فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ نَهْيِ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ مُرِيدُ التَّضْحِيَةِ

باب نَهْيِ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ مُرِيدُ التَّضْحِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا
[ سـ :3767 ... بـ :1977]
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا قِيلَ لِسُفْيَانَ فَإِنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَرْفَعُهُ قَالَ لَكِنِّي أَرْفَعُهُ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يُقَلِّمَنَّ ظُفُرًا ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَرَبِيعَةُ ، وَأَحْمَدُ ، وَإِسْحَاقُ ، وَدَاوُدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : إِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ : هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُكْرَهُ ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ : لَا يُكْرَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ : يُكْرَهُ ، وَفِي رِوَايَةٍ : يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ ، وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْآخَرُونَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - " قَالَتْ : كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدُهُ ، وَيَبْعَثُ بِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .

قَالَ الشَّافِعِيُّ : الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ أَكْثَرُ مِنْ إِرَادَةِ التَّضْحِيَةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ وَحَمَلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ .

قَالَ أَصْحَابُنَا : وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الظُّفُرِ وَالشَّعْرِ النَّهْيُ عَنْ إِزَالَةِ الظُّفُرِ بِقَلَمٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَالْمَنْعُ مِنْ إِزَالَةِ الشَّعْرِ بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إِحْرَاقٍ أَوْ أَخْذِهِ بِنَوْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَسَوَاءُ شَعْرُ الْإِبْطِ وَالشَّارِبِ وَالْعَانَةِ وَالرَّأْسِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ شُعُورُ بَدَنِهِ ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا : حُكْمُ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ كُلِّهَا حُكْمُ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ ، وَدَلِيلُهُ الرِّوَايَةُ السَّابِقَةُ : ( فَلَا يَمَسُّ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا ) قَالَ أَصْحَابُنَا : وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ أَنْ يَبْقَى كَامِلَ الْأَجْزَاءِ لِيُعْتِقَ مِنَ النَّارِ ، وَقِيلَ : التَّشَبُّهُ بِالْمُحْرِمِ ، قَالَ أَصْحَابُنَا : هَذَا غَلَطٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَزِلُ النِّسَاءَ وَلَا يَتْرُكُ الطِّيبَ وَاللِّبَاسَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكُهُ الْمُحْرِمُ .




[ سـ :3769 ... بـ :1977]
وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْهَاشِمِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ

قَوْلُهُ : ( عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ) كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( عُمَرُ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ فِي كُلِّ هَذِهِ الطُّرُقِ إِلَّا طَرِيقَ حَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلْوَانِيِّ فَفِيهَا ( عَمْرٌو ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ ، وَإِلَّا طَرِيقَ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ فَفِيهَا ( عَمْرًا أَوْ عُمَرَ ) وَقَالَ الْعُلَمَاءُ : الْوَجْهَانِ مَنْقُولَانِ فِي اسْمِهِ .




[ سـ :3770 ... بـ :1977]
وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو اللَّيْثِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَمَّارٍ اللَّيْثِيُّ قَالَ كُنَّا فِي الْحَمَّامِ قُبَيْلَ الْأَضْحَى فَاطَّلَى فِيهِ نَاسٌ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَمَّامِ إِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَكْرَهُ هَذَا أَوْ يَنْهَى عَنْهُ فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي هَذَا حَدِيثٌ قَدْ نُسِيَ وَتُرِكَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مُعَاذٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُنْدَعِيِّ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ وَذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ

قَوْلُهُ : ( عَمَّارُ بْنُ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ ، وَآخِرُهُ تَاءٌ تُكْتَبُ هَاءً . قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ ) هُوَ بِكَسْرِ الذَّالِ ؛ أَيْ حَيَوَانٌ يُرِيدُ ذَبْحَهُ ، فَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَحِمْلٍ بِمَعْنَى مَحْمُولٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ .

قَوْلُهُ : ( كُنَّا فِي الْحَمَّامِ قُبَيْلَ الْأَضْحَى فَأَطْلَى فِيهِ نَاسٌ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَمَّامِ : إِنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَكْرَهُ هَذَا ، وَيَنْهَى عَنْهُ ، فَلَقِيتُ سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي هَذَا حَدِيثٌ قَدْ نُسِيَ وَتُرِكَ حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ . . . وَذَكَرَ حَدِيثَهَا السَّابِقَ ) ، أَمَّا قَوْلُهُ : ( فَأَطْلَى فِيهِ أُنَاسٌ ) فَمَعْنَاهُ : أَزَالُوا شَعْرَ الْعَانَةِ بِالنَّوْرَةِ ، وَالْحَمَّامُ مُذَكَّرٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَمِيمِ ، وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ ، وَقَوْلُهُ : ( إِنَّ سَعِيدًا يَكْرَهُ هَذَا ) يَعْنِي يَكْرَهُ إِزَالَةَ الشَّعْرِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَنْ يُرِيدُ التَّضْحِيَةَ لَا أَنَّهُ يَكْرَهُ مُجَرَّدَ الْإِطْلَاءِ ، وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْنَاهُ احْتِجَاجُهُ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْإِطْلَاءِ ، إِنَّمَا فِيهِ النَّهْيُ عَنْ إِزَالَةِ الشَّعْرِ ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ جَوَازَ الْإِطْلَاءِ فِي الْعَشْرِ بِالنَّوْرَةِ ، فَإِنْ صَحَّ هَذَا عَنْهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ إِنْسَانًا لَا يُرِيدُ التَّضْحِيَةَ . قَوْلُهُ : ( عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُنْدَعِيِّ ) وَفِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ : قَالَ اللَّيْثِيُّ : الْجُنْدَعِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا ، وَجُنْدَعٌ بَطْنٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ ، وَسَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .