فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ بَيَانِ خِصَالِ الْمُنَافِقِ

باب بَيَانِ خِصَالِ الْمُنَافِقِ
[ سـ :117 ... بـ :58]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ح وَحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا عَدَّهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مُشْكِلًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ تُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِ الْمُصَدِّقِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ . وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَفَعَلَ هَذِهِ الْخِصَالَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ ، وَلَا هُوَ مُنَافِقٌ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ ; فَإِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعُوا هَذِهِ الْخِصَالَ . وَكَذَا وُجِدَ لِبَعْضِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ بَعْضُ هَذَا أَوْ كُلُّهِ . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى إِشْكَالٌ ، وَلَكِنِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ . فَالَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ : أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ خِصَالُ نِفَاقٍ ، وَصَاحِبُهَا شَبِيهٌ بِالْمُنَافِقِ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ ، وَمُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِهِمْ . فَإِنَّ النِّفَاقَ هُوَ إِظْهَارُ مَا يُبْطِنُ خِلَافَهُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي صَاحِبِ هَذِهِ الْخِصَالِ ، وَيَكُونُ نِفَاقُهُ فِي حَقِّ مَنْ حَدَّثَهُ ، وَوَعَدَهُ ، وَائْتَمَنَهُ ، وَخَاصَمَهُ ، وَعَاهَدَهُ مِنَ النَّاسِ ، لَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ فِي الْإِسْلَامِ فَيُظْهِرُهُ وَهُوَ يُبْطِنُ الْكُفْرَ . وَلَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا أَنَّهُ مُنَافِقٌ نِفَاقَ الْكُفَّارِ الْمُخَلَّدِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ) مَعْنَاهُ شَدِيدُ الشَّبَهِ بِالْمُنَافِقِينَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْخِصَالِ . قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : وَهَذَا فِيمَنْ كَانَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ غَالِبَةً عَلَيْهِ . فَأَمَّا مَنْ يَنْدُرُ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ . فَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ . وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعْنَاهُ عَنِ الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا فَقَالَ : إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ نِفَاقُ الْعَمَلِ . وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ : الْمُرَادُ بِهِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَدَّثُوا بِإِيمَانِهِمْ ، وَكَذَبُوا ، وَاؤْتُمِنُوا عَلَى دِينِهِمْ فَخَانُوا ، وَوَعَدُوا فِي أَمْرِ الدِّينِ وَنَصْرِهِ فَأَخْلَفُوا ، وَفَجَرُوا فِي خُصُومَاتِهِمْ . وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ . وَرَجَعَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَعْدَ أَنْ كَانَ عَلَى خِلَافِهِ . وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ، وَرَوَيَاهُ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : وَإِلَيْهِ مَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا . وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَوْلًا آخَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَعْتَادَ هَذِهِ الْخِصَالَ الَّتِي يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ تُفْضِيَ بِهِ إِلَى حَقِيقَةِ النِّفَاقِ . وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ : - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْضًا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مُنَافِقٍ وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُوَاجِهُهُمْ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ ، فَيَقُولُ : فُلَانٌ مُنَافِقٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ يُشِيرُ إِشَارَةً كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَفْعَلُونَ كَذَا ؟ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى : ( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ ) فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ قَدْ تَكُونُ لَهُ عَلَامَاتٌ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَحْصُلُ بِهَا صِفَتُهُ ، ثُمَّ قَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْعَلَامَةُ شَيْئًا وَاحِدًا ، وَقَدْ تَكُونُ أَشْيَاءَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ) هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ : ( وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ) وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَإِنْ خَاصَمَ فَجَرَ ) أَيْ مَالَ عَنِ الْحَقِّ ، وَقَالَ الْبَاطِلُ وَالْكَذِبُ . قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ . وَأَصْلُ الْفُجُورِ الْمَيْلُ عَنِ الْقَصْدِ .




[ سـ :119 ... بـ :59]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ مَوْلَى الْحُرَقَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَلَامَاتِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثَةٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ أَبُو زُكَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ الْعَلَاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَحَدَّثَنِي أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعَلَاءِ ذَكَرَ فِيهِ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( آيَةُ الْمُنَافِقِ ) أَيْ عَلَامَتُهُ ، وَدَلَالَتُهُ .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( خَلَّةٌ وَخَصْلَةٌ ) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ فِيهِمَا وَإِحْدَاهُمَا بِمَعْنَى الْأُخْرَى .

وَأَمَّا أَسَانِيدُهُ فَفِيهَا ( الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ) مَوْلَى الْحُرَقَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْقَافِ ، وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ .

وَفِيهِ ( عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ ) أَمَّا مُكْرَمٌ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ، وَأَمَّا الْعَمِّيُّ فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي الْعَمِّ بَطْنٌ مِنْ تَمِيمٍ .

وَفِيهِ ( يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ أَبُو زُكَيْرٍ ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ . قَالَ أَبُو الْفَضْلِ الْفَلَكِيُّ الْحَافِظُ : أَبُو زُكَيْرٍ لَقَبٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ .

وَفِيهِ ( أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ ) هُوَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ ابْنُ أَخِي بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ الْحَافِي الزَّاهِدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ هُوَ مِنْ أَبْنَاءِ خُرَاسَانَ مِنْ أَهْلِ نَسَا نَزَلَ بَغْدَادَ وَتَجَرَ بِهَا فِي التَّمْرِ وَغَيْرِهِ ، وَكَانَ فَاضِلًا خَيِّرًا وَرِعًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .