فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ التَّعَوُّذِ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَغَيْرِهِ

باب التَّعَوُّذِ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَغَيْرِهِ
[ سـ :5007 ... بـ :2706]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ وَأَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ كِلَاهُمَا عَنْ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ غَيْرَ أَنَّ يَزِيدَ لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ قَوْلُهُ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَخْبَرَنَا ابْنُ مُبَارَكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَعَوَّذَ مِنْ أَشْيَاءَ ذَكَرَهَا وَالْبُخْلِ

وَأَمَّا ( الْعَجْزُ ) : فَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : هُوَ تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ ، وَالتَّسْوِيفُ بِهِ ، وَكِلَاهُمَا تُسْتَحَبُّ الْإِعَاذَةُ مِنْهُ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّمَا اسْتَعَاذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْفَقْرِ الَّذِي هُوَ فَقْرُ النَّفْسِ لَا قِلَّةُ الْمَالِ . قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ تَكُونُ اسْتِعَاذَتُهُ مِنْ فَقْرِ الْمَالِ ، وَالْمُرَادُ الْفِتْنَةُ فِي عَدَمِ احْتِمَالِهِ وَقِلَّةِ الرِّضَا بِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ : فِتْنَةُ الْقَبْرِ ، وَلَمْ يَقُلْ : الْفَقْرُ ، وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ بِفَضْلِ الْفَقْرِ ، أَمَّا اسْتِعَاذَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْهَرَمِ ، فَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنَ الرَّدِّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا ، وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنَ الْخَرَفِ ، وَاخْتِلَالِ الْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ وَالضَّبْطِ وَالْفَهْمِ ، وَتَشْوِيهِ بَعْضِ الْمَنظِرِ ، وَالْعَجْزِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ ، وَالتَّسَاهُلِ فِي بَعْضِهَا .

وَأَمَّا اسْتِعَاذَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَغْرَمِ ، وَهُوَ الدَّيْنُ ، فَقَدْ فَسَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمْطُلُ الْمَدِينُ صَاحِبَ الدَّيْنِ ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَغِلُ بِهِ قَلْبُهُ ، وَرُبَّمَا مَاتَ قَبْلَ وَفَائِهِ ، فَبَقِيَتْ ذِمَّتُهُ مُرْتَهَنَةٌ بِهِ .

وَأَمَّا اسْتِعَاذَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، فَلِمَا فِيهِمَا مِنَ التَّقْصِيرِ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ ، وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ ، وَالْإِغْلَاظِ عَلَى الْعُصَاةِ ، وَلِأَنَّهُ بِشَجَاعَةِ النَّفْسِ وَقُوَّتِهَا الْمُعْتَدِلَةِ تَتِمُّ الْعِبَادَاتُ ، وَيَقُومُ بِنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَالْجِهَادِ ، وَبِالسَّلَامَةِ مِنَ الْبُخْلِ يَقُومُ بِحُقُوقِ الْمَالِ ، وَيَنْبَعِثُ لِلْإِنْفَاقِ وَالْجُودِ وَلِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَيَمْتَنِعُ مِنَ الطَّمَعِ فِيمَا لَيْسَ لَهُ ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَاسْتِعَاذَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِتَكْمُلَ صِفَاتُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ وَشَرْعِهِ أَيْضًا تَعْلِيمًا .

وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ ، وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ الْفَتَاوَى فِي الْأَمْصَارِ ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الزُّهَّادِ وَأَهْلُ الْمَعَارِفِ إِلَى أَنَّ تَرْكَ الدُّعَاءَ أَفْضَلُ اسْتِسْلَامًا لِلْقَضَاءِ ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : إِنْ دَعَا لِلْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ ، وَإِنْ دَعَا لِنَفْسِهِ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : إِنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ بَاعِثٌ لِلدُّعَاءِ اسْتُحِبَّ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَدَلِيلُ الْفُقَهَاءِ ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ وَفِعْلِهِ ، وَالْأخْبَارِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ بِفِعْلِهِ . وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ذِكْرُ الْمَأْثَمِ ، وَهُوَ : الْإِثْمُ . وَفِيهَا فِتْنَةُ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، أَيْ : فِتْنَةُ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ .