فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ

باب النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ
[ سـ :4283 ... بـ :2246]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَا أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ

قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ( يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ ، وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدَيَّ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ) وَفِي رِوَايَةٍ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ : ( يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ، يَسُبُّ الدَّهْرَ ، وَأَنَا الدَّهْرُ ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ : يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ ، فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ : يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ ، فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ ، فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ ) .




[ سـ :4284 ... بـ :2246]
وَحَدَّثَنَاه إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي عُمَرَ قَالَ إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ

أما قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ) فَمَعْنَاهُ يُعَامِلُنِي مُعَامَلَةً تُوجِبُ الْأَذَى فِي حَقِّكُمْ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( وَأَنَا الدَّهْرُ ) فَإِنَّهُ بِرَفْعِ الرَّاءِ ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاهِيرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْأَصْبَهَانِيُّ الطَّاهِرِيُّ : إِنَّمَا هُوَ الدَّهْرُ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ ، أَيْ أَنَا مُدَّةُ الدَّهْرِ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ . وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَقَالَ النَّحَّاسُ : يَجُوزُ النَّصْبُ أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ بَاقٍ مُقِيمٌ أَبَدًا لَا يَزُولُ . قَالَ الْقَاضِي : قَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّخْصِيصِ . قَالَ : وَالظَّرْفُ أَصَحُّ وَأَصْوَبُ . أَمَّا رِوَايَةُ الرَّفْعِ ، وَهِيَ الصَّوَابُ ، فَمُوَافِقَةٌ لِقَوْلِهِ " فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَهُوَ مَجَازٌ ، وَسَبَبُهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ شَأْنُهَا أَنْ تَسُبَّ الدَّهْرَ عِنْدَ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ وَالْمَصَائِبِ النَّازِلَةِ بِهَا مِنْ مَوْتٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، فَيَقُولُونَ : يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ ، وَنَحْوُ هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ سَبِّ الدَّهْرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ " أَيْ لَا تَسُبُّوا فَاعِلَ النَّوَازِلِ ، فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَهَا وَقَعَ السَّبُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فَاعِلُهَا وَمُنْزِلُهَا .

وَأَمَّا الدَّهْرُ الَّذِي هُوَ الزَّمَانُ فَلَا فِعْلَ لَهُ ، بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى . وَمَعْنَى " فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ " أَيْ فَاعِلُ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ ، وَخَالِقُ الْكَائِنَاتِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .