فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب رفع الصوت بالنداء

باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالنِّدَاءِ
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا، وَإِلاَّ فَاعْتَزِلْنَا.

( باب) ثواب ( رفع الصوت بالنداء) أي الأذان ( وقال عمر بن عبد العزيز:) فيما وصله ابن أبي شيبة بلفظ أن مؤذنًا أذن فطرّب في أذانه فقال له عمر بن عبد العزيز: ( أذن) بلفظ الأمر ( أذانًا سمحًا،) بسكون الميم بغير نغمات ولا تطريب ( وإلاّ فاعتزلنا) أي اترك منصب الأذان فإن قلت النهي وقع عن التطريب فما المطابقة بينه وبين الترجمة أجيب بأن المؤلّف أراد أنه ليس كل رفع محمودًا إلا رفعًا بهذه المثابة غير مطرّب أو غير عالٍ فظيع.


[ قــ :593 ... غــ : 609 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ: «إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ -أَوْ بَادِيَتِكَ- فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَىْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[الحديث 609 - طرفاه في: 3296، 7548] .

وبالسند قال ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال ( أخبرنا مالك) هو ابن أنس ( عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) بمهملات مفتوحات إلاّ العين الأولى فساكنة عمرو بن زيد ( الأنصاري ثم المازني) بالزاي والنون ( عن أبيه) عبد الله ( أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري) بالدال المهملة ( قال له) أي لعبد الله بن عبد الرحمن ( إني أراك تحب الغنم و) تحب ( البادية)
الصحراء التي لا عمارة فيها لأجل إصلاح الغنم بالرعي وهو في الغالب يكون فيها ( فإذا كنت في) أي بين ( غنمك) في غير بادية أو فيها ( أو) في ( باديتك) من غير غنم أو معها أو هو شك من الراوي ولأبي ذر وباديتك بالواو من غير ألف ( فأذنت بالصلاة) أي أعلمت بوقتها وللأربعة للصلاة باللام بدل الموحدة أي لأجلها ( فارفع صوتك بالنداء،) أي الأذان ( فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن) أي غايته ( جن ولا وإنس ولا شيء) من حيوان أو جماد بأن يخلق الله تعالى له إدراكًا وهو من عطف العامّ على الخاصّ ولأبي داود والنسائي المؤذن يغفر له مدّ صوته ويشهد له كل رطب ويابس ولابن خزيمة لا يسمع صوته شجر ولا مدر ولا حجر ولا جنّ ولا إنس ( إلاّ شهد له) بلفظ الماضي وللكشميهني إلا يشهد له ( يوم القيامة.
)
وغاية الصوت بلا ريب أخفى أن ابتدائه فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه منتهى صوته فلأن يشهد له من دنا منه وسمع مبادي صوته أولى نبّه عليه القاضي البيضاوي.
والسر في هذه الشهادة { وكفى بالله شهيدًا} اشتهار المشهود له بالفضل وعلوّ الدرجة وكما أن الله تعالى يفضح بالشهادة قومًا يكرم بها آخرين ولأحمد من حديث أبي هريرة مرفوعًا المؤذن يغفر له مدى صوته ويصدقه كل رطب ويابس قال الخطابي مدى الشيء غايته أي أنه يستكمل المغفرة إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت أو لأنه كلام تمثيل وتشبيه يريد أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو قدّر أن يكون بين أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوب تملأ تلك المسافة غفرها الله تعالى له انتهى واستشهد المنذري للقول الأوّل برواية مدّ صوته بتشديد الدال أي بقدر مدّ صوته ( قال أبو سعيد:) الخدري ( سمعته) أي قوله أنه لا يسمع إلى آخره ( من رسول الله) وللأصيلي من النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
)
وحينئذ فذكر الغنم والبادية موقف وقال الجلال المحلي أي سمعت ما قلت لك بخطاب ليس كما فهمه الماوردي والإمام الغزالي وأورده باللفظ الدال على ذلك ليظهر الاستدلال به على أذان المنفرد ورفع صوته به.

ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون إلا شيخ المؤلّف وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع وأخرجه المؤلّف أيضًا في ذكر الجن والتوحيد والنسائي وابن ماجة في الصلاة.