فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابٌ فِي سَدْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَهُ وَفَرْقِهِ

باب فِي سَدْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَهُ وَفَرْقِهِ
[ سـ :4432 ... بـ :2336]
حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ مَنْصُورٌ حَدَّثَنَا وَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ يَعْنِيَانِ ابْنَ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فَسَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ

قَوْلُهُ : ( كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدُلُونَ أَشْعَارَهُمْ ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ ، فَسَدَلَ نَاصِيَتَهُ ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : يُقَالُ : سَدَلَ يَسْدُلُ وَيُسْدِلُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا . قَالَ الْقَاضِي : سَدْلُ الشَّعْرِ إِرْسَالُهُ . قَالَ : وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِرْسَالُهُ عَلَى الْجَبِينِ وَاتِّخَاذُهُ كَالْقُصَّةِ يُقَالُ : سَدَلَ شَعْرَهُ وَثَوْبَهُ إِذَا أَرْسَلَهُ ، وَلَمْ يَضُمَّ جَوَانِبَهُ ، وَأَمَّا الْفَرْقُ فَهُوَ فَرْقُ الشَّعْرِ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَالْفَرْقُ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالُوا : فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ بِوَحْيٍ لِقَوْلِهِ : ( إِنَّهُ كَانَ يُوَافِقُ أَهْلَ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ ) .

قَالَ الْقَاضِي : حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ نُسِخَ الْمُسْدَلُ ، فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ ، وَلَا اتِّخَاذُ النَّاصِيَةِ وَالْجُمَّةِ . قَالَ : وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ الْفَرْقِ لَا وُجُوبُهُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْفَرْقَ كَانَ بِاجْتِهَادٍ فِي مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا بِوَحْيٍ ، وَيَكُونُ الْفَرْقُ مُسْتَحَبًّا ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِ ، فَفَرَقَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ ، وَاتَّخَذَ اللِّمَّةَ آخَرُونَ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَّةٌ ، فَإِنِ انْفَرَقَتْ فَرَقَهَا ، وَإِلَّا تَرَكَهَا . قَالَ مَالِكٌ : فَرْقُ الرَّجُلِ أَحَبُّ إِلَيَّ . هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ جَوَازُ السَّدْلِ وَالْفَرْقِ ، وَأَنَّ الْفَرْقَ أَفْضَلُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَالَ الْقَاضِي : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ شَيْءٍ ، فَقِيلَ : فَعَلَهُ اسْتِئْلَافًا لَهُمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ، وَمُوَافَقَةً لَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ، فَلَمَّا أَغْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ اسْتِئْلَافِهِمْ ، وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، صَرَّحَ بِمُخَالَفَتِهِمْ فِي غَيْرِ شَيْءٍ ، مِنْهَا صَبْغُ الشَّيْبِ . وَقَالَ آخَرُونَ : يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ شَرَائِعِهِمْ فِيمَا لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِيمَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُبَدِّلُوهُ .

وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَرِدْ شَرْعُنَا بِخِلَافِهِ . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا لِأَنَّهُ قَالَ : يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُمْ ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ إِلَى خِيرَتِهِ ، وَلَوْ كَانَ شَرْعًا لَنَا لَتَحَتَّمَ اتِّبَاعُهُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .