فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ إِنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَخَاتَمِ

باب تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ إِنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ عَلَى الرَّجُلِ وَإِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ وَإِبَاحَةِ الْعَلَمِ وَنَحْوِهِ لِلرَّجُلِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ
[ سـ :3963 ... بـ :2066]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَازَةِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوْ الْمُقْسِمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ بِالذَّهَبِ وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ وَعَنْ الْمَيَاثِرِ وَعَنْ الْقَسِّيِّ وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ إِلَّا قَوْلَهُ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوْ الْمُقْسِمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَرْفَ فِي الْحَدِيثِ وَجَعَلَ مَكَانَهُ وَإِنْشَادِ الضَّالِّ وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ كِلَاهُمَا عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَ حَدِيثِ زُهَيْرٍ وَقَالَ إِبْرَارِ الْقَسَمِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ وَعَنْ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ فَإِنَّهُ مَنْ شَرِبَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا لَمْ يَشْرَبْ فِيهَا فِي الْآخِرَةِ وَحَدَّثَنَاه أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَقَ الشَّيْبَانِيُّ وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ بِإِسْنَادِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ زِيَادَةَ جَرِيرٍ وَابْنِ مُسْهِرٍ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنِي بَهْزٌ قَالُوا جَمِيعًا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سُلَيْمٍ بِإِسْنَادِهِمْ وَمَعْنَى حَدِيثِهِمْ إِلَّا قَوْلَهُ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ بَدَلَهَا وَرَدِّ السَّلَامِ وَقَالَ نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ أَوْ حَلْقَةِ الذَّهَبِ وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ بِإِسْنَادِهِمْ وَقَالَ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ

قَوْلُهُ : ( أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ ، أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوِ الْمُقْسِمِ ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي ، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ . وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمَ أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ بِالذَّهَبِ ، وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ ، وَعَنِ الْمَيَاثِرِ ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ ، وَالْإِسْتَبْرَقِ ، وَالدِّيبَاجِ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَإِنْشَادِ الضَّالَّةِ ) بَدَلُ ( إِبْرَارِ الْقَسَمِ أَوِ الْمُقْسِمِ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَرَدِّ السَّلَامِ ) بَدَلُ ( إِفْشَاءِ السَّلَامِ ) .

أَمَّا عِيَادَةُ الْمَرِيضِ فَسُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَسَوَاءٌ فِيهِ مَنْ يَعْرِفُهُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُهُ ، وَالْقَرِيبُ وَالْأَجْنَبِيُّ ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَوْكَدِ وَالْأَفْضَلِ مِنْهَا .

وَأَمَّا اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ فَسُنَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا ، وَسَوَاءٌ فِيهِ مَنْ يَعْرِفُهُ وَقَرِيبُهُ وَغَيْرُهُمَا ، وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي الْجَنَائِزِ .

وَأَمَّا تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، وَيُقَالُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ ، لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ . قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : قَالَ اللَّيْثُ : التَّشْمِيتُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ لِلْعَاطِسِ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ . وَقَالَ ثَعْلَبٌ : يُقَالُ : سَمَّتَّ الْعَاطِسَ وَشَمَّتَّهُ إِذَا دَعَوْتَ لَهُ بِالْهُدَى ، وَقَصْدُ السَّمْتِ الْمُسْتَقِيمُ . قَالَ : وَالْأَصْلُ فِيهِ السِّينُ الْمُهْمَلَةُ ، فَقُلِبَتْ شِينًا مُعْجَمَةً . وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ : تَسْمِيتُ الْعَاطِسِ مَعْنَاهُ هَدَاكَ اللَّهُ إِلَى السَّمْتِ . قَالَ : وَذَلِكَ لِمَا فِي الْعَاطِسِ مِنَ الِانْزِعَاجِ وَالْقَلِقِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ : الشِّينُ الْمُعْجَمَةُ عَلَى اللُّغَتَيْنِ . قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : يُقَالُ مِنْهُ شَمَّتَّهُ ، وَسَمَّتَّ عَلَيْهِ إِذَا دَعَوْتَ لَهُ بِخَيْرٍ ، وَكُلُّ دَاعٍ بِالْخَيْرِ فَهُوَ مُشَمِّتٌ ، وَمُسَمِّتٌ . وَتَسْمِيتُ الْعَاطِسِ سُنَّةٌ ، وَهُوَ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا فَعَلَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ سَقَطَ الْأَمْرُ عَنِ الْبَاقِينَ ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَسْمَعَ قَوْلَ الْعَاطِسِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ مَعَ فُرُوعٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَأَمَّا إِبْرَارُ الْقَسَمِ فَهُوَ سُنَّةٌ أَيْضًا مُسْتَحَبَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ أَوْ خَوْفُ ضَرَرٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَمْ يَبَرَّ قَسَمَهُ كَمَا ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا عَبَرَ الرُّؤْيَا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : ( أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا ) فَقَالَ : أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُخْبِرَنِّي فَقَالَ : ( لَا تُقْسِمْ ) وَلَمْ يُخْبِرْهُ .

وَأَمَّا نَصْرُ الْمَظْلُومِ فَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ الْأَمْرُ بِهِ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَخَفْ ضَرَرًا .

وَأَمَّا إِجَابَةُ الدَّاعِي فَالْمُرَادُ بِهِ الدَّاعِي إِلَى وَلِيمَةٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الطَّعَامِ ، وَسَبَقَ إِيضَاحُ ذَلِكَ بِفُرُوعِهِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ .

وَأَمَّا إِفْشَاءُ السَّلَامِ فَهُوَ إِشَاعَتُهُ وَإِكْثَارُهُ ، وَأَنْ يَبْذُلَهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : ( وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ ) وَسَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ ( أَفْشُوا السَّلَامَ ) وَسَنُوَضِّحُ فُرُوعَهُ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَأَمَّا رَدُّ السَّلَامِ فَهُوَ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ السَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ كَانَ الرَّدُّ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى جَمَاعَةٍ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ ، إِذَا رَدَّ أَحَدُهُمْ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ ، وَسَنُوَضِّحُهُ بِفُرُوعِهِ فِي بَابِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

وَأَمَّا إِنْشَادُ الضَّالَّةِ فَهُوَ تَعْرِيفُهَا ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ ، وَسَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ .

وَأَمَّا خَاتَمُ الذَّهَبِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرَّجُلِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَعْضُهُ ذَهَبًا وَبَعْضُهُ فِضَّةً حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا : لَوْ كَانَتْ سِنُّ الْخَاتَمِ ذَهَبًا ، أَوْ كَانَ مُمَوَّهًا بِذَهَبٍ يَسِيرٍ ، فَهُوَ حَرَامٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ ( إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا ) .

وَأَمَّا لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ وَالْقَسِّيِّ ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْحَرِيرِ ، فَكُلُّهُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ ، سَوَاءٌ لَبِسَهُ لِلْخُيَلَاءِ أَوْ غَيْرِهَا ، إِلَّا أَنْ يَلْبَسَهُ لِلْحَكَّةِ فَيَجُوزُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيُبَاحُ لَهُنَّ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ ، وَخَوَاتِيمِ الذَّهَبِ ، وَسَائِرِ الْحُلِيِّ مِنْهُ ، وَمِنَ الْفِضَّةِ ، سَوَاءٌ الْمُزَوَّجَةُ ، وَغَيْرُهَا ، وَالشَّابَّةُ وَالْعَجُوزُ وَالْغَنِيَّةُ وَالْفَقِيرَةُ .

هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ وَإِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ قَوْمٍ إِبَاحَتَهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمَا ، ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ ، وَتَحْرِيمِهِ عَلَى الرِّجَالِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِالتَّحْرِيمِ ، مَعَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي تَشْقِيقِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَرِيرَ بَيْنَ نِسَائِهِ وَبَيْن الْفَوَاطِمِ خُمُرًا لَهُنَّ ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا : يَجُوزُ إِلْبَاسُهُمُ الْحُلِيَّ وَالْحَرِيرَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ . وَفِي جَوَازِ إِلْبَاسِهِمْ ذَلِكَ فِي بَاقِي السَّنَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ : أَصَحُّهَا جَوَازُهُ ، وَالثَّانِي تَحْرِيمُهُ ، وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ بَعْدَ سِنِّ التَّمْيِيزِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَعَنْ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ ) فَقَدْ سَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَعَنِ الْمَيَاثِرِ ) فَهُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قَبْلَ الرَّاءِ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : هُوَ جَمْعُ مِئْثَرَةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ ، وَهِيَ وِطَاءٌ كَانَتِ النِّسَاءُ يَضَعْنَهُ لِأَزْوَاجِهِنَّ عَلَى السُّرُوجِ ، وَكَانَ مِنْ مَرَاكِبِ الْعَجَمِ ، وَيَكُونُ مِنَ الْحَرِيرِ ، وَيَكُونُ مِنَ الصُّوفِ وَغَيْرِهِ . وَقِيلَ : أَغْشِيَةٌ لِلسُّرُوجِ ، تُتَّخَذُ مِنَ الْحَرِيرِ . وَقِيلَ : هِيَ سُرُوجٌ مِنَ الدِّيبَاجِ . وَقِيلَ : هِيَ شَيْءٌ كَالْفِرَاشِ الصَّغِيرِ تُتَّخَذُ مِنْ حَرِيرٍ تُحْشَى بِقُطْنٍ أَوْ صُوفٍ ، يَجْعَلُهَا الرَّاكِبُ عَلَى الْبَعِيرِ تَحْتَهُ فَوْقَ الرَّحْلِ . وَالْمِئْثَرَةُ مَهْمُوزَةٌ ، وَهِيَ مِفْعَلةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنْ الْوَثَارَةِ ، يُقَالُ : وَثُرَ بِضَمِّ الثَّاءِ وَثَارَةً بِفَتْحِ الْوَاوِ فَهُوَ وَثِيرٌ أَيْ وَطِيءٌ لَيِّنٌ ، وَأَصْلُهَا ( مِوْثَرَةٌ ) فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا ، كَمَا فِي ( مِيزَانٍ وَمِيقَاتٍ وَمِيعَادٍ ) مِنَ الْوَزْنِ وَالْوَقْتِ وَالْوَعْدِ ، وَأَصْلُهُ مِوْزَانُ وَمِوْقَاتُ وَمِوْعَادُ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : فَالْمِئْثَرَةُ إِنْ كَانَتْ مِنَ الْحَرِيرِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِيمَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ فَهِيَ حَرَامٌ ؛ لِأَنَّهُ جُلُوسٌ عَلَى الْحَرِيرِ ، وَاسْتِعْمَالٌ لَهُ ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى رَحْلٍ أَوْ سَرْجٍ أَوْ غَيْرِهِمَا . وَإِنْ كَانَتْ مِئْثَرَةً مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ فَلَيْسَتْ بِحِرَامٍ ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مَكْرُوهَةً أَيْضًا ، فَإِنَّ الثَّوْبَ الْأَحْمَرَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَمْرَاءَ أَمْ لَا . وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ حُلَّةً حَمْرَاءَ . وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَتَهَا لِئَلَّا يَظُنَّهَا الرَّائِي مِنْ بَعِيدٍ حَرِيرًا . وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ الْمُرَادُ بِالْمِئْثَرَةِ جُلُودُ السِّبَاعِ . وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا الْقَسِّيُّ فَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ فَتْحِ الْقَافِ ، هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَكْسِرُهَا . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : أَهْلُ الْحَدِيثِ يَكْسِرُونَهَا ، وَأَهْلُ مِصْرَ يَفْتَحُونَهَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ ، فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا بِنَحْوِ كَرَّاسَةٍ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ التَّخَتُّمِ فِي الْوُسْطَى ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُ عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ ، وَعَنْ جُلُوسِ عَلَى الْمَيَاثِرِ . قَالَ : فَأَمَّا الْقَسِّيُّ فَثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ وَالشَّامِ فِيهَا شُبَهٌ . كَذَا هُوَ لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ . وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ( فِيهَا حَرِيرٌ أَمْثَالُ الْأُتْرُجِّ ) ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ : هِيَ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ بِالْحَرِيرِ ، تُعْمَلُ بِالْقَسِّ بِفَتْحِ الْقَافِ ، وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ مِصْرَ ، وَهُوَ قَرْيَةٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ قَرِيبَةٌ مِنْ تِنِّيسَ . وَقِيلَ : هِيَ ثِيَابُ كَتَّانٍ مَخْلُوطٍ بِحَرِيرٍ ، وَقِيلَ : هِيَ ثِيَابٌ مِنَ الْقَزِّ ، وَأَصْلُهُ الْقَزِّيُّ بِالزَّايِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَزِّ ، وَهُوَ رَدِيءُ الْحَرِيرِ ، فَأُبْدِلَ مِنَ الزَّايِ سِينٌ . وَهَذَا الْقَسِّيُّ إِنْ كَانَ حَرِيرُهُ أَكْثَرَ مِنْ كَتَّانِهِ فَالنَّهْيُ عَنْهُ لِلتَّحْرِيمِ ، وَإِلَّا فَالْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ .

وَأَمَّا الْإِسْتَبْرَقُ فَغَلِيظُ الدِّيبَاجِ وَأَمَّا الدِّيبَاجُ فَبِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا جَمْعُهُ دَبَابِيجُ ، وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبُ الدِّيبَا . وَالدِّيبَاجُ وَالْإِسْتَبْرَقُ حَرَامٌ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْحَرِيرِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ( وَزَادَ فِي الْحَدِيثِ وَعَنِ الشُّرْبِ ) فَالضَّمِيرُ فِي ( وَزَادَ ) يَعُودُ إِلَى الشَّيْبَانِيِّ الرَّاوِي عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ .




[ سـ :3964 ... بـ :2067]
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلِ بْنِ إِسْحَقَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ سَمِعْتُهُ يَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ قَالَ كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ فَاسْتَسْقَى حُذَيْفَةُ فَجَاءَهُ دِهْقَانٌ بِشَرَابٍ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ إِنِّي أُخْبِرُكُمْ أَنِّي قَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ لَا يَسْقِيَنِي فِيهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَشْرَبُوا فِي إِنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَلْبَسُوا الدِّيبَاجَ وَالْحَرِيرَ فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَدَّثَنَاه ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُكَيْمٍ يَقُولُ كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَوَّلًا عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ ثُمَّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ ثُمَّ حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُكَيْمٍ فَظَنَنْتُ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عُكَيْمٍ قَالَ كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ بِالْمَدَائِنِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَقُلْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ شَهِدْتُ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى بِالْمَدَائِنِ فَأَتَاهُ إِنْسَانٌ بِإِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَذَكَرَهُ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ وَحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ ح وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا بَهْزٌ كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَإِسْنَادِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ شَهِدْتُ حُذَيْفَةَ غَيْرُ مُعَاذٍ وَحْدَهُ إِنَّمَا قَالُوا إِنَّ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى وَحَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ كِلَاهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَنْ ذَكَرْنَا

قَوْلُهُ : ( فَجَاءَ دِهْقَانٌ ) هُوَ بِكَسْرِ الدَّال عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا ، مِمَّنْ حَكَاهُ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالْمَطَالِعِ ، وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي الشَّرْحِ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ ، وَوَقَعَ فِي نُسَخِ صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ أَوْ بَعْضِهَا مَفْتُوحًا ، وَهَذَا غَرِيبٌ ، وَهُوَ زَعِيمُ فَلَّاحِي الْعَجَمِ ، وَقِيلَ : زَعِيمُ الْقَرْيَةِ وَرَئِيسُهَا ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَهُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ ، قِيلَ : النُّونُ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّهْقَنَةِ وَهِيَ الرِّيَاسَةُ ، وَقِيلَ : زَائِدَةٌ مِنَ الدَّهْقِ وَهُوَ الِامْتِلَاءُ ، وَذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي ( دَهْقَنَ ) لَكِنَّهُ قَالَ : إِنْ جَعَلْتَ نُونَهُ أَصْلِيَّةً مِنْ قَوْلِهِمْ : تَدَهْقَنَ الرَّجُلُ صَرَفْتَهُ ، لِأَنَّهُ فِعْلَالُ ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ مِنَ الدَّهْقِ لَمْ تَصْرِفْهُ ، لِأَنَّهُ فِعْلَانُ .

قَالَ الْقَاضِي : يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سُمِّيَ بِهِ مَنْ جَمَعَ الْمَالَ وَمَلَأَ الْأَوْعِيَةَ مِنْهُ . يُقَالُ : دَهَقْتُ الْمَاءَ ، وَأَدْهَقْتُهُ إِذَا أَفْرَغْتُهُ ، وَدَهِقَ لِي دَهْقَةً مِنْ مَالِهِ أَيْ أَعْطَانِيهَا ، وَأَدْهَقْتُ الْإِنَاءَ أَيْ مَلَأْتُهُ . قَالُوا : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الدَّهْقَنَةِ وَالدُّهْمَةِ ، وَهِيَ لِينُ الطَّعَامِ ، لِأَنَّهُمْ يُلِينُونَ طَعَامَهُمْ وَعَيْشَهُمْ لِسَعَةِ أَيْدِيهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ . وَقِيلَ : لِحِذْقِهِ وَدَهَائِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( إِنَّ حُذَيْفَةَ رَمَاهُ بِإِنَاءِ الْفِضَّةِ حِينَ جَاءَهُ بِالشُّرْبِ فِيهِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا رَمَاهُ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ نَهَاهُ قَبْل ذَلِكَ عَنْهُ ) فِيهِ تَحْرِيمُ الشُّرْبِ فِيهِ ، وَتَعْزِيرُ مَنِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ نَهْيُهُ عَنْهَا كَقَضِيَّةِ الدِّهْقَانِ مَعَ حُذَيْفَةَ . وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُعَزِّرَ الْأَمِيرُ بِنَفْسِهِ بَعْضَ مُسْتَحِقِّي التَّعْزِيرِ . وَفِيهِ أَنَّ الْأَمِيرَ وَالْكَبِيرَ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَلَا يَكُونُ وَجْهُهُ ظَاهِرًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى دَلِيلِهِ وَسَبَبِ فِعْلِهِ ذَلِكَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِنَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَهُوَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ ) أَيْ إِنَّ الْكُفَّارَ إِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَمَّا الْآخِرَةُ فَمَا لَهُمْ فِيهَا مِنْ نَصِيبٍ . وَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ الْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ ، وَمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ . وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ : الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِإِبَاحَتِهِ لَهُمْ ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنِ الْوَاقِع فِي الْعَادَةِ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَهُوَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) إِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ صَارَ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ فِي هَذَا الْإِكْرَامِ ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ إِنَّمَا هُوَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَبَعْدَهُ فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا . وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ ، وَيَسْتَمِرُّ فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا .




[ سـ :3965 ... بـ :2067]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ اسْتَسْقَى حُذَيْفَةُ فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ فِي إِنَاءٍ مِنْ فِضَّةٍ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ وَلَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا ) جَمْعُ صَحْفَةٍ وَهِيَ دُونَ الْقَصْعَةِ . قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : قَالَ الْكِسَائِيُّ : أَعْظَمُ الْقِصَاعِ الْجَفْنَةُ ، ثُمَّ الْقَصْعَةُ تَلِيهَا تُشْبِعُ الْعَشَرَةَ ، ثُمَّ الصَّحْفَةُ تُشْبِعُ الْخَمْسَةَ ، ثُمَّ الْمَكِيلَةُ تُشْبِعُ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ، ثُمَّ الصَّحْفَةُ تُشْبِعُ الرَّجُلَ .




[ سـ :3966 ... بـ :2068]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا لِلنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ح وَحَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ حَدِيثِ مَالِكٍ

قَوْلُهُ : ( رَأَى حُلَّةَ سِيَرَاءَ ) هِيَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ ، ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ مَفْتُوحَةٍ ، ثُمَّ رَاءٍ ، ثُمَّ أَلِفٍ مَمْدُودَةٍ . وَضَبَطُوا الْحُلَّةَ هُنَا بِالتَّنْوِينِ ، عَلَى أَنَّ سِيَرَاءَ صِفَةٌ ، وَبِغَيْرِ تَنْوِينٍ عَلَى الْإِضَافَةِ ، وَهُمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ، وَالْمُحَقِّقُونَ وَمُتْقِنُو الْعَرَبِيَّةِ يَخْتَارُونَ الْإِضَافَةَ . قَالَ سِيبَوَيْهِ : لَمْ تَأْتِ فِعَلَاءُ صِفَةً ، وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يُنَوِّنُونَ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : حُلَّةٌ سِيَرَاءُ كَمَا قَالُوا : نَاقَةٌ عُشَرَاءُ قَالُوا : هِيَ بُرُودٌ يُخَالِطُهَا حَرِيرٌ ، وَهِيَ مُضَلَّعَةٌ بِالْحَرِيرِ ، وَكَذَا فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ، وَكَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ وَآخَرُونَ . قَالُوا : كَأَنَّهَا شُبِّهَتْ خُطُوطُهَا بِالسُّتُورِ ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ : هِيَ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ بِالْقَزِّ ، وَقِيلَ : هِيَ مُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ ، وَقَالَ : هِيَ وَشْيٌ مِنْ حَرِيرٍ ، وَقِيلَ : إِنَّهَا حَرِيرٌ مَحْضٌ .

وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( حُلَّةٌ مِنَ إِسْتَبْرَقٍ ) ، وَفِي الْأُخْرَى ( مِنْ دِيبَاجٍ أَوْ حَرِيرٍ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ ( حُلَّةُ سُنْدُسٍ ) ، فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُبَيِّنُ أَنَّ هَذِهِ الْحُلَّةَ كَانَتْ حَرِيرًا مَحْضًا ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ ، وَلِأَنَّهَا هِيَ الْمُحَرَّمَةُ . أَمَّا الْمُخْتَلِطُ مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ فَلَا يَحْرُمُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرِيرُ أَكْثَرَ وَزْنًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْحُلَّةُ لَا تَكُونَ إِلَّا ثَوْبَيْنِ ، وَتَكُونُ غَالِبًا إِزَارًا وَرِدَاءً .

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْحُلَّةِ دَلِيلٌ لِتَحْرِيمِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ وَإِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ ، وَإِبَاحَةِ هَدِيَّتِهِ ، وَإِبَاحَةِ ثَمَنِهِ ، وَجَوَازِ إِهْدَاءِ الْمُسْلِمِ إِلَى الْمُشْرِكِ ثَوْبًا وَغَيْرَهُ ، وَاسْتِحْبَابِ لِبَاسِ أَنْفَسِ ثِيَابِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ ، وَعِنْدَ لِقَاءِ الْوُفُودِ وَنَحْوِهِمْ ، وَعَرْضِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ ، وَالتَّابِعِ عَلَى الْمَتْبُوعِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَصَالِحِهِ الَّتِي قَدْ لَا يَذْكُرُهَا . وَفِيهِ صِلَةُ الْأَقَارِبِ وَالْمَعَارِفِ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا ، وَجَوَازُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ) قِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَقِيلَ : مَنْ لَا حُرْمَةَ لَهُ ، وَقِيلَ مَنْ لَا دِينَ لَهُ . فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الْكُفَّارِ ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يَتَنَاوَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ ) هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابٍ قَالَ : أَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ . وَفِي رِوَايَةٍ فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةَ الْإِسْفَرَايِنِيِّ : فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مِنْ أُمِّهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مُشْرِكًا .

وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ صِلَةِ الْأَقَارِبِ الْكُفَّارِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ ، وَجَوَازُ الْهَدِيَّةِ إِلَى الْكُفَّارِ ، وَفِيهِ جَوَازُ إِهْدَاءِ ثِيَابِ الْحَرِيرِ إِلَى الرِّجَالِ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ لِلُبْسِهِمْ ، وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ رِجَالَ الْكُفَّارِ يَجُوزُ لَهُمْ لُبْسُ الْحَرِيرِ ، وَهَذَا وَهْمٌ بَاطِلٌ ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا فِيهِ الْهَدِيَّةُ إِلَى كَافِرٍ ، وَلَيْسَ فِيهِ الْإِذْنُ لَهُ فِي لُبْسِهَا ، وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إِبَاحَةُ لُبْسِهَا لَهُمْ ، بَلْ صَرَّحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَعْطَاهُ لِيَنْتَفِعَ بِهَا بِغَيْرِ اللُّبْسِ ، وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الْحَرِيرُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :3967 ... بـ :2068]
وَحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ رَأَى عُمَرُ عُطَارِدًا التَّمِيمِيَّ يُقِيمُ بِالسُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ وَكَانَ رَجُلًا يَغْشَى الْمُلُوكَ وَيُصِيبُ مِنْهُمْ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ عُطَارِدًا يُقِيمُ فِي السُّوقِ حُلَّةً سِيَرَاءَ فَلَوْ اشْتَرَيْتَهَا فَلَبِسْتَهَا لِوُفُودِ الْعَرَبِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ وَأَظُنُّهُ قَالَ وَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُلَلٍ سِيَرَاءَ فَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ بِحُلَّةٍ وَبَعَثَ إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بِحُلَّةٍ وَأَعْطَى عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ حُلَّةً وَقَالَ شَقِّقْهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ قَالَ فَجَاءَ عُمَرُ بِحُلَّتِهِ يَحْمِلُهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ وَقَدْ قُلْتَ بِالْأَمْسِ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ فَقَالَ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا وَلَكِنِّي بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا وَأَمَّا أُسَامَةُ فَرَاحَ فِي حُلَّتِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرًا عَرَفَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَنْكَرَ مَا صَنَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَنْظُرُ إِلَيَّ فَأَنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِهَا فَقَالَ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا وَلَكِنِّي بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُشَقِّقَهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ

قَوْلُهُ : ( رَأَى عُمَرُ عُطَارِدًا التَّمِيمِيَّ يُقِيمُ بِالسُّوقِ حُلَّةً ) أَيْ يَعْرِضُهَا لِلْبَيْعِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( شَقِّقْهَا خُمُرًا بَيْنَ نِسَائِكَ ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ ، وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا ، جَمْعُ خِمَارٍ ، وَهُوَ مَا يُوضَعُ عَلَى رَأْسِ الْمَرْأَةِ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ لُبْسِ النِّسَاءِ الْحَرِيرَ ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْيَوْمَ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ وَزَالَ .




[ سـ :3969 ... بـ :2068]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَأَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عُطَارِدٍ قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أَوْ حَرِيرٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ اشْتَرَيْتَهُ فَقَالَ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَأُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةٌ سِيَرَاءُ فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيَّ قَالَ قُلْتُ أَرْسَلْتَ بِهَا إِلَيَّ وَقَدْ سَمِعْتُكَ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ قَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا وَحَدَّثَنِي ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عُطَارِدٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا وَلَمْ أَبْعَثْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ قَالَ لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْإِسْتَبْرَقِ قَالَ قُلْتُ مَا غَلُظَ مِنْ الدِّيبَاجِ وَخَشُنَ مِنْهُ فَقَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ رَأَى عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ حُلَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ فَأَتَى بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِهِمْ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتُصِيبَ بِهَا مَالًا

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا بَعَثْتُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا ) أَيْ تَبِيعَهَا فَتَنْتَفِعَ بِثَمَنِهَا ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُثَنَّى بَعْدَهَا .

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : قَالَ لِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْإِسْتَبْرَقِ : قُلْتُ : مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ ، وَخَشُنَ مِنْهُ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ : وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ ، وَفِي كِتَابَيِ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ : ( قَالَ لِي سَالِمُ : مَا الْإِسْتَبْرَقُ ؟ قُلْتُ : مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ ) وَهَذَا مَعْنَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ، لَكِنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ ، وَمَعْنَاهَا قَالَ لِي سَالِمٌ فِي الْإِسْتَبْرَقِ : مَا هُوَ ؟ فَقُلْتُ : هُوَ مَا غَلُظَ ، فَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ صَحِيحَةٌ لَا قَدْحَ فِيهَا ، وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إِلَى تَغْلِيطِهَا ، وَأَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ ، وَلَيْسَتْ بِغَلَطٍ بَلْ صَحِيحَةً كَمَا أَوْضَحْنَاهُ .

قَوْلُهُ : ( وَمِيثَرَةُ الْأُرْجُوَانِ ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ( الْمِيثَرَةِ ) وَضَبْطُهَا ، وَأَمَّا ( الْأُرْجُوَانُ ) فَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ ، فِي كُتُبِ الْغَرِيبِ ، وَفِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهَا ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِّي فِي الْمَشَارِقِ ، وَفِي شَرْحِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْهُ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ ، وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ مِنَ النُّسَّاخِ لَا مِنَ الْقَاضِي ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي الْمَشَارِقِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ . هُوَ صِبْغٌ أَحْمَرُ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ ، هَكَذَا قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْجُمْهُورُ ، وَقَالَ الْفِرَاءُ : هُوَ الْحُمْرَةُ ، وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ : هُوَ كُلُّ لَوْنٍ أَحْمَرَ ، وَقِيلَ : هُوَ الصُّوفُ الْأَحْمَرُ ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ : هُوَ شَجَرٌ لَهُ نَوْرٌ أَحْمَرُ أَحْسَنُ مَا يَكُونُ ، قَالَ : وَهُوَ مُعْرَّبٌ . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ عَرَبِيٌّ . قَالُوا : وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ ، يُقَال : هَذَا ثَوْبُ أُرْجُوَانٍ وَهَذِهِ قَطِيفَةُ أُرْجُوَانٍ ، وَقَدْ يَقُولُونَهُ عَلَى الصِّفَةِ ، وَلَكِنَّ الْأَكْثَرَ فِي اسْتِعْمَالِهِ إِضَافَةُ الْأُرْجُوَانِ ، إِلَى مَا بَعْدَهُ . ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الرَّاءِ وَالْجِيمِ وَالْوَاوِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ ، وَلَا يُغْتَرُّ بِذِكْرِ الْقَاضِي لَهُ فِي الْمَشَارِقِ فِي بَابِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَالْجِيمِ ، وَلَا بِذِكْرِ ابْنِ الْأَثِيرِ لَهُ فِي الرَّاءِ وَالْجِيمِ وَالنُّونِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :3970 ... بـ :2069]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ خَالَ وَلَدِ عَطَاءٍ قَالَ أَرْسَلَتْنِي أَسْمَاءُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَتْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةً الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ وَمِيثَرَةَ الْأُرْجُوَانِ وَصَوْمَ رَجَبٍ كُلِّهِ فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ رَجَبٍ فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الْأَبَدَ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ مِنْهُ وَأَمَّا مِيثَرَةُ الْأُرْجُوَانِ فَهَذِهِ مِيثَرَةُ عَبْدِ اللَّهِ فَإِذَا هِيَ أُرْجُوَانٌ فَرَجَعْتُ إِلَى أَسْمَاءَ فَخَبَّرْتُهَا فَقَالَتْ هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ فَقَالَتْ هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا

قَوْلُهُ : ( إِنَّ أَسْمَاءَ أَرْسَلَتْ إِلَى ابْنِ عُمَرَ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةً : الْعَلَمُ فِي الثَّوْبِ ، وَمِئْثَرَةُ الْأُرْجُوَانِ ، وَصَوْمُ رَجَبٍ كُلِّهِ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : أَمَّا مَا ذَكَرْتُ مِنْ رَجَبٍ فَكَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الْأَبَدِ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُ مِنَ الْعَلَمِ فِي الثَّوْبِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَخِفْتُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَمُ مِنْهُ . وَأَمَّا مِئْثَرَةُ الْأُرْجُوَانِ فَهَذِهِ مِئْثَرَةُ عَبْدِ اللَّهِ أُرْجُوَانٌ ، فَقَالَتْ : هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ لَهَا لِبْنَةُ دِيبَاجٍ ، وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ ، فَقَالَتْ : هَذِهِ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَتْ ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى يُسْتَشْفَى بِهَا ) .

أَمَّا جَوَابُ ابْنِ عُمَرَ فِي صَوْمِ رَجَبٍ فَإِنْكَارٌ مِنْهُ لِمَا بَلَغَهُ عَنْهُ مِنْ تَحْرِيمِهِ ، وَإِخْبَارٌ بِأَنَّهُ يَصُومُ رَجَبًا كُلَّهُ ، وَأَنَّهُ يَصُومُ الْأَبَدَ . وَالْمُرَادُ بِالْأَبَدِ مَا سِوَى أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ ، وَهَذَا مَذْهَبُهُ وَمَذْهَبُ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَائِشَةَ وَأَبِي طَلْحَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ ، وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مَعَ شَرْحِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ .

وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُ عَنْهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْعِلْمِ فَلَمْ يَعْتَرِفْ بِأَنَّهُ كَانَ يُحَرِّمُهُ ، بَلْ أَخْبَرَ أَنَّهُ تَوَرَّعَ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ دُخُولِهِ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنِ الْحَرِيرِ .

وَأَمَّا الْمِيثَرَةُ فَأَنْكَرَ مَا بَلَغَهَا عَنْهُ فِيهَا ، وَقَالَ : هَذِهِ مِئْثَرَتِي ، وَهِيَ أُرْجُوَانٌ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا حَمْرَاءُ ، وَلَيْسَتْ مِنْ حَرِيرٍ ، بَلْ مِنْ صُوفٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ حَرِيرٍ ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ صُوفٍ ، وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنْهَا مَخْصُوصَةٌ بِالَّتِي هِيَ مِنَ الْحَرِيرِ .

وَأَمَّا إِخْرَاجُ أَسْمَاءَ جُبَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ ، فَقَصَدْتُ بِهَا بَيَانَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُحَرَّمًا ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الثَّوْبَ وَالْجُبَّةَ وَالْعِمَامَةَ وَنَحْوَهَا إِذَا كَانَ مَكْفُوفَ الطَّرَفِ بِالْحَرِيرِ جَازَ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ ، فَإِنْ زَادَ فَهُوَ حَرَامٌ لِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ ) فَهُوَ بِإِضَافَةِ جُبَّةٍ إِلَى طَيَالِسَةٍ ، وَالطَّيَالِسَةُ جَمْع طَيْلَسَانٍ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ . قَالَ جَمَاهِيرُ أَهْل اللُّغَةِ : لَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ فَتْحِ اللَّامِ ، وَعَدُّوا كَسْرَهَا فِي تَصْحِيفِ الْعَوَامِّ . وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ فِي حَرْفِ السِّينِ وَالْيَاءِ فِي تَفْسِيرِ السَّاجِ أَنَّ الطَّيْلَسَانَ يُقَال بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ، وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( كِسْرَاوَنِيَّةٌ ) فَهُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِهَا ، وَالسِّينُ سَاكِنَةٌ ، وَالرَّاءُ مَفْتُوحَةٌ . وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّ جُمْهُورَ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ بِكَسْرِ الْكَافِ ، وَهُوَ نِسْبَةٌ إِلَى كِسْرَى صَاحِبِ الْعِرَاقِ مَلِكِ الْفُرْسِ ، وَفِيهِ كَسْرُ الْكَافِ وَفَتْحُهَا . قَالَ الْقَاضِي : وَرَوَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي مُسْلِمٍ فَقَالَ : خِسْرَوَانِيَّةٌ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبَرُّكِ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَثِيَابِهِمْ ، وَفِيهِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْحَرِيرِ الْمُرَادُ بِهِ الثَّوْبُ الْمُتَمَحِّضُ مِنَ الْحَرِيرِ ، أَوْ مَا أَكْثَرُهُ حَرِيرٌ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَحْرِيمَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَالذَّهَبِ ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُمَا .

وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْجُبَّةِ : ( إِنَّ لَهَا لِبْنَةً ) فَهُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ ، هَكَذَا ضَبَطَهَا الْقَاضِي وَسَائِرُ الشُّرَّاحِ ، وَكَذَا هِيَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ . قَالُوا : وَهِيَ رُقْعَةٌ فِي جَيْبِ الْقَمِيصِ ، هَذِهِ عِبَارَتُهُمْ كُلِّهِمْ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهَا : ( وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ ) فَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ، ( وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ ) وَهُمَا مَنْصُوبَانِ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ وَرَأَيْتُ فَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ ، وَمَعْنَى الْمَكْفُوفِ أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا كُفَّةً بِضَمِّ الْكَافِ ، وَهُوَ مَا يُكَفُّ بِهِ جَوَانِبُهَا وَيُعْطَفُ عَلَيْهَا ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الذَّيْلِ ، وَفِي الْفَرْجَيْنِ ، وَفِي الْكُمَّيْنِ . وَفِي هَذَا جَوَازُ لِبَاسِ الْجُبَّةِ ، وَلِبَاسِ مَا لَهُ فَرْجَانِ ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :3971 ... بـ :2069]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ كَعْبٍ أَبِي ذِبْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ يَقُولُ أَلَا لَا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمْ الْحَرِيرَ فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ

قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي ذُبْيَانَ ) هُوَ بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا .

قَوْلُهُ : ( أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ خَطَبَ فَقَالَ : لَا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمُ الْحَرِيرَ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ ) هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ ، وَأَجْمَعُوا بَعْدَهُ عَلَى إِبَاحَةِ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ كَمَا سَبَقَ ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ إِنَّمَا وَرَدَ فِي لُبْسِ الرِّجَالِ لِوَجْهَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ خِطَابٌ لِلذُّكُورِ ، وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ النِّسَاءَ لَا يَدْخُلْنَ فِي خِطَابِ الرِّجَالِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ .

وَالثَّانِي : أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ قَبْلَ هَذَا وَبَعْدَهُ صَرِيحَةٌ فِي إِبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ ، وَأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ بِأَنْ يَكْسُوَاهُ نِسَاءَهُمَا مَعَ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ : ( إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي ، حِلٌّ لِإِنَاثِهَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :3972 ... بـ :2069]
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ يَا عُتْبَةُ بْنَ فَرْقَدٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّكَ وَلَا مِنْ كَدِّ أَبِيكَ وَلَا مِنْ كَدِّ أُمِّكَ فَأَشْبِعْ الْمُسْلِمِينَ فِي رِحَالِهِمْ مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَبُوسَ الْحَرِيرَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لَبُوسِ الْحَرِيرِ قَالَ إِلَّا هَكَذَا وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِصْبَعَيْهِ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ وَضَمَّهُمَا قَالَ زُهَيْرٌ قَالَ عَاصِمٌ هَذَا فِي الْكِتَابِ قَالَ وَرَفَعَ زُهَيْرٌ إِصْبَعَيْهِ حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَرِيرِ بِمِثْلِهِ

قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ : كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ : يَا عُتْبَةُ بْنَ فَرْقَدٍ ) إِلَى آخِرِهِ ، هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ، وَقَالَ : هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو عُثْمَانَ مِنْ عُمَرَ ، بَلْ أَخْبَرَ عَنْ كِتَابِ عُمَرَ ، وَهَذَا الِاسْتِدْرَاكُ بَاطِلٌ ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُحَدِّثِينَ وَمُحَقِّقُو الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ جَوَازُ الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ ، وَرِوَايَتِهِ عَنِ الْكَاتِبِ ، سَوَاءٌ قَالَ فِي الْكِتَابِ : أَذِنْتُ لَكَ فِي رِوَايَةِ هَذَا عَنِّي ، أَوْ أَجَزْتُكَ رِوَايَتَهُ عَنِّي ، أَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُصَنَّفِينَ فِي تَصَانِيفِهِمْ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِالْمُكَاتَبَةِ ، فَيَقُولُ الرَّاوِي مِنْهُمْ وَمِمَّنْ قَبْلَهُمْ : كَتَبَ إِلَيَّ فُلَانٌ كَذَا ، أَوْ كَتَبَ إِلَيَّ فُلَانٌ قَالَ : حَدَّثَنَا فُلَانٌ ، أَوْ أَخْبَرَنِي مُكَاتَبَةً ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ، وَذَلِكَ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَهُمْ ، مَعْدُودٌ فِي الْمُتَّصِلِ لِإِشْعَارِهِ بِمَعْنَى الْإِجَازَةِ .

وَزَادَ السَّمْعَانِيُّ فَقَالَ : هِيَ أَقْوَى مِنَ الْإِجَازَةِ ، وَدَلِيلُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى عُمَّالِهِ وَنُوَّابِهِ وَأُمَرَائِهِ ، وَيَفْعَلُونَ مَا فِيهَا ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ ، وَمِنْ ذَلِكَ كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا ، فَإِنَّهُ كَتَبَهُ إِلَى جَيْشِهِ ، وَفِيهِ خَلَائِقُ مِنَ الصَّحَابَةِ ، فَدَلَّ عَلَى حُصُولِ الِاتِّفَاقِ مِنْهُ ، وَمِمَّنْ عِنْدَهُ فِي الْمَدِينَةِ ، وَمَنْ فِي الْجَيْشِ عَلَى الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُثْمَانُ : كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ ، فَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلرَّاوِي بِالْمُكَاتَبَةِ أَنْ يَقُولَ : كَتَبَ إِلَيَّ فُلَانٌ قَالَ : حَدَّثَنَا فُلَانٌ ، أَوْ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ مُكَاتَبَةً ، أَوْ فِي كِتَابِهِ ، أَوْ فِيمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ ، وَنَحْوُ هَذَا . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا وَلَا أَخْبَرَنَا . هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، وَجَوَّزَهُ طَائِفَةٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْحَدِيثِ وَكِبَارِهِمْ مَعَهُمْ مَنْصُورٌ وَاللَّيْثُ وَغَيْرُهُمَا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ ) هِيَ إِقْلِيمٌ مَعْرُوفٌ وَرَاءَ الْعِرَاقِ ، وَفِي ضَبْطِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَشْهَرُهُمَا وَأَفْصَحُهُمَا وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَذْرَبِيجَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِغَيْرِ مَدَّةٍ ، وَإِسْكَانِ الذَّالِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ . قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَآخَرُونَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي مَدُّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الذَّالِ وَفَتْحُ الرَّاءِ وَكَسْرُ الْبَاءِ . وَحَكَى صَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالْمَطَالِعِ أَنَّ جَمَاعَةً فَتَحُوا الْبَاءَ عَلَى هَذَا الثَّانِي ، وَالْمَشْهُورُ كَسْرُهَا .

قَوْلُهُ : ( كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ : يَا عُتْبَةُ بْنَ فَرْقَدٍ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَدِّكَ ، وَلَا كَدِّ أَبِيكَ ، فَأَشْبِعِ الْمُسْلِمِينَ فِي رِحَالِهِمْ مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ ، وَلَبُوسَ الْحَرِيرِ ) أَمَّا قَوْلُهُ : ( كَتَبَ إِلَيْنَا ) فَمَعْنَاهُ كَتَبَ إِلَى أَمِيرِ الْجَيْشِ ، وَهُوَ عُتْبَةُ بْنُ فَرْقَدٍ لِيَقْرَأَهُ عَلَى الْجَيْشِ ، فَقَرَأَهُ عَلَيْنَا .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( لَيْسَ مِنْ كَدِّكَ ) فَالْكَدُّ التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ هَذَا الْمَالَ الَّذِي عِنْدَكَ لَيْسَ هُوَ مِنْ كَسْبِكَ ، وَمِمَّا تَعِبْتَ فِيهِ ، وَلَحِقَتْكَ الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ فِي كَدِّهِ وَتَحْصِيلِهِ ، وَلَا هُوَ مِنْ كَدِّ أَبِيكَ وَأُمِّكَ ، فَوَرِثْتَهُ مِنْهُمَا بَلْ هُوَ مَالُ الْمُسْلِمِينَ ، فَشَارِكْهُمْ فِيهِ ، وَلَا تَخْتَصَّ عَنْهُمْ بِشَيْءٍ ، بَلْ أَشْبِعْهُمْ مِنْهُ وَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ أَيْ مَنَازِلِهِمْ كَمَا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ ، وَلَا تُؤَخِّرْ أَرْزَاقَهُمْ عَنْهُمْ ، وَلَا تُحْوِجْهُمْ يَطْلُبُونَهَا مِنْكَ ، بَلْ أَوْصِلْهَا إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ بِلَا طَلَبٍ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ الْعَجَمِ ) فَهُوَ بِكَسْرِ الزَّايِ . وَلَبُوسُ الْحَرِيرِ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّ الْبَاءِ مَا يَلْبَسُ مِنْهُ وَمَقْصُودُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَثُّهُمْ عَلَى خُشُونَةِ الْعَيْشِ ، وَصَلَابَتِهِمْ فِي ذَلِكَ ، وَمُحَافَظَتِهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةِ الْإِسْفَرَايِنِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ : أَمَّا بَعْدَ فَاتَّزِرُوا وَارْتَدُوا ، وَأَلْقُوا الْخِفَافَ وَالسَّرَاوِيلَاتِ ، وَعَلَيْكُمْ بِلِبَاسِ أَبِيكُمْ إِسْمَاعِيلَ ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ الْأَعَاجِمِ ، وَعَلَيْكُمْ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهَا حَمَّامُ الْعَرَبِ ، وَتَمَعْدَدُوا وَاخْشَوْشِنُوا ، وَاقْطَعُوا الرَّكْبَ ، وَابْرُزُوا ، وَارْمُوا الْأَغْرَاضَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :3973 ... بـ :2069]
وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَهُوَ عُثْمَانُ وَإِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ جَرِيرٍ وَاللَّفْظُ لِإِسْحَقَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ فَجَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ إِلَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا هَكَذَا وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ بِإِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ تَلِيَانِ الْإِبْهَامَ فَرُئِيتُهُمَا أَزْرَارَ الطَّيَالِسَةِ حِينَ رَأَيْتُ الطَّيَالِسَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ كُنَّا مَعَ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ

قَوْلُهُ : ( فَرُئِيتُهُمَا أَزْرَارَ الطَّيَالِسَةِ حَتَّى رَأَيْتُ الطَّيَالِسَةَ ) ، فَقَوْلُهُ : ( فَرُئِيتُهُمَا ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ ، وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الرَّاءِ .