فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ بَيَانِ أَنَّ تَخْيِيرَ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ

باب بَيَانِ أَنَّ تَخْيِيرَ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ
[ سـ :2788 ... بـ :1475]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي فَقَالَ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ قَالَتْ قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ قَالَتْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا قَالَتْ فَقُلْتُ فِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ قَالَتْ ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ

قَوْلُهُ : ( لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ بَدَأَ بِي ، فَقَالَ : إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَلَّا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ قَالَتْ : قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ ) إِنَّمَا بَدَأَ بِهَا لِفَضِيلَتِهَا .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي ) مَعْنَاهُ مَا يَضُرُّكَ أَلَّا تَعْجَلِي ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهَا هَذَا شَفَقَةً عَلَيْهَا وَعَلَى أَبَوَيْهَا ، وَنَصِيحَةً لَهُمْ فِي بَقَائِهَا عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّهُ خَافَ أَنْ يَحْمِلَهَا صِغَرُ سِنِّهَا وَقِلَّةُ تَجَارِبِهَا عَلَى اخْتِيَارِ الْفِرَاقِ ، فَيَجِبُ فِرَاقُهَا فَتُضَرُّ هِيَ وَأَبَوَاهَا وَبَاقِي النِّسْوَةِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهَا .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَةَ ثُمَّ لِسَائِرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ . وَفِيهِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الْخَيْرِ وَإِيثَارِ أُمُورِ الْآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا . وَفِيهِ نَصِيحَةُ الْإِنْسَانِ صَاحِبَهُ وَتَقْدِيمُهُ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ أَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ .




[ سـ :2789 ... بـ :1476]
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُنَا إِذَا كَانَ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ مَا نَزَلَتْ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ فَقَالَتْ لَهَا مُعَاذَةُ فَمَا كُنْتِ تَقُولِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنَكِ قَالَتْ كُنْتُ أَقُولُ إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَيَّ لَمْ أُوثِرْ أَحَدًا عَلَى نَفْسِي وَحَدَّثَنَاه الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ

قَوْلُهَا : ( إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَيَّ لَمْ أُوثِرْ عَلَى نَفْسِي أَحَدًا ) هَذِهِ الْمُنَافَسَةُ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِمْتَاعِ وَلِمُطْلَقِ الْعِشْرَةِ وَشَهَوَاتِ النُّفُوسِ وَحُظُوظِهَا الَّتِي تَكُونُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ ، بَلْ هِيَ مُنَافَسَةٌ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ وَفِي خِدْمَتِهِ وَمُعَاشَرَتِهِ وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ وَفِي قَضَاءِ حُقُوقِهِ وَحَوَائِجِهِ وَتَوَقُّعُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَالْوَحْيِ عَلَيْهِ عِنْدهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ . وَمِثْلُ هَذَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَقَوْلُهُ فِي الْقَدَحِ ( لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا ) وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ .




[ سـ :2790 ... بـ :1477]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نَعُدَّهُ طَلَاقًا

قَوْلُهَا : ( خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نَعُدَّهُ طَلَاقًا ) وَفِي رِوَايَةٍ ( فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا ) وَفِي رِوَايَةٍ ( فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعُدَّهُ طَلَاقًا ) وَفِي رِوَايَةٍ ( فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَعْدُدْهَا عَلَيْنَا شَيْئًا ) . وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ : ( فَلَمْ يَعُدَّهَا عَلَيْنَا شَيْئًا )

فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ خَيَّرَ زَوْجَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا وَلَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ .

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْحَسَنِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ نَفْسَ التَّخْيِيرِ يَقَعُ بِهِ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ سَوَاءٌ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَمْ لَا ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَالنَّقَّاشُ عَنْ مَالِكٍ ، قَالَ الْقَاضِي : لَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ مَالِكٍ . ثُمَّ هُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ ، وَلَعَلَّ الْقَائِلِينَ بِهِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :2795 ... بـ :1478]
وَحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَقَ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ لَمْ يُؤْذَنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَالَ فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ فَدَخَلَ ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا قَالَ فَقَالَ لَأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا كِلَاهُمَا يَقُولُ تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَقُلْنَ وَاللَّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ حَتَّى بَلَغَ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا قَالَ فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لَا تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ قَالَتْ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَتَلَا عَلَيْهَا الْآيَةَ قَالَتْ أَفِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ قَالَ لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا

قَوْلُهُ : ( وَاجِمًا ) هُوَ بِالْجِيمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي اشْتَدَّ حُزْنُهُ حَتَّى أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ ، يُقَالُ : وَجَمَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وُجُومًا .

قَوْلُهُ : ( لَأَقُولَنَّ شَيْئًا يُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ( أُضْحِكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ مِثْلِ هَذَا ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا رَأَى صَاحِبَهُ مَهْمُومًا حَزِينًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَهُ بِمَا يُضْحِكُهُ أَوْ يُشْغِلَهُ وَيُطَيِّبَ نَفْسَهُ ، وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

قَوْلُهُ : ( فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا ) وَقَوْلُهُ : ( يَجَأُ عُنُقَهَا ) هُوَ بِالْجِيمِ وَبِالْهَمْزَةِ يُقَالُ ( وَجَأَ يَجَأُ ) إِذَا طَعَنَ .