فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ فَضْلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى

باب فَضْلِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى
[ سـ :3599 ... بـ :1877]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا وَلَا أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلَّا الشَّهِيدُ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ فِي الدُّنْيَا لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ : ظَاهِرُ هَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ شُعْبَةَ يَرْوِيهِ عَنْ قَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ جَمِيعًا عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : وَصَوَابُهُ : أَنَّ أَبَا خَالِدٍ يَرْوِيهِ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ ، وَيَرْوِيهِ أَبُو خَالِدٍ أَيْضًا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : وَهَكَذَا قَالَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ الْقَاضِي : فَيَكُونُ حُمَيْدٌ مَعْطُوفًا عَلَى شُعْبَةَ لَا عَلَى قَتَادَةَ ، قَالَ : وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِي خَالِدٍ عَنْ حُمَيْدٍ وَشُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ ، فَبَيَّنَهُ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَيْضًا إِيهَامٌ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ : أَنَّ حُمَيْدًا يَرْوِيهِ عَنْ قَتَادَةَ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ كَذَلِكَ ؛ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ حُمَيْدًا يَرْوِيهِ عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَبَقَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ لَهَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا وَلَا أَنَّ لَهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلَّا الشَّهِيدُ . . . إِلَى آخِرِهِ ) هَذَا مِنْ صَرَائِحِ الْأَدِلَّةِ فِي عَظِيمِ فَضْلِ الشَّهَادَةِ ، وَاللَّهُ الْمَحْمُودُ الْمَشْكُورُ . وَأَمَّا سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا : فَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ : لِأَنَّهُ حَيٌّ ، فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ شَهِدَتْ وَحَضَرَتْ دَارَ السَّلَامِ وَأَرْوَاحَ غَيْرِهِمْ إِنَّمَا تَشْهَدُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْكَرَامَةِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ رُوحَهُ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ شُهِدَ لَهُ بِالْإِيمَانِ وَخَاتِمَةِ الْخَيْرِ بِظَاهِرِ حَالِهِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِكَوْنِهِ شَهِيدًا وَهُوَ الدَّمُ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ الرِّسَالَةَ إِلَيْهِمْ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُشَارِكُهُمْ غَيْرُهُمْ فِي هَذَا الْوَصْفِ .




[ سـ :3601 ... بـ :1878]
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لَا تَسْتَطِيعُونَهُ قَالَ فَأَعَادُوا عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا تَسْتَطِيعُونَهُ وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ

قَوْلُهُ : ( مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا تَسْتَطِيعُوهُ ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ : ( لَا تَسْتَطِيعُوهُ ) وَفِي بَعْضِهَا ( لَا تَسْتَطِيعُونَهُ ) بِالنُّونِ ، وَهَذَا جَارٍ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ ، وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ أَيْضًا ، وَهِيَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ ، حَذْفُ النُّونُ مِنْ غَيْرِ نَاصِبٍ وَلَا جَازِمٍ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَنَظَائِرُهَا مَرَّاتٍ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ . . . إِلَى آخِرِهِ ) مَعْنَى الْقَانِتِ هُنَا : الْمُطِيعُ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَظِيمُ فَضْلِ الْجِهَادِ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْقِيَامَ بِآيَاتِ اللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ، وَقَدْ جَعَلَ الْمُجَاهِدَ مِثْلَ مَنْ لَا يَفْتُرُ عَنْ ذَلِكَ فِي لَحْظَةٍ مِنَ اللَّحَظَاتِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى لِأَحَدٍ ، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَسْتَطِيعُونَهُ " وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :3602 ... بـ :1879]
حَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ قَالَ حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أُسْقِيَ الْحَاجَّ وَقَالَ آخَرُ مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَعْمَلَ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أَعْمُرَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَقَالَ آخَرُ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِمَّا قُلْتُمْ فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الْآيَةَ إِلَى آخِرِهَا وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ قَالَ حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي تَوْبَةَ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَجَرَ الرِّجَالَ الَّذِينَ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ) فِيهِ : كَرَاهَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرَهُ ، وَأَنَّهُ لَا يُرْفَعُ الصَّوْتُ بِعِلْمٍ وَلَا غَيْرِهِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّشْوِيشِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُصَلِّينَ وَالذَّاكِرِينَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .