَدَعْوَى . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ تَعْقِرُ قَوْمَهَا وَتَحْلِقُهُمْ بِشُؤْمِهَا .

وَقِيلَ : الْعَقْرَى الْحَائِضُ . وَقِيلَ : عَقْرَى حَلْقَى أَيْ عَقَرَهَا اللَّهُ وَحَلَقَهَا . هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ جَعَلَهَا اللَّهُ عَاقِرًا لَا تَلِدُ ، وَحَلْقَى مَشْئُومَةٌ عَلَى أَهْلِهَا . وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ فَهِيَ كَلِمَةٌ كَانَ أَصْلُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ ، ثُمَّ اتَّسَعَتِ الْعَرَبُ فِيهَا فَصَارَتْ تُطْلِقُهَا وَلَا تُرِيدُ حَقِيقَةَ مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوَّلًا ، وَنَظِيرُهُ تَرِبَتْ يَدَاهُ ، وَقَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعَهُ وَمَا أَشْعَرَهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ طَوَافَ الْوَدَاعِ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ ، وَلَا يَلْزَمُهَا الصَّبْرُ إِلَى طُهْرِهَا لِتَأْتِيَ بِهِ ، وَلَا دَمَ عَلَيْهَا فِي تَرْكِهِ ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ .