فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ جَوَازِ شُرْبِ اللَّبَنِ

باب جَوَازِ شُرْبِ اللَّبَنِ
[ سـ :3864 ... بـ :2009]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لَمَّا خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَرَرْنَا بِرَاعٍ وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَحَلَبْتُ لَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ

فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ( قَالَ : لَمَّا خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَرَرْنَا بِرَاعٍ ، وَقَدْ عَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَحَلَبْتُ لَهُ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ ) وَفِيهِ : الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ( الْكُثْبَةُ ) بِضَمِّ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ . وَقَوْلُهُ : ( فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيَتُ ) مَعْنَاهُ : شَرِبَ حَتَّى عَلِمْتُ أَنَّهُ شَرِبَ حَاجَتَهُ وَكِفَايَتَهُ . وَقَوْلُهُ : ( مَرَرْنَا بِرَاعِي ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ( بِرَاعِي ) بِالْيَاءِ ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ ، وَالْأَشْهَرُ ( بِرَاعٍ ) وَأَمَّا شُرْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ وَلَيْسَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَاعِيًا لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى . وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمَدِينَةِ هُنَا مَكَّةُ ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ ) فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ هَذَا كَانَ رَجُلًا حَرْبِيًّا لَا أَمَانَ لَهُ ، فَيَجُوزُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِهِ ، وَالثَّانِي : يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يُدِلُّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَكْرَهُ شُرْبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَبَنِهِ . وَالثَّالِثُ لَعَلَّهُ كَانَ فِي عُرْفِهِمْ مِمَّا يَتَسَامَحُونَ بِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ ، وَيَأْذَنُونَ لِرُعَاتِهِمْ لِيَسْقُوا مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ . وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ كَانَ مُضْطَرًّا .




[ سـ :3865 ... بـ :2009]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَقَ الْهَمْدَانِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولَ لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَتْبَعَهُ سُراقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاخَتْ فَرَسُهُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ قَالَ فَدَعَا اللَّهَ قَالَ فَعَطِشَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرُّوا بِرَاعِي غَنَمٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَأَخَذْتُ قَدَحًا فَحَلَبْتُ فِيهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ فَأَتَيْتُهُ بِهِ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ

قَوْلُهُ : ( سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ ) هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ بَيْنَهُمَا ، وَيُقَالُ : بِفَتْحِ الشِّينِ ، حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ عَنِ الْفَرَّاءِ ، وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ ضَمُّهَا .

قَوْلُهُ : ( فَسَاخَتْ فَرَسُهُ ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَمَعْنَاهُ : نَزَلَتْ فِي الْأَرْضِ ، وَقَبَضَتْهَا الْأَرْضُ ، وَكَانَ فِي جِلْدٍ مِنَ الْأَرْضِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى .

وَقَوْلُهُ : ( فَقَالَ : ادْعُوا اللَّهَ لِي وَلَا أَضُرُّكَ فَدَعَا لَهُ ) هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ : ( ادْعُوَا اللَّهَ ) بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي بَعْضِهَا ( ادْعُ ) بِلَفْظِ الْوَاحِدِ ، وَكِلَاهُمَا ظَاهِرٌ ، وَقَوْلُهُ : فَدَعَا لَهُ ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ ) كَمَا جَاءَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ . وَفِيهِ : مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .




[ سـ :3866 ... بـ :168]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ عَبَّادٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ بِإِيلِيَاءَ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ ، لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ ) قَوْلُهُ : ( بِإِيلِيَاءَ ) هُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، وَهُوَ بِالْمَدِّ ، وَيُقَالُ بِالْقَصْرِ ، وَيُقَالُ ( إلْيَاءُ ) بِحَذْفِ الْيَاءِ الْأُولَى ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ . وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : أُتِيَ بِقَدَحَيْنِ فَقِيلَ لَهُ : اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْتَ ، كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْبُخَارِيِّ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ : فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اخْتِيَارَ اللَّبَنِ لِمَا أَرَادَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ تَوْفِيقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَاللُّطْفِ بِهَا ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ . وَقَوْلُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ ) قِيلَ فِي مَعْنَاهُ أَقْوَالٌ ، الْمُخْتَارُ مِنْهَا : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَمَ جِبْرِيلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِ اخْتَارَ اللَّبَنَ كَانَ كَذَا ، وَإِنِ اخْتَارَ الْخَمْرَ كَانَ كَذَا . وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْإِسْلَامُ وَالِاسْتِقَامَةُ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا شَرْحَ هَذَا كُلِّهِ ، وَبَيَانَ الْفِطْرَةِ ، وَسَبَبَ اخْتِيَارِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي بَابِ الْإِسْرَاءِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ . وَقَوْلُهُ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ ، وَحُصُولِ مَا كَانَ الْإِنْسَانُ يَتَوَقَّعُ حُصُولَهُ وَانْدِفَاعِ مَا كَانَ يَخَافُ وُقُوعَهُ .

قَوْلُهُ : ( غَوَتْ أُمَّتُكَ ) مَعْنَاهُ : ضَلَّتْ وَانْهَمَكَتْ فِي الشَّرِّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .