فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابٌ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِ مَنْ أَحْصَاهَا


[ سـ :4965 ... بـ :2677]
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَزَادَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى ، إِذْ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ لَكَانَتِ الْأَسْمَاءُ لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ : وَفِيهِ : دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَشْهَرَ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ( اللَّهُ ) لِإِضَافَةِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ اسْمُهُ الْأَعْظَمُ ، قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ : وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ كُلُّ اسْمٍ لَهُ فَيُقَالُ : الرَّءُوفُ وَالْكَرِيمُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا يُقَالُ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّءُوفِ أَوِ الْكَرِيمِ اللَّهُ . وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ لِأَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، فَلَيْسَ مَعْنَاهُ : أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاءٌ غَيْرَ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ ، وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، فَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِإِحْصَائِهَا لَا الْإِخْبَارِ بِحَصْرِ الْأَسْمَاءِ ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : أَسْأَلُكَ بِكُلٍّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ : لِلَّهِ تَعَالَى أَلِفُ اسْمٍ ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَهَذَا قَلِيلٌ فِيهَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَأَمَّا تَعْيِينُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَقَدْ جَاءَ فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ فِي بَعْضِ أَسْمَائِهِ خِلَافٌ ، وَقِيلَ : إِنَّهَا مَخْفِيَّةُ التَّعْيِينِ كَالِاسْمِ الْأَعْظَمِ ، وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَنَظَائِرِهَا .

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) فَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِإِحْصَائِهَا ، فَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ : مَعْنَاهُ : حَفِظَهَا ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( مَنْ حَفِظَهَا ) وَقِيلَ : أَحْصَاهَا : عَدَّهَا فِي الدُّعَاءِ بِهَا ، وَقِيلَ : أَطَاقَهَا أَيْ : أَحْسَنَ الْمُرَاعَاةَ لَهَا ، وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ ، وَصَدَّقَ بِمَعَانِيهَا ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ : الْعَمَلُ بِهَا وَالطَّاعَةُ بِكُلِّ اسْمِهَا ، وَالْإِيمَانُ بِهَا لَا يَقْتَضِي عَمَلًا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمُرَادُ حِفْظُ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتُهُ كُلُّهُ ، لِأَنَّهُ مُسْتَوْفٍ لَهَا ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ) الْوِتْرُ : الْفَرْدُ ، وَمَعْنَاهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى : الْوَاحِدُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا نَظِيرٌ . وَمَعْنَى ( يُحِبُّ الْوِتْرَ ) : تَفْضِيلُ الْوِتْرِ فِي الْأَعْمَالِ ، وَكَثِيرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ ، فَجَعَلَ الصَّلَاةَ خَمْسًا ، وَالطَّهَارَةَ ثَلَاثًا ، وَالطَّوَافَ سَبْعًا ، وَالسَّعْيَ سَبْعًا ، وَرَمْيَ الْجِمَارِ سَبْعًا ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ ثَلَاثًا ، وَالِاسْتِنْجَاءَ ثَلَاثًا ، وَكَذَا الْأَكْفَانُ ، وَفِي الزَّكَاةِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَخَمْسُ أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ ، وَنِصَابُ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَجَعَلَ كَثِيرًا مِنْ عَظِيمِ مَخْلُوقَاتِهِ وِتْرًا : مِنْهَا السَّمَاوَاتُ ، وَالْأَرْضُونَ ، وَالْبِحَارُ ، وَأَيَّامُ الْأُسْبُوعِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَاهُ مُنْصَرِفٌ إِلَى صِفَةِ مَنْ يَعْبُدِ اللَّهَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ ، وَالتَّفَرُّدِ مُخْلِصًا لَهُ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .