فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ غَرْزِ الْخَشَبِ فِي جِدَارِ الْجَارِ

باب غَرْزِ الْخَشَبِ فِي جِدَارِ الْجَارِ
[ سـ :3120 ... بـ :1609]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ قَالَ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَا أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَمْنَعْ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ : مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ؟ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ قَالَ الْقَاضِي : رُوِّينَا قَوْلُهُ : ( خَشَبَةً ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأُصُولِ وَالْمُصَنَّفَاتِ ( خَشَبَةً ) بِالْإِفْرَادِ وَ ( خَشَبَهُ ) بِالْجَمْعِ . قَالَ : وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ رَوْحِ بْنِ الْفَرَجِ : سَأَلْتُ أَبَا زَيْدٍ وَالْحَارِثَ بْنَ مِسْكِينٍ وَيُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْهُ فَقَالُوا كُلُّهُمْ : ( خَشَبَةً ) بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْإِفْرَادِ ، قَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ : كُلُّ النَّاسِ يَقُولُونَهُ بِالْجَمْعِ إِلَّا الطَّحَاوِيَّ . وَقَوْلُهُ : ( بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ ) هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ ، أَيْ : بَيْنَكُمْ ، قَالَ الْقَاضِي : قَدْ رَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ ( أَكْنَافَكُمْ ) بِالنُّونِ ، وَمَعْنَاهُ أَيْضًا : بَيْنَكُمْ ، وَالْكَنَفُ الْجَانِبُ ، وَمَعْنَى الْأَوَّلِ : أَنِّي أُصَرِّحُ بِهَا بَيْنَكُمْ وَأُوجِعُكُمْ بِالتَّقْرِيعِ بِهَا ، كَمَا يُضْرَبُ الْإِنْسَانُ بِالشَّيْءِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ .

قَوْلُهُ : ( مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ) أَيْ عَنْ هَذِهِ السُّنَّةِ وَالْخَصْلَةِ وَالْمَوْعِظَةِ أَوِ الْكَلِمَاتِ ، وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ : " فَنَكَّسُوا رُءُوسَهُمْ ، فَقَالَ : مَا لِي أَرَاكُمْ أَعْرَضْتُمْ " . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ ، هَلْ هُوَ عَلَى النَّدْبِ إِلَى تَمْكِينِ الْجَارِ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ ؟ أَمْ عَلَى الْإِيجَابِ ؟ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ مَالِكٍ : أَصَحُّهُمَا فِي الْمَذْهَبَيْنِ : النَّدْبُ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ . وَالثَّانِي : الْإِيجَابُ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ . وَمَنْ قَالَ بِالنَّدْبِ قَالَ : ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ تَوَقَّفُوا عَنِ الْعَمَلِ ، فَلِهَذَا قَالَ : مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ؟ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْهُ النَّدْبَ لَا الْإِيجَابَ ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَطْبَقُوا عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .