فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ عَلَى الرِّجَالِ

باب تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
[ سـ :3961 ... بـ :2065]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ وَحَدَّثَنَاه قُتَيْبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ح وَحَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ح وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّرَّاجِ كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ نَافِعٍ وَزَادَ فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ذِكْرُ الْأَكْلِ وَالذَّهَبِ إِلَّا فِي حَدِيثِ ابْنِ مُسْهِرٍ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( إِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( مَنْ شَرِبَ فِي إِنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ ) .

اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى كَسْرِ الْجِيمِ الثَّانِيَةِ مِنْ ( يُجَرْجِرُ ) ، وَاخْتَلَفُوا فِي رَاءِ ( النَّارِ ) فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى ، فَنَقَلُوا فِيهَا النَّصْبَ وَالرَّفْعَ ، وَهُمَا مَشْهُورَانِ فِي الرِّوَايَةِ ، وَفِي كُتُبِ الشَّارِحِينَ ، وَأَهْلِ الْغَرِيبِ وَاللُّغَةِ . وَالنَّصْبُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ ، وَرَجَّحَهُ الزَّجَّاجُ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ ، وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ ( يُجَرْجِرُ فِي جَوْفِهِ نَارًا مِنْ جَهَنَّمَ ) وَرَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةَ الْإِسْفَرَايِنِيِّ وَفِي الْجَعْدِيَّاتِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ( إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي جَوْفِهِ نَارًا ) كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ : ( نَارًا ) ، مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ جَهَنَّمَ . وَأَمَّا مَعْنَاهُ ، فَعَلَى رِوَايَةِ النَّصْبِ الْفَاعِلُ هُوَ الشَّارِبُ مُضْمَرٌ فِي يُجَرْجِرُ ، أَيْ يُلْقِيهَا فِي بَطْنِهِ بِجَرْعٍ مُتَتَابَعٍ يُسْمَعُ لَهُ جَرْجَرَةٌ ، وَهُوَ الصَّوْتُ لِتَرَدُّدِهِ فِي حَلْقِهِ ، وَعَلَى رِوَايَةِ الرَّفْعِ تَكُونُ النَّارُ فَاعِلَهُ ، وَمَعْنَاهُ تَصْوِيتُ النَّارِ فِي بَطْنِهِ ، وَالْجَرْجَرَةُ هِيَ التَّصْوِيتُ ، وَسُمِّيَ الْمَشْرُوبُ نَارًا لِأَنَّهُ يَئُولُ إِلَيْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى : إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا .

وَأَمَّا جَهَنَّمُ ـ عَافَانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ ـ فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ : قَالَ يُونُسُ وَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ : هِيَ عَجَمِيَّةٌ لَا تَنْصَرِفُ لِلتَّعْرِيفِ وَالْعَجَمِيَّةِ ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبُعْدِ قَعْرِهَا ، يُقَالُ : بِئْرٌ جِهِنَّامٌ إِذَا كَانَتْ عَمِيقَةَ الْقَعْرِ . وَقَالَ بَعْضُ اللُّغَوِيِّينَ : مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجُهُومَةِ ، وَهِيَ الْغِلَظُ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِغِلَظِ أَمْرِهَا فِي الْعَذَابِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْحَدِيثِ ، فَقِيلَ : هُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْكُفَّارِ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ عَادَتُهُمْ فِعْلُ ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ( هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ ) أَيْ هُمُ الْمُسْتَعْمِلُونَ لَهَا فِي الدُّنْيَا ، وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبِ الْحَرِيرِ : ( إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ) أَيْ لَا نَصِيبَ . قَالَ : وَقِيلَ : الْمُرَادُ نَهْيُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ ، وَأَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ هَذَا النَّهْيَ اسْتَوْجَبَ هَذَا الْوَعِيدَ ، وَقَدْ يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ . هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي . وَالصَّوَابُ أَنَّ النَّهْيَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَنْ يَسْتَعْمِلُ إِنَاءَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي إِنَاءِ الذَّهَبِ ، وَإِنَاءِ الْفِضَّةِ عَلَى الرَّجُلِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ يُكْرَهُ ، وَلَا يَحْرُمُ . وَحَكَوْا عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ تَحْرِيمَ الشُّرْبِ ، وَجَوَازَ الْأَكْلِ ، وَسَائِرَ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَهَذَانِ النَّقْلَانِ بَاطِلَانِ .

أَمَّا قَوْلُ دَاوُدَ فَبَاطِلٌ لِمُنَابَذَةِ صَرِيحِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ جَمِيعًا وَلِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَسَائِرِ الِاسْتِعْمَالِ فِي إِنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ دَاوُدَ وَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ فَهُمَا مَرْدُودَانِ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ ، وَهَذَا إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَعْتَدُّ بِقَوْلِ دَاوُدَ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ ، وَإِلَّا فَالْمُحَقِّقُونَ يَقُولُونَ : لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِإِخْلَالِهِ بِالْقِيَاسِ ، وَهُوَ أَحَدُ شُرُوطِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ .

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ فَقَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ : إِنَّ سِيَاقَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ نَفْسَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الَّذِي اتُّخِذَ مِنْهُ الْإِنَاءُ لَيْسَتْ حَرَامًا ، وَلِهَذَا لَمْ يَحْرُمِ الْحُلِيُّ عَلَى الْمَرْأَةِ . هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ، وَهُوَ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا ، وَهُوَ أَتْقَنُهُمْ لِنَقْلِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ . وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَدِيمِ . وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا قَالَ قَوْلًا ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لَا يَبْقَى قَوْلًا لَهُ ، وَلَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ . قَالُوا : وَإِنَّمَا يُذْكَرُ الْقَدِيمُ ، وَيُنْسَبُ إِلَى الشَّافِعِيِّ مَجَازًا ، وَبِاسْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ قَوْلٌ لَهُ الْآنَ .

فَحَصَلَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ إِنَاءِ الذَّهَبِ وَإِنَاءِ الْفِضَّةِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالطَّهَارَةِ ، وَالْأَكْلِ بِمِلْعَقَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَالتَّجَمُّرِ بِمِجْمَرَةٍ مِنْهُمَا ، وَالْبَوْلِ فِي الْإِنَاءِ مِنْهُمَا ، وَجَمِيعِ وُجُوهِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَمِنْهَا الْمُكْحُلَةُ ، وَالْمِيلُ ، وَظَرْفُ الْغَالِيَةِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ، سَوَاءٌ الْإِنَاءُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ ، وَيَسْتَوِي فِي التَّحْرِيمِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي التَّحَلِّي لِمَا يُقْصَدُ مِنْهَا مِنَ التَّزْيِينِ لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ .

قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَاءِ الْوَرْدِ وَالْأَدْهَانِ مِنْ قَارُورَةٍ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ . قَالُوا : فَإِنِ ابْتُلِيَ بِطَعَامٍ فِي إِنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَلْيُخْرِجِ الطَّعَامَ إِلَى إِنَاءٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهِمَا ، وَيَأْكُلُ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِنَاءٌ آخَرُ فَلْيَجْعَلْهُ عَلَى رَغِيفٍ إِنْ أَمْكَنَ .

وَإِنِ ابْتُلِيَ بِالدُّهْنِ فِي قَارُورَةِ فِضَّةٍ فَلْيَصُبَّهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى ، ثُمَّ يَصُبَّهُ مِنَ الْيُسْرَى فِي الْيُمْنَى ، وَيَسْتَعْمِلْهُ . قَالَ أَصْحَابُنَا : وَيَحْرُمُ تَزْيِينُ الْحَوَانِيتِ وَالْبُيُوتِ وَالْمَجَالِسِ بِأَوَانِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ - هَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَجَوَّزَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا . قَالُوا : وَهُوَ غَلَطٌ .

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ : لَوْ تَوَضَّأَ أَوِ اغْتَسَلَ مِنْ إِنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ عَصَى بِالْفِعْلِ ، وَصَحَّ وُضُوءُهُ وَغُسْلُهُ . هَذَا مَذْهَبُنَا ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً ، إِلَّا دَاوُدَ فَقَالَ : لَا يَصِحُّ ، وَالصَّوَابُ الصِّحَّةُ . وَكَذَا لَوْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ عَصَى بِالْفِعْلِ ، وَلَا يَكُونُ الْمَأْكُولُ وَالْمَشْرُوبُ حَرَامًا . هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ . وَأَمَّا إِذَا اضْطَرَّ إِلَى اسْتِعْمَالِ إِنَاءٍ فَلَمْ يَجِدْ إِلَّا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَلَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ بِلَا خِلَافٍ . صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا . قَالُوا : كَمَا تُبَاحُ الْمَيْتَةُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ . قَالَ أَصْحَابُنَا : وَلَوْ بَاعَ هَذَا الْإِنَاءَ صَحَّ بَيْعُهُ ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ طَاهِرَةٌ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِأَنْ تُسْبَكَ .

وَأَمَّا اتِّخَاذُ هَذِهِ الْأَوَانِي مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ فَلِلشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِيهِ خِلَافٌ ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ . وَالثَّانِي كَرَاهَتُهُ ، فَإِنْ كَرِهْنَاهُ اسْتَحَقَّ صَانِعُهُ الْأُجْرَةَ ، وَوَجَبَ عَلَى كَاسِرِهِ أَرْشُ النَّقْصِ ، وَإِلَّا فَلَا . وَأَمَّا إِنَاءُ الزُّجَاجِ النَّفِيسِ فَلَا يَحْرُمُ بِالْإِجْمَاعِ . وَأَمَّا إِنَاءُ الْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ وَالْفَيْرُوزَجِ وَنَحْوِهَا فَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَوَازُ اسْتِعْمَالِهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَرَّمَهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .