فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ

باب الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ
[ سـ :3766 ... بـ :1976]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرُونَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ عَبْدٌ أَخْبَرَنَا وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ زَادَ ابْنُ رَافِعٍ فِي رِوَايَتِهِ وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ فَيَذْبَحُونَهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ ) وَالْفَرَعُ : أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ فَيَذْبَحُونَهُ . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ : الْفَرَعُ بِفَاءٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ ، وَيُقَالُ فِيهِ : الْفَرَعَةُ بِالْهَاءِ . وَالْعَتِيرَةُ : بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ ، قَالُوا : وَالْعَتِيرَةُ : ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَّلِ مِنْ رَجَبٍ وَيُسَمُّونَهَا : الرَّجَبِيَّةُ أَيْضًا ، وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَفْسِيرِ الْعَتِيرَةِ بِهَذَا ، وَأَمَّا الْفَرْعُ فَقَدْ فَسَّرَهُ هُنَا بِأَنَّهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَآخَرُونَ : هُوَ أَوَّلُ نِتَاجِ الْبَهِيمَةِ ، كَانُوا يَذْبَحُونَهُ وَلَا يَمْلِكُونَهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِي الْأُمِّ وَكَثْرَةِ نَسْلِهَا ، وَهَكَذَا فَسَّرَهُ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ : هُوَ أَوَّلُ النِّتَاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِآلِهَتِهِمْ ، وَهِيَ طَوَاغِيتُهُمْ ، وَكَذَا جَاءَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ، وَقِيلَ : هُوَ أَوَّلُ النِّتَاجِ لِمَنْ بَلَغَتْ إِبِلُهُ مِائَةً يَذْبَحُونَهُ ، وَقَالَ شِمْرٌ : قَالَ أَبُو مَالِكٍ : كَانَ الرَّجُلُ إِذَا بَلَغَتْ إِبِلُهُ مِائَةً قَدَّمَ بِكْرًا فَنَحَرَهُ لِصَنَمِهِ ، وَيُسَمُّونَهُ الْفَرَعَ ، وَقَدْ صَحَّ الْأَمْرُ بِالْعَتِيرَةِ وَالْفَرَعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَجَاءَتْ بِهِ أَحَادِيثُ مِنْهَا : حَدِيثُ نُبَيْشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ قَالَ : " اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ ، وَبَرُّوا اللَّهَ وَأَطْعِمُوا " قَالَ : إِنَّا كُنَّا نُفْرِعُ فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : " فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتَكَ حَتَّى إِذَا اسْتَحْمَلَ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ : السَّائِمَةُ مِائَةٌ ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةً ) . وَفِي الرِّوَايَةِ ( مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ شَاةً شَاةٌ ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الرَّاوِي : أَرَاهُ عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفَرَعِ قَالَ : " الْفَرَعُ حَقٌّ ، وَأَنْ تَتْرُكُوهُ حَتَّى يَكُونَ بِكْرًا أَوِ ابْنَ مَخَاضٍ أَوِ ابْنَ لَبُونٍ ، فَتُعْطِيَهِ أَرْمَلَةً أَوْ تَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْزَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ ، وَتَكْفَأَ إِنَاءَكَ وَتُوَلِّهِ نَاقَتَكَ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْفَرَعُ حَقٌّ " وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ حِينَ يُولَدُ ، وَلَا شَبَعَ فِيهِ ، وَلِهَذَا قَالَ : " يَذْبَحَهُ فَيَلْزَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ " وَفِيهِ : أَنَّ ذَهَابَ وَلَدِهَا يَدْفَعُ لَبَنَهَا ، وَلِهَذَا قَالَ : " خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكْفَأَ " يَعْنِي إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَكَأَنَّكَ كَفَأْتَ إِنَاءَكَ وَأَرَقْتَهَ ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى ذَهَابِ اللَّبَنِ ، وَفِيهِ : أَنْ يُفْجِعَهَا بِوَلَدِهَا ، وَلِهَذَا قَالَ : وَتُوَّلِهِ نَاقَتَكَ ، فَأَشَارَ بِتَرْكِهِ حَتَّى يَكُونَ ابْنَ مَخَاضٍ ، وَهُوَ ابْنُ سَنَةٍ ، ثُمَّ يَذْهَبُ ، وَقَدْ طَابَ لَحْمُهُ ، وَاسْتَمْتَعَ بِلَبَنِ أُمِّهِ وَلَا تَشُقُّ عَلَيْهَا مُفَارَقَتُهُ ، لِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهَا ، هَذَا كَلَامُ أَبِي عُبَيْدٍ .

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ ، أَوْ قَالَ : بِمِنًى ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْعَتِيرَةِ فَقَالَ : مَنْ شَاءَ عَتَرَ ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَعْتِرْ ، وَمَنْ شَاءَ فَرَّعَ . وَمَنْ شَاءَ لَمْ يُفَرِّعْ .

وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ : . وَعَنْ أَبِي رَمْلَةَ عَنْ مُخْنِفِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ : كُنَّا وُقُوفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةً وَعَتِيرَةً ، هَلْ تَدْرِي مَا الْعَتِيرَةُ ؟ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الرَّجَبِيَّةَ " ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الْمَخْرَجِ ؛ لِأَنَّ أَبَا رَمْلَةَ مَجْهُولٌ . هَذَا مُخْتَصَرُ مَا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ . قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : الْفَرَعُ شَيْءٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَذْبَحُ بِكْرَ نَاقَتِهِ أَوْ شَاتِهِ ، فَلَا يَغْذُوهُ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ ، فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ : " فَرِّعُوا إِنْ شِئْتُمْ ، أَيِ : اذْبَحُوا إِنْ شِئْتُمْ " وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا كَانُوا يَصْنَعُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَوْفًا أَنْ يُكْرَهَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَيْهِمْ فِيهِ ، وَأَمَرَهُمُ اسْتِحْبَابًا أَنْ يُغْذُوَهُ ، ثُمَّ يُحْمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْفَرَعُ حَقٌّ ) مَعْنَاهُ : لَيْسَ بِبَاطِلٍ ، وَهُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ .

قَالَ : وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ ) أَيْ لَا فَرَعَ وَاجِبٌ ، وَلَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ ، قَالَ : وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ، فَإِنَّهُ أَبَاحَ لَهُ الذَّبْحَ ، وَاخْتَارَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .

قَالَ : وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَتِيرَةِ : ( اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ ) أَيِ اذْبَحُوا إِنْ شِئْتُمْ ، وَاجْعَلُوا الذَّبْحَ لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ ، لَا أَنَّهَا فِي رَجَبٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ـ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ ـ اسْتِحْبَابُ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ : ( لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ ) بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : جَوَابُ الشَّافِعِيِّ السَّابِقُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْوُجُوبِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مَا كَانُوا يَذْبَحُونَ لِأَصْنَامِهِمْ وَالثَّالِثُ : أَنَّهُمَا لَيْسَا كَالْأُضْحِيَّةِ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَوْ فِي ثَوَابِ إِرَاقَةِ الدَّمِ . فَأَمَّا تَفْرِقَةُ اللَّحْمِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَبِرٌّ وَصَدَقَةٌ ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ أَنَّهَا إِنْ تَيَسَّرَتْ كُلَّ شَهْرٍ كَانَ حَسَنًا . هَذَا تَلْخِيصُ حُكْمِهَا فِي مَذْهَبِنَا ، وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ جَمَاهِيرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَسْخِ الْأَمْرِ بِالْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .