فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابٌ فِي شِدَّةِ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ وَبُعْدِ قَعْرِهَا وَمَا تَأْخُذُ مِنَ

باب فِي شِدَّةِ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ وَبُعْدِ قَعْرِهَا وَمَا تَأْخُذُ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ
[ سـ :5205 ... بـ :2842]
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ خَالِدٍ الْكَاهِلِيِّ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ خَالِدٍ الْكَاهِلِيِّ عَنْ شَقِيقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ) الْحَدِيثَ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ : رَفْعُهُ وَهَمٌ ، رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَمَرْوَانُ وَغَيْرُهُمَا عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ خَالِدٍ مَوْقُوفًا ، قُلْتُ : وَحَفْصٌ ثِقَةٌ حَافِظٌ إِمَامٌ فَزِيَادَتُهُ الرَّفْعَ مَقْبُولَةٌ كَمَا سَبَقَ نَقْلُهُ عَنِ الْأَكْثَرِينَ وَالْمُحَقِّقِينَ .

قَوْلُهُ : ( سَمِعَ وَجْبَةً ) هِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ ، وَهِيَ السَّقْطَةُ .

قَوْلُهُ : فِي ( حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَالَ : هَذَا وَقَعَ فِي أَسْفَلِهَا فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِيهِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ ، أَيْ : هَذَا حَجَرٌ وَقَعَ ، أَوْ هَذَا حِينُ وَنَحْوُ ذَلِكَ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ يَعْنِي النَّارُ إِلَى حُجْزَتِهِ ) هِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ ، وَهِيَ : مَعْقِدُ الْإِزَارِ ، السَّرَاوِيلُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى تَرْقُوتِهِ هِيَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ ، وَهِيَ : الْعَظْمُ الَّذِي بَيْنَ ثَغْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( حَقْوَيْهِ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا ، وَهُمَا مَعْقِدُ الْإِزَارِ ، وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يُحَاذِي ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْ جَنْبَيْهِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَحَاجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ ) إِلَى آخِرِهِ ، هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي النَّارِ وَالْجَنَّةِ تَمْيِيزًا تُدْرَكَانِ بِهِ فَتَحَاجَّتَا ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّمْيِيزُ فِيهِمَا دَائِمًا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَقَالَتِ الْجَنَّةُ : فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ ؟ ) أَمَّا ( سَقَطُهُمْ ) : فَبِفَتْحِ السِّينِ وَالْقَافِ ، أَيْ : ضُعَفَاؤُهُمْ وَالْمُحْتَقَرُونَ مِنْهُمْ ، وَأَمَّا ( عَجَزُهُمْ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْجِيمِ جَمْعُ عَاجِزٍ ، أَيْ : الْعَاجِزُونَ عَنْ طَلَبِ الدُّنْيَا وَالتَّمَكُّنِ فِيهَا وَالثَّرْوَةِ وَالشَّوْكَةِ ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ فَفِيهَا ( لَا يَدْخُلنِي إِلَّا ضِعَافُ النَّاسِ وَغِرَّتُهُمْ ) فَرُوِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي النُّسَخِ إِحْدَاهَا ( غَرَثُهُمْ ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ ، قَالَ الْقَاضِي : هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ شُيُوخِنَا ، وَمَعْنَاهَا : أَهْلُ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَالْجُوعِ ، وَالْغَرَثُ : الْجُوعُ . وَالثَّانِي : ( عَجَزَتُهُمْ ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ وَزَايٍ وَتَاءٍ ، جَمْعُ عَاجِزٍ كَمَا سَبَقَ . وَالثَّالِثُ : ( غِرَّتُهُمْ ) بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ وَتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ ، وَهَكَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا ، أَيْ : الْبُلْهُ الْغَافِلُونَ ، الَّذِينَ لَيْسَ بِهِمْ فَتْكٌ وَحِذْقٌ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا . وَهُوَ نَحْوُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ قَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ سَوَادُ النَّاسِ وَعَامَّتُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ ، الَّذِينَ لَا يَفْطِنُونَ لِلسُّنَّةِ ، فَيَدْخُلُ عَلَيْهِمِ الْفِتْنَةُ ، أَوْ يُدْخِلُهُمْ فِي الْبِدْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا ، فَهُمْ ثَابِتُو الْإِيمَانِ ، وَصَحِيحُو الْعَقَائِدِ ، وَهُمْ أَكْثَرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَهُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ .

وَأَمَّا الْعَارِفُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ ، وَالصَّالِحُونَ الْمُتَعَبِّدُونَ ، فَهُمْ قَلِيلُونَ ، وَهُمْ أَصْحَابُ الدَّرَجَاتِ ، قَالَ : وَقِيلَ : مَعْنَى الضُّعَفَاءِ هُنَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَهْلُ الْجَنَّةُ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ أَنَّهُ الْخَاضِعُ لِلَّهِ تَعَالَى ، الْمُذِلُّ نَفْسَهُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، ضِدُّ الْمُتَجَبِّرِ الْمُسْتَكْبِرِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَتَقُولُ قَطْ قَطْ فَهُنَالِكَ تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ) مَعْنَى ( يُزْوَى ) يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَتَجْتَمِعُ وَتَلْتَقِي عَلَى مَنْ فِيهَا ، وَمَعْنَى ( قَطْ ) حَسْبِي ، أَيْ : يَكْفِينِي هَذَا ، وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ : قَطْ قَطْ بِإِسْكَانِ الطَّاءِ فِيهِمَا وَبِكَسْرِهَا ، مُنَوَّنَةٌ وَغَيْرُ مُنَوَّنَةٍ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَأَمَّا النَّارُ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِجْلَهُ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعِزَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَمَهُ فَتَقُولُ : قَطْ قَطْ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى ( فَيَضَعُ قَدَمَهُ عَلَيْهَا ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مَشَاهِيرِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ ، وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا عَلَى مَذْهَبَيْنِ :

أَحَدُهُمَا : وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ : أَنَّهُ لَا يُتَكَلَّمُ فِي تَأْوِيلِهَا بَلْ نُؤْمِنُ أَنَّهَا حَقٌّ عَلَى مَا أَرَادَ اللَّهُ ، وَلَهَا مَعْنَى يَلِيقُ بِهَا ، وَظَاهِرُهَا غَيْرُ مُرَادٍ .

وَالثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهَا تُتَأَوَّلُ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهَا ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ هُنَا الْمُتَقَدِّمُ ، وَهُوَ شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَمَعْنَاهُ : حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَنْ قَدَّمَهُ لَهَا مِنْ أَهْلِ الْعَذَابِ ، قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي : هَذَا تَأْوِيلُ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ ، وَنَحْوُهُ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ . الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ قَدَمُ بَعْضِ الْمَخْلُوقِينِ ، فَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَدَمِهِ إِلَى ذَلِكِ الْمَخْلُوقِ الْمَعْلُومِ . الثَّالِثُ : أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مَا يُسَمَّى بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا ( يَضَعُ اللَّهُ فِيهَا رِجْلَهُ ) فَقَدْ زَعَمَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنِ فَوْرَكَ أَنَّهَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ ، وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَهِيَ صَحِيحَةٌ وَتَأْوِيلُهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْقَدَمِ ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِالرِّجْلِ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ ، كَمَا يُقَالُ : رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ ، أَيْ : قِطْعَةٌ مِنْهُ ، قَالَ الْقَاضِي : أَظْهَرُ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ اسْتَحَقُّوهَا ، وَخُلِقُوا لَهَا ، قَالُوا : وَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ ; لِقِيَامِ الدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ الْعَقْلِيِّ عَلَى اسْتِحَالَةِ الْجَارِحَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا ) قَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ بَيَانُ أَنَّ الظُّلْمَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَمَنْ عَذَّبَهُ بِذَنْبٍ أَوْ بِلَا ذَنْبٍ فَذَلِكَ عَدْلٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا ) هَذَا دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الثَّوَابَ لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْأَعْمَالِ ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُخْلَقُونَ حِينَئِذٍ ، وَيُعْطَوْنَ فِي الْجَنَّةِ مَا يُعْطَوْنَ بِغَيْرِ عَمَلٍ ، وَمِثْلُهُ أَمْرُ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينَ الَّذِينَ لَمْ يَعْمَلُوا طَاعَةً قَطُّ ، فَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ : دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ سَعَةِ الْجَنَّةِ ، فَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ لِلْوَاحِدِ فِيهَا مِثْلُ الدُّنْيَا وَعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا ، ثُمَّ يَبْقَى فِيهَا شَيْءٌ لِخَلْقٍ يُنْشِئُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُجَاءُ بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يُقَالُ : خُلُودٌ فَلَا مَوْتُ ) قَالَ الْمَازِرِيُّ : الْمَوْتُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَرَضٌ يُضَادُّ الْحَيَاةِ ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ : لَيْسَ بِعَرَضٍ ; بَلْ مَعْنَاهُ : عَدَمُ الْحَيَاةِ ، وَهَذَا خَطَأ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ فَأَثْبَتَ الْمَوْتَ مَخْلُوقًا ، وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ لَيْسَ الْمَوْتُ بِجِسْمٍ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَيُتَأَوَّلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ هَذَا الْجِسْمَ ، ثُمَّ يُذْبَحُ مِثَالًا لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَطْرَأُ عَلَى أَهْلِ الْآخِرَةِ ، وَالْكَبْشُ الْأَمْلَحُ قِيلَ : هُوَ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيُّ : وَقَالَ الْكِسَائِيُّ : هُوَ الَّذِي فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ ، وَبَيَاضُهُ أَكْثَرُ ، وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الضَّحَايَا .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَيَشْرَئِبُّونَ ) بِالْهَمْزِ ، أَيْ : يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ إِلَى الْمُنَادِي .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ ، وَغِلَظِ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ وَمَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ ) هَذَا كُلُّهُ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي إِيلَامِهِ ، وَكُلُّ هَذَا مَقْدُورٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَجِبُ الْإِيمَانِ بِهِ لِإِخْبَارِ الصَّادِقِ بِهِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ : ( كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ ) ضَبَطُوا قَوْلَهُ ( مُتَضَعَّفٍ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا الْمَشْهُورُ الْفَتْحُ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَكْثَرُونَ غَيْرَهُ ، وَمَعْنَاهُ : يَسْتَضْعِفُهُ النَّاسُ وَيَحْتَقِرُونَهُ وَيَتَجَبَّرُونَ عَلَيْهِ لِضَعْفِ حَالِهِ فِي الدُّنْيَا ، يُقَالُ : تَضَعَّفَهُ وَاسْتَضْعَفَهُ ، وَأَمَّا رِوَايَةُ الْكَسْرِ فَمَعْنَاهَا : مُتَوَاضِعٌ مُتَذَلِّلٌ خَامِلٌ وَاضِعٌ مِنْ نَفْسِهِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ يَكُونُ الضَّعْفُ هُنَا رِقَّةُ الْقُلُوبِ وَلِينُهَا وَإِخْبَاتُهَا لِلْإِيمَانِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّ أَغْلَبَ أَهْلِ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ ، كَمَا أَنَّ مُعْظَمَ أَهْلِ النَّارِ الْقِسْمُ الْآخَرُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِيعَابَ فِي الطَّرَفَيْنِ . وَمَعْنَى الْأَشْعَثِ مُتَلَبِّدُ الشَّعْرِ مُغَبَّرُهُ الَّذِي لَا يَدْهُنُهُ ، وَلَا يُكْثِرُ غَسْلَهُ . وَمَعْنَى مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ أَنَّهُ لَا يُؤْذَنُ لَهُ ، بَلْ يُحْجَبُ وَيُطْرَدُ لِحَقَارَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ) مَعْنَاهُ : لَوْ حَلَفَ يَمِينًا طَمَعًا فِي كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِبْرَارِهِ لَأَبَرَّهُ ، وَقِيلَ : لَوْ دَعَاهُ لَأَجَابَهُ ، يُقَالُ : أَبْرَرْتُ قَسَمَهُ وَبَرَرْتُهُ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ النَّارِ : ( كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ ) وَفِي رِوَايَةٍ ( كُلُّ جَوَّاظٍ زَنِيمٍ مُتَكَبِّرٍ ) أَمَّا ( الْعُتُلُّ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالتَّاءِ ، فَهُوَ : الْجَافِي الشَّدِيدُ الْخُصُومَةِ بِالْبَاطِلِ ، وَقِيلَ : الْجَافِي الْفَظُّ الْغَلِيظُ .

وَأَمَّا ( الْجَوَّاظُ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ ، فَهُوَ : الْجَمُوعُ الْمَنُوعُ ، وَقِيلَ : كَثِيرُ اللَّحْمِ الْمُخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ ، وَقِيلَ : الْقَصِيرُ الْبَطِينِ ، وَقِيلَ : الْفَاخِرُ بِالْخَاءِ ، وَأَمَّا ( الزَّنِيمُ ) فَهُوَ : الدَّعِيُّ فِي النَّسَبِ الْمُلْصَقِ بِالْقَوْمِ ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ ، شُبِّهَ بِزَنَمَةِ الشَّاةِ ، وَأَمَّا ( الْمُتَكَبِّرُ وَالْمُسْتَكْبِرُ ) فَهُوَ صَاحِبُ الْكِبْرِ ، وَهُوَ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ : ( عَزِيزٌ عَارِمٌ ) الْعَارِمُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : هُوَ الشِّرِّيرُ الْمُفْسِدُ الْخَبِيثُ ، وَقِيلَ : الْقَوِيُّ الشَّرِسُ ، وَقَدْ عَرِمَ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ لِغَيْرِ ضَرُورَةِ التَّأْدِيبِ .

وَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ الضَّحِكِ مِنَ الضَّرْطَةِ يَسْمَعُهَا مِنْ غَيْرِهِ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَغَافَلَ عَنْهَا وَيَسْتَمِرَّ عَلَى حَدِيثِهِ وَاشْتِغَالِهِ بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ وَلَا غَيْرِهِ ، وَيُظْهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ .

وَفِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ وَالْمُعَاشَرَةِ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمْعَةَ بْنِ خِنْدِفَ أَبَا بَنِي كَعْبٍ هَؤُلَاءِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى : ( رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيِّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ ) أَمَّا ( قَمْعَةُ ) ضَبَطُوهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ، أَشْهَرُهَا : قِمَّعَةُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ ، وَالثَّانِي : كَسْرُ الْقَافِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ ، حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْبَاجِيِّ عَنِ ابْنِ مَاهَانَ ، وَالثَّالِثُ : فَتْحُ الْقَافِ مَعَ إِسْكَانِ الْمِيمِ ، وَالرَّابِعُ : فَتْحُ الْقَافِ وَالْمِيمِ جَمِيعًا وَتَخْفِيفُ الْمِيمِ ، قَالَ الْقَاضِي : وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ . وَأَمَّا ( خِنْدِفُ ) فَبِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ ، هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ ، وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : هَذَا وَالثَّانِي : كَسْرُ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ ، وَآخِرُهَا فَاءٌ ، وَهِيَ اسْمُ الْقَبِيلَةِ ، فَلَا تَنْصَرِفُ وَاسْمُهَا لَيْلَى بِنْتُ عِمْرَانَ بْنِ الْجَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَبَا بَنِي كَعْبٍ ) كَذَا ضَبَطْنَاهُ ( أَبَا ) بِالْبَاءِ ، وَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرِ مِنْ نُسَخِ بِلَادِنَا ، وَفِي بَعْضِهَا ( أَخَا ) بِالْخَاءِ ، وَنَقَلَ الْقَاضِي هَذَا عَنْ أَكْثَرِ رُوَاةِ الْجُلُودِيِّ ، قَالَ : وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ ابْنِ مَاهَانَ ، وَبَعْضُ رُوَاةِ الْجُلُودِيِّ قَالَ : وَهُوَ الصَّوَابُ ، قَالَ : وَكَذَا ذَكَرَ الْحَدِيثَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَمُصْعَبُ الزُّبَيْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا ; لِأَنَّ كَعْبًا هُوَ أَحَدُ بُطُونِ خُزَاعَةَ وَابْنَهُ . وَأَمَّا ( لُحَيُّ ) : فَبِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ . وَأَمَّا ( قُصْبَهُ ) فَبِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ ، قَالَ الْأَكْثَرُونَ : يَعْنِي أَمْعَاءَهُ ، وَقَالَ أَبُو عَبِيدٍ : الْأَمْعَاءُ وَاحِدُهَا قَصَبٌ . أَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ : ( عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ ) فَقَالَ الْقَاضِي الْمَعْرُوفُ فِي نَسَبِ ابْنِ خُزَاعَةَ ( عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمْعَةَ ) كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى ، وَهُوَ قَمْعَةُ بْنُ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ ، وَإِنَّمَا عَامِرٌ عَمُّ أَبِيهِ أَبِي قَمْعَةَ ، وَهُوَ مُدْرِكَةُ بْنُ إِلْيَاسَ ، هَذَا قَوْلُ نُسَّابِ الْحِجَازِيِّينَ ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُمْ مِنَ الْيَمَنِ مِنْ وَلَدِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، وَأَنَّهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ ، وَاسْمُهُ : رَبِيعَةُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، وَقَدْ يَحْتَجُّ قَائِلٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ، هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ ، يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مُعْجِزَاتِ النُّبُوَّةِ ، فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَّا أَصْحَابُ السِّيَاطِ فَهُمْ غِلْمَانُ وَالِي الشُّرْطَةِ .

أَمَّا ( الْكَاسِيَاتُ ) فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا : مَعْنَاهُ : كَاسِيَاتٌ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ ، عَارِيَاتٌ مِنْ شُكْرِهَا ، وَالثَّانِي : كَاسِيَاتٌ مِنَ الثِّيَابِ ، عَارِيَاتٌ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ وَالِاهْتِمَامِ لِآخِرَتِهِنَّ ، وَالِاعْتِنَاءِ بِالطَّاعَاتِ . وَالثَّالِثُ : تَكْشِفُ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا ، فَهُنَّ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ . وَالرَّابِعُ : يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِفُ مَا تَحْتَهَا ، كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ فِي الْمَعْنَى .

وَأَمَّا ( مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ ) : فَقِيلَ : زَائِغَاتٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَا يَلْزَمُهُنَّ مِنْ حِفْظِ الْفُرُوجِ وَغَيْرِهَا ، وَمُمِيلَاتٌ يُعَلِّمْنَ غَيْرَهُنَّ مِثْلَ فِعْلِهِنَّ ، وَقِيلَ : مَائِلَاتٌ مُتَبَخْتِرَاتٌ فِي مِشْيَتِهِنَّ ، مُمِيلَاتٌ أَكْتَافُهُنَّ ، وَقِيلَ : مَائِلَاتٌ يَتَمَشَّطْنَ الْمِشْطَةَ الْمَيْلَاءِ ، وَهِيَ مِشْطَةُ الْبَغَايَا مَعْرُوفَةٌ لَهُنَّ ، مُمِيلَاتٌ يُمَشِّطْنَ غَيْرَهُنَّ تِلْكَ الْمِشْطَةِ ، وَقِيلَ : مَائِلَاتٌ إِلَى الرِّجَالِ مُمِيلَاتٌ لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَغَيْرِهَا .

وَأَمَّا ( رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ ) فَمَعْنَاهُ : يُعَظِّمْنَ رُءُوسَهُنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِمِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُلَفُّ عَلَى الرَّأْسِ ، حَتَّى تُشْبِهُ أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ الْبُخْتِ ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي تَفْسِيرِهِ ، قَالَ الْمَازِرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَالِ وَلَا يَغْضُضْنَ عَنْهُمْ ، وَلَا يُنَكِّسْنَ رُءُوسَهُنَّ ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَنَّ الْمَائِلَاتِ تُمَشِّطْنَ الْمِشْطَةَ الْمَيْلَاءِ ، قَالَ : وَهِيَ ضَفْرُ الْغَدَائِرِ وَشَدُّهَا إِلَى فَوْقُ ، وَجَمْعُهَا فِي وَسَطِ الرَّأْسِ فَتَصِيرُ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ ، قَالَ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّشْبِيهِ بِأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ إِنَّمَا هُوَ لِارْتِفَاعِ الْغَدَائِرِ فَوْقَ رُءُوسِهِنَّ ، وَجَمْعُ عَقَائِصِهَا هُنَاكَ ، وَتُكْثِرُهَا بِمَا يُضَفِّرْنَهُ حَتَّى تَمِيلَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْ جَوَانِبِ الرَّأْسِ ، كَمَا يَمِيلُ السَّنَامُ ، قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ : يُقَالُ : نَاقَةٌ مَيْلَاءُ إِذَا كَانَ سَنَامُهَا يَمِيلُ إِلَى أَحَدِ شِقَّيْهَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ) يُتَأَوَّلُ التَّأْوِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي نَظَائِرِهِ أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّتْ حَرَامًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهَا بِتَحْرِيمِهِ ، فَتَكُونُ كَافِرَةٌ مُخَلَّدَةٌ فِي النَّارِ ، لَا تَدْخُلِ الْجَنَّةَ أَبَدًا .

وَالثَّانِي : يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا أَوَّلَ الْأَمْرِ مَعَ الْفَائِزِينَ . وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .