فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ حُكْمِ إِطْلَاقِ لَفْظَةِ الْعَبْدِ ، وَالْأَمَةِ ، وَالْمَوْلَى ، وَالسَّيِّدِ

باب حُكْمِ إِطْلَاقِ لَفْظَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَالْمَوْلَى وَالسَّيِّدِ
[ سـ :4295 ... بـ :2249]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي ، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللَّهِ ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ : غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ رَبِّي ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ : سَيِّدِي ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ مَوْلَايَ ؛ فَإِنَّ مَوْلَاكُمُ اللَّهُ ) وَفِي رِوَايَةٍ ( لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ اسْقِ رَبَّكَ ، أَوْ أَطْعِمْ رَبَّكَ ، وَضِّئْ رَبَّكَ ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ : رَبِّي ، وَلْيَقُلْ : سَيِّدِي وَمَوْلَايَ ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ : عَبْدِي ، أَمَتِي ، وَلْيَقُلْ : فَتَايَ ، فَتَاتِي ، غُلَامِي ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَقْصُودُ الْأَحَادِيثِ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا نَهْيُ الْمَمْلُوكِ أَنْ يُقَوَّلَ لِسَيِّدِهِ : رَبِّي ؛ لِأَنَّ الرُّبُوبِيَّةَ إِنَّمَا حَقِيقَتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى ، لِأَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْمَالِكُ أَوِ الْقَائِمُ بِالشَّيْءِ ، وَلَا تُوجَدُ حَقِيقَةُ هَذَا إِلَّا فِي اللَّهِ تَعَالَى .

فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ : " أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا أَوْ رَبَّهَا " فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِي لِبَيَانِ الْجَوَازِ ، وَأَنَّ النَّهْيَ فِي الْأَوَّلِ لِلْأَدَبِ ، وَكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ ، لَا التَّحْرِيمِ . وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ الْإِكْثَارِ مِنَ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ ، وَاتِّخَاذِهَا عَادَةً شَائِعَةً ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ إِطْلَاقِهَا فِي نَادِرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ . وَاخْتَارَ الْقَاضِي هَذَا الْجَوَابَ . وَلَا نَهْيَ فِي قَوْلِ الْمَمْلُوكِ : سَيِّدِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِيَقُلْ سَيِّدِي " لِأَنَّ لَفْظَةَ السَّيِّدِ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِاللَّهِ تَعَالَى اخْتِصَاصَ الرَّبِّ ، وَلَا مُسْتَعْمَلَةٍ فِيهِ كَاسْتِعْمَالِهَا . حَتَّى نَقَلَ الْقَاضِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الدُّعَاءَ بِسَيِّدِي ، وَلَمْ يَأْتِ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِالسَّيِّدِ فِي الْقُرْآنِ ، وَلَا فِي حَدِيثٍ مُتَوَاتِرٍ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ " و " قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ " يَعْنِي سَعْدَ بْنَ مَعَاذٍ . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " اسْمَعُوا مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ " يَعْنِي سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ . فَلَيْسَ فِي قَوْلِ الْعَبْدِ : سَيِّدِي إِشْكَالٌ وَلَا لُبْسٌ ، لِأَنَّهُ يَسْتَعْمِلُهُ غَيْرُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ ، وَلَا بَأْسَ أَيْضًا بِقَوْلِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ : مَوْلَايَ ، فَإِنَّ الْمَوْلَى وَقَعَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ مَعْنًى سَبَقَ بَيَانُهَا ، مِنْهَا النَّاصِرُ وَالْمَالِكُ .

قَالَ الْقَاضِي : وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ " وَلَا يَقُلِ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ مَوْلَايَ . فَقَدِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي ذِكْرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ ، فَلَمْ يَذْكُرْهَا عَنْهُ آخَرُونَ ، وَحَذْفُهَا أَصَحُّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

الثَّانِي يُكْرَهُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَقُولَ لِمَمْلُوكِهِ : عَبْدِي وَأَمَتِي ، بَلْ يَقُولُ ، غُلَامِي وَجَارِيَتِي ، وَفَتَايَ وَفَتَاتِي ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعُبُودِيَّةِ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَلِأَنَّ فِيهَا تَعْظِيمًا بِمَا لَا يَلِيقُ بِالْمَخْلُوقِ اسْتِعْمَالُهُ لِنَفْسِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : " كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ " فَنَهَى عَنِ التَّطَاوُلِ فِي اللَّفْظِ كَمَا نَهَى عَنِ التَّطَاوُلِ فِي الْأَفْعَالِ وَفِي إِسْبَالِ الْإِزَارِ وَغَيْرِهِ .

وَأَمَّا غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي فَلَيْسَتْ دَالَّةً عَلَى الْمِلْكِ كَدَلَالَةِ عَبْدِي ، مَعَ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ " وَقَالَ لِفِتْيَتِهِ " قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ وَأَمَّا اسْتِعْمَالُهُ الْجَارِيَةَ فِي الْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ فَمَشْهُورٌ وَمَعْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ مَنِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى جِهَةِ التَّعَاظُمِ وَالِارْتِفَاعِ لَا لِلْوَصْفِ وَالتَّعْرِيفِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .