فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ النَّهْيِ عَنْ لَعْنِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا

باب النَّهْيِ عَنْ لَعْنِ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا
[ سـ :4827 ... بـ :2595]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ جَمِيعًا عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ قَالَ عِمْرَانُ فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو الرَّبِيعِ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ أَيُّوبَ بِإِسْنَادِ إِسْمَعِيلَ نَحْوَ حَدِيثِهِ إِلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ حَمَّادٍ قَالَ عِمْرَانُ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهَا نَاقَةً وَرْقَاءَ وَفِي حَدِيثِ الثَّقَفِيِّ فَقَالَ خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَأَعْرُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاقَةِ الَّتِي لَعَنَتْهَا الْمَرْأَةُ : ( خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ ) وَفِي رِوَايَةٍ : لَا تُصَاحِبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ إِنَّمَا قَالَ هَذَا زَجْرًا لَهَا وَلِغَيْرِهَا ، وَكَانَ قَدْ سَبَقَ نَهْيُهَا وَنَهْيُ غَيْرِهَا عَنِ اللَّعْنِ ، فَعُوقِبَتْ بِإِرْسَالِ النَّاقَةِ ، وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ مُصَاحَبَتِهِ لِتِلْكَ النَّاقَةِ فِي الطَّرِيقِ ، وَأَمَّا بَيْعُهَا وَذَبْحُهَا وَرُكُوبُهَا فِي غَيْرِ مُصَاحَبَتِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي كَانَتْ جَائِزَةً قَبْلَ هَذَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْجَوَازِ ; لِأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا وَرَدَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُصَاحَبَةِ ، فَبَقِيَ الْبَاقِي كَمَا كَانَ .

وَقَوْلُهُ : ( نَاقَةً وَرْقَاءَ ) بِالْمَدِّ أَيْ يُخَالِطُ بَيَاضُهَا سَوَادٌ ، وَالذَّكَرُ أَوْرَقُ ، وَقِيلَ : هِيَ الَّتِي لَوْنُهَا كَلَوْنِ الرَّمَادِ .

قَوْلُهُ : ( فَقَالَتْ : حِلْ ) هِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ لِلْإِبِلِ وَاسْتِحْثَاثٍ يُقَالُ : حِلْ حِلْ بِإِسْكَانِ اللَّامِ فِيهِمَا . قَالَ الْقَاضِي : وَيُقَالُ أَيْضًا : حِلٍ حِلٍ بِكَسْرِ اللَّامِ فِيهِمَا بِالتَّنْوِينِ وَبِغَيْرِ تَنْوِينٍ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَأَعْرُوهَا ) هُوَ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَبِضَمِّ الرَّاءِ يُقَالُ : أَعْرَيْتُهُ وَعَرَّيْتُهُ إِعْرَاءً وَتَعْرِيَةً فَتَعَرَّى ، وَالْمُرَادُ هُنَا خُذُوا مَا عَلَيْهَا مِنَ الْمَتَاعِ وَرَحْلِهَا وَآلَتِهَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا وَلَا يَكُونَ اللَّعَّانُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) فِيهِ الزَّجْرِ عَنِ اللَّعْنِ ، وَأَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يَكُونُ فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ ، لِأَنَّ اللَّعْنَةَ فِي الدُّعَاءِ يُرَادُ بِهَا الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَيْسَ الدُّعَاءُ بِهَذَا مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ بَيْنَهُمْ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَجَعَلَهُمْ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَكَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ، فَمَنْ دَعَا عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِاللَّعْنَةِ - وَهِيَ الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى - فَهُوَ مِنْ نِهَايَةِ الْمُقَاطَعَةِ وَالتَّدَابُرِ ، وَهَذَا غَايَةُ مَا يَوَدُّهُ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ ، وَيَدْعُو عَلَيْهِ ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ يَقْطَعُهُ عَنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا ، وَهَذَا يَقْطَعُهُ عَنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى . وَقِيلَ : مَعْنَى لَعْنَ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ فِي الْإِثْمِ ، وَهَذَا أَظْهَرُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ ) فَمَعْنَاهُ لَا يَشْفَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُشَفَّعُ الْمُؤْمِنُونَ فِي إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ ، ( وَلَا شُهَدَاءَ ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْأُمَمِ بِتَبْلِيغِ رُسُلِهِمْ إِلَيْهِمُ الرِّسَالَاتِ ، وَالثَّانِي لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ فِي الدُّنْيَا أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهِمْ لِفِسْقِهِمْ ، وَالثَّالِثُ لَا يُرْزَقُونَ الشَّهَادَةَ وَهِيَ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا ، وَلَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ بِصِيغَةِ التَّكْثِيرِ ، وَلَمْ يَقُلْ : لَاعِنًا وَاللَّاعِنُونَ لِأَنَّ هَذَا الذَّمَّ فِي الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ كَثُرَ مِنْهُ اللَّعْنُ ، لَا لِمَرَّةٍ وَنَحْوِهَا ، وَلِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ أَيْضًا اللَّعْنُ الْمُبَاحُ ، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ ، وَهُوَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ، لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ، لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ ، وَشَارِبَ الْخَمْرِ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ ، وَالْمُصَوِّرِينَ ، وَمَنِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ ، وَتَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ ، وَغَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ ، وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ هُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ .

قَوْلُهُ : ( بَعَثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءَ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ ثُمَّ جِيمٌ ، وَهُوَ جَمْعُ نَجَدٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْجِيمِ ، وَهُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ الَّذِي يُزَيِّنُهُ مِنْ فُرُشٍ وَنَمَارِقَ وَسُتُورٍ ، وَقَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِإِسْكَانِ الْجِيمِ . قَالَ : وَجَمْعُهُ نُجُودٌ حَكَاهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فَهُمَا لُغَتَانِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ بِخَادِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ .