فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي

باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي
[ سـ :4324 ... بـ :2266]
حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي

بَابُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي ) . وَفِي رِوَايَةٍ : ( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِي ) . وَفِي رِوَايَةٍ : ( لَا يَنْبَغِي لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ فِي صُورَتِي ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقِظَةِ أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقِظَةِ ) .

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَقَدْ رَآنِي " فَقَالَ ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ مَعْنَاهُ أَنَّ رُؤْيَاهُ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ بِأَضْغَاثٍ ، وَلَا مِنْ تَشْبِيهَاتِ الشَّيْطَانِ ، وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ رِوَايَةُ " فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ " أَيِ الرُّؤْيَةَ الصَّحِيحَةَ .

قَالَ : وَقَدْ يَرَاهُ الرَّائِي عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ ، كَمَا رَآهُ أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ . وَقَدْ يَرَاهُ شَخْصَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ فِي الْمَغْرِبِ ، وَيَرَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَكَانِهِ .

وَحَكَى الْمَازِرِيُّ هَذَا عَنِ ابْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ ، ثُمَّ قَالَ : وَقَالَ آخَرُونَ : بَلِ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ رَآهُ فَقَدْ أَدْرَكَهُ ، وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْعَقْلُ لَا يُحِيلُهُ حَتَّى يَضْطَرَّ إِلَى صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ .

فَأَمَّا قَوْلُهُ : بِأَنَّهُ قَدْ يُرَى عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِ ، أَوْ فِي مَكَانَيْنِ مَعًا فَإِنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ فِي صِفَاتِهِ ، وَتَخَيُّلٌ لَهَا عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ يَظُنُّ الظَّانُّ بَعْضَ الْخَيَالَاتِ مَرْئِيًّا لِكَوْنِ مَا يَتَخَيَّلُ مُرْتَبِطًا بِمَا يَرَى فِي الْعَادَةِ فَيَكُونُ ذَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْئِيَّةً ، وَصِفَاتُهُ مُتَخَيَّلَةً غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ ، وَالْإِدْرَاكُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَحْدِيقُ الْأَبْصَارِ ، وَلَا قُرْبُ الْمَسَافَةِ ، وَلَا كَوْنُ الْمَرْئِيِّ مَدْفُونًا فِي الْأَرْضِ ، وَلَا ظَاهِرًا عَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا . وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى فَنَاءِ جِسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بَلْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي بَقَاءَهُ .

قَالَ : وَلَوْ رَآهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ كَانَ هَذَا مِنَ الصِّفَاتِ الْمُتَخَيَّلَةِ لَا الْمَرْئِيَّةِ . هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ . قَالَ الْقَاضِي : وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَقَدْ رَآنِي " أَوْ " فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي " الْمُرَادُ بِهِ إِذَا رَآهُ عَلَى صِفَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ لَهُ فِي حَيَاتِهِ ، فَإِنْ رَأَى عَلَى خِلَافِهَا كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيلٍ لَا رُؤْيَا حَقِيقَةٍ ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ ، بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَةً ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى صِفَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ ، أَوْ غَيْرِهَا ، لِمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ .

قَالَ الْقَاضِي : قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ رُؤْيَةَ النَّاسِ إِيَّاهُ صَحِيحَةٌ ، وَكُلَّهَا صِدْقٌ ، وَمُنِعَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَتَصَوَّرَ فِي خِلْقَتِهِ لِئَلَّا يَكْذِبَ عَلَى لِسَانِهِ فِي النَّوْمِ ، كَمَا خَرَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِالْمُعْجِزَةِ ، وَكَمَا اسْتَحَالَ أَنْ يَتَصَوَّرَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَتِهِ فِي الْيَقَظَةِ ، وَلَوْ وَقَعَ لَاشْتَبَهَ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ ، وَلَمْ يُوثَقْ بِمَا جَاءَ بِهِ مَخَافَةً مِنْ هَذَا التَّصَوُّرِ ، فَحَمَاهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّيْطَانِ وَنَزْغِهِ وَوَسْوَسَتِهِ وَإِلْقَائِهِ وَكَيْدِهِ .

قَالَ : وَكَذَا حَمَى رُؤْيَتَهُمْ نَفْسَهُمْ . قَالَ الْقَاضِي : وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ وَصِحَّتِهَا ، وَإِنْ رَآهُ الْإِنْسَانُ عَلَى صِفَةٍ لَا تَلِيقُ بِحَالِهِ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَرْئِيَّ غَيْرُ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، إِذْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التَّجَسُّمُ ، وَلَا اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ بِخِلَافِ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ ابْنُ الْبَاقِلَّانِيِّ : رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ خَوَاطِرُ فِي الْقَلْبِ ، وَهِيَ دَلَالَاتٌ لِلرَّائِي عَلَى أُمُورٍ مِمَّا كَانَ أَوْ يَكُونُ كَسَائِرِ الْمَرْئِيَّاتِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :4325 ... بـ :2266]
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ قَالَا أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ لَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ ، أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ ) .

قَالَ الْعُلَمَاءُ : إِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَكَأَنَّمَا رَآنِي فَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَقَدْ رَآنِي " أَوْ " فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ " ، كَمَا سَبَقَ تَفْسِيرُهُ ، وَإِنْ كَانَ سَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ فَفِيهِ أَقْوَالٌ : أَحَدُهَا الْمُرَادُ بِهِ أَهْلُ عَصْرِهِ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ رَآهُ فِي النَّوْمِ ، وَلَمْ يَكُنْ هَاجَرَ ، يُوَفِّقُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْهِجْرَةِ . وَرُؤْيَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَقَظَةِ عِيَانًا ، وَالثَّانِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَرَى تَصْدِيقَ تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي الْيَقَظَةِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ جَمِيعُ أُمَّتِهِ مَنْ رَآهُ فِي الدُّنْيَا ، وَمَنْ لَمْ يَرَهُ . وَالثَّالِثُ يَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ رُؤْيَةَ خَاصَّتِهِ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ وَحُصُولِ شَفَاعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .