فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابٌ تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوُضُوءُ

باب تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ
[ سـ :401 ... بـ :250]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا خَلَفٌ يَعْنِي ابْنَ خَلِيفَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى تَبْلُغَ إِبْطَهُ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ فَقَالَ يَا بَنِي فَرُّوخَ أَنْتُمْ هَاهُنَا لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ هَاهُنَا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ

بَابُ فَضْلِ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ

فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتُ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : ( مَحْوُ الْخَطَايَا ) كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِهَا ، قَالَ : وَيَحْتَمِلُ مَحَوَهَا مِنْ كِتَابِ الْحَفَظَةِ وَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى غُفْرَانِهَا ، ( وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ ) إِعْلَاءُ الْمَنَازِلِ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ تَمَامُهُ ، وَالْمَكَارِهُ تَكُونُ بِشِدَّةِ الْبَرْدِ وَأَلَمِ الْجِسْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا تَكُونُ بِبُعْدِ الدَّارِ وَكَثْرَةِ التَّكْرَارِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ : هَذَا فِي الْمُشْتَرِكَتَيْنِ مِنَ الصَّلَوَاتِ فِي الْوَقْتِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ . وَقَوْلُهُ : ( فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ) أَيِ الرِّبَاطُ الْمُرَغَّبُ فِيهِ ، وَأَصْلُ الرِّبَاطِ الْحَبْسُ عَلَى الشَّيْءِ كَأَنَّهُ حَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَةِ . قِيلَ : وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَفْضَلُ الرِّبَاطِ كَمَا قِيلَ الْجِهَادُ جِهَادُ النَّفْسِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ الرِّبَاطُ الْمُتَيَسِّرُ الْمُمْكِنُ أَيْ أَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَاطِ . هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَكُلُّهُ حَسَنٌ إِلَّا قَوْلَ الْبَاجِيِّ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ فِيهِ نَظَرًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ : ( وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ ثِنْتَيْنِ : فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ ثِنْتَيْنِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَنَصَبَهُ بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ أَيْ ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أَوْ كَرَّرَ ثِنْتَيْنِ ، ثُمَّ إِنَّهُ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تَكْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ ، وَفِي الْمُوَطَّأِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ( فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ) . وَأَمَّا حِكْمَةُ تَكْرَارِهِ فَقِيلَ : لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَتَعْظِيمِ شَأْنِهِ وَقِيلَ : كَرَّرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْرَارِ الْكَلَامِ لِيُفْهَمْ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .