فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ فَضْلِ الرِّفْقِ

باب فَضْلِ الرِّفْقِ
[ سـ :4822 ... بـ :2592]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الْخَيْرَ ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى سِوَاهُ وَفِي رِوَايَةٍ : لَا يَكُونُ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَيْكَ بِالرِّفْقِ أَمَّا الْعُنْفُ فَبِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ، حَكَاهُنَّ الْقَاضِي ، وَغَيْرُ الضَّمِّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ ، وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ ، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَضْلُ الرِّفْقِ وَالْحَثُّ عَلَى التَّخَلُّقِ ، وَذَمُّ الْعُنْفِ ، وَالرِّفْقُ سَبَبُ كُلِّ خَيْرٍ . وَمَعْنَى يُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ أَيْ يُثِيبُ عَلَيْهِ مَا لَا يُثِيبُ عَلَى غَيْرِهِ . وَقَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ يَتَأَتَّى بِهِ مِنَ الْأَغْرَاضِ ، وَيُسَهِّلُ مِنَ الْمَطَالِبِ مَا لَا يَتَأَتَّى بِغَيْرِهِ .




[ سـ :4825 ... بـ :2593]
حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ يَعْنِي بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ ) ففِيهِ تَصْرِيحٌ بِتَسْمِيَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَوَصْفِهِ بِرَفِيقٍ . قَالَ الْمَازِرِيُّ : لَا يُوصَفُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَّا بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ ، أَوْ سَمَّاهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ . وَأَمَّا مَا لَمْ يَرِدْ إِذْنٌ فِي إِطْلَاقِهِ ، وَلَا وَرَدَ مَنْعٌ فِي وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ ، فَفِيهِ خِلَافٌ ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ ، فَلَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ . قَالَ : وَلِلْأُصُولِيِّينَ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافٌ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِ الْآحَادِ ، فَقَالَ بَعْضُ حُذَّاقِ الْأَشْعَرِيَّةِ : يَجُوزُ ; لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ يَقْتَضِي الْعَمَلَ ، وَهَذَا عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِيَّاتِ ، لَكِنَّهُ يَمْنَعُ إِثْبَاتَ أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِالْأَقْيِسَةِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ يُعْمَلُ بِهَا فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ . وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ : يَمْنَعُ ذَلِكَ . فَمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فَهِمَ مِنْ مَسَالِكِ الصَّحَابَةِ قَبُولَهُمْ ذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذَا ، وَمَنْ مَنَعَ لَمْ يُسَلِّمْ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ إِجْمَاعٌ فِيهِ ، فَبَقِيَ عَلَى الْمَنْعِ . قَالَ الْمَازِرِيُّ : فَإِطْلَاقُ ( رَفِيقٍ ) إِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْآحَادِ جَرَى فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا . قَالَ : وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ( رَفِيقٌ ) صِفَةُ فِعْلٍ ، وَهِيَ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الرِّفْقِ لِعِبَادِهِ . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى رَفِيقًا وَغَيْرَهُ مِمَّا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْكِبْرِ ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ اخْتِيَارُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ .