فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ اخْتِبَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْوَةَ الشَّفَاعَةِ لِأُمَّتِهِ


[ سـ :328 ... بـ :199]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَاللَّفْظُ لِأَبِي كُرَيْبٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا

قَوْلُهُ ( وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَانَا وَاللَّفْظُ لِأَبِي غَسَّانَ قَالُوا : حَدَّثَنَا مُعَاذٌ يَعْنُونَ ابْنَ هِشَامٍ ) هَذَا اللَّفْظُ قَدْ يَسْتَدْرِكُهُ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِتَحْقِيقِ مُسْلِمٍ وَإِتْقَانِهِ ، وَكَمَالِ وَرَعِهِ وَحِذْقِهِ وَعِرْفَانِهِ ، فَيَتَوَهَّمُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ طُولًا فَيَقُولُ : كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ ( حَدَّثَانَا ) ، وَهَذِهِ غَفْلَةٌ مِمَّنْ يَصِيرُ إِلَيْهَا ; بَلْ فِي كَلَامِ مُسْلِمٍ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ ، فَإِنَّهُ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ لَفْظِ أَبِي غَسَّانَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ مُسْلِمٍ غَيْرُهُ ، وَسَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى وَابْنِ بَشَّارٍ وَكَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ وَالْمُخْتَارَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ : أَنَّ مَنْ سَمِعَ وَحْدَهُ قَالَ : حَدَّثَنِي ، وَمَنْ سَمِعَ مَعَ غَيْرِهِ قَالَ : حَدَّثَنَا ، فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ وَعَمِلَ بِهَذَا الْمُسْتَحَبِّ ; فَقَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ أَيْ سَمِعْتُ مِنْهُ وَحْدِي ، ثُمَّ ابْتَدَأَ ; فَقَالَ : وَمُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَانَا أَيْ سَمِعْتُ مِنْهُمَا مَعَ غَيْرِي ، فَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى مُبْتَدَأٌ وَحَدَّثَانَا الْخَبَرُ ، وَلَيْسَ هُوَ مَعْطُوفًا عَلَى أَبِي غَسَّانَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ : ( قَالُوا : حَدَّثَنَا مُعَاذٌ ) يَعْنِي ( بِقَالُوا ) مُحَمَّدَ بْنَ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ وَأَبَا غَسَّانَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ : ( عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ ) ثُمَّ ذَكَرَ مُسْلِمٌ طَرِيقًا آخَرَ عَنْ وَكِيعٍ وَأَبِي أُسَامَةَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ قَالَ : غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ قَالَ : ( أُعْطِيَ ) ، وَحَدِيثُ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، هَذَا مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ رِوَايَاتِهِمُ اخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ لَفْظِ أَنَسٍ ; فَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ " ، وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أُعْطِيَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَةً " . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :331 ... بـ :200]
حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَانَا وَاللَّفْظُ لِأَبِي غَسَّانَ قَالُوا حَدَّثَنَا مُعَاذٌ يَعْنُونَ ابْنَ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لِأُمَّتِهِ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي خَلَفٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ح وَحَدَّثَنِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ جَمِيعًا عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ قَالَ قَالَ أُعْطِيَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ

قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ فِي يُونُسَ سِتُّ لُغَاتٍ : ضَمُّ النُّونِ وَفَتْحُهَا وَكَسْرُهَا مَعَ الْهَمْزِ فِيهِنَّ وَتَرْكِهِ ، وَأَمَّا ( الصَّدَفِيُّ ) فَبِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْفَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الصَّدِفِ - بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ - قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ ، قَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ : دَعَوْتُهُمْ فِي الصَّدِفِ وَلَيْسَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَا مِنْ مَوَالِيهِمْ ، تُوُفِّيَ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى هَذَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ ، فَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ رِوَايَةٌ لِمُسْلِمٍ عَنْ شَيْخٍ عَاشَ بَعْدَهُ فَإِنَّ مُسْلِمًا تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ . وَأَمَّا ( بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ ) فَبِفَتْحِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ الْآيَةَ . وَقَالَ عِيسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ( وَقَالَ عِيسَى ) : قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : قَالَ بَعْضُهُمْ : قَوْلُهُ ( قَالَ ) هُوَ اسْمٌ لِلْقَوْلِ لَا فِعْلٌ يُقَالُ قَالَ قَوْلًا وَقَالًا وَقِيلًا كَأَنَّهُ قَالَ : وَتَلَا قَوْلَ عِيسَى . هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ .

قَوْلُهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ( رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ - وَرَبُّكَ أَعْلَمُ - فَاسْأَلْهُ مَا يُبْكِيكَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَأَلَهُ فَأَخْبِرْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ ) هَذَا الْحَدِيثُ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْفَوَائِدِ مِنْهَا : بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُمَّتِهِ وَاعْتِنَائِهِ بِمَصَالِحِهِمْ ، وَاهْتِمَامِهِ بِأَمْرِهِمْ ، وَمِنْهَا : اسْتِحْبَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ ، وَمِنْهَا : الْبِشَارَةُ الْعَظِيمَةُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ - زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا - بِمَا وَعَدَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ وَهَذَا مِنْ أَرْجَى الْأَحَادِيثِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ أَرْجَاهَا ، وَمِنْهَا : بَيَانُ عِظَمِ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظِيمِ لُطْفِهِ سُبْحَانَهُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَالْحِكْمَةُ فِي إِرْسَالِ جِبْرِيلَ لِسُؤَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِظْهَارُ شَرَفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَنَّهُ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى فَيُسْتَرْضَى وَيُكْرَمُ بِمَا يُرْضِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى . وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلَا نَسُوءُكَ ) ، فَقَالَ صَاحِبُ ( التَّحْرِيرِ ) : هُوَ تَأْكِيدٌ لِلْمَعْنَى أَيْ : لَا نُحْزِنُكَ ; لِأَنَّ الْإِرْضَاءَ قَدْ يَحْصُلُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَيَدْخُلُ الْبَاقِي النَّارَ فَقَالَ تَعَالَى : نُرْضِيكَ وَلَا نُدْخِلُ عَلَيْكَ حُزْنًا بَلْ نُنَجِّي الْجَمِيعَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .