فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الجهر بقراءة صلاة الفجر

باب الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلاَةِ الْفَجْرِ
.

     وَقَالَتْ  أُمُّ سَلَمَةَ: طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَيَقْرَأُ بِالطُّورِ.

( باب الجهر بقراءة صلاة الفجر) ولأبي ذر: صلاة الصبح.

( وقالت أم سلمة) مما وصله المؤلّف في الحج: ( طفت) بالكعبة ( وراء الناس، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) أي الصبح ( ويقرأ بالطور) وللأصيلي وابن عساكر: يقرأ، بغير واو.


[ قــ :752 ... غــ : 773 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "انْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ، فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ.
قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ شَىْءٌ حَدَثَ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ.
فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ.
فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا: { يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: { قُلْ أُوحِيَ إِلَىَّ} وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ".
[الحديث 773 - طرفه في: 4921] .

وبه قال ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد ( قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح ( عن أبي بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة، ولأبي ذر والأصيلي: هو جعفر بن أبي وحشية، كذا في الفرع، واسم أبي وحشية إياس ( عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس) وللأصيلي، عن عبد الله بن عباس ( رضي الله عنهما، قال: انطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل الهجرة بثلاث سنين ( في طائفة) ما فوق الواحد ( من أصحابه) حال كونهم ( عامدين) أي قاصدين ( إلى سوق عكاظ) بضم المهملة وتخفيف الكاف آخره

معجمة، بالصرف وعدمه كما في الفرع وأصله، قال السفاقسي: هو من إضافة الشيء إلى نفسه، لأن عكاظ اسم سوق للعرب بناحية مكة، قال في المصابيح: لعل العلم هو مجموع قولنا: سوق عكاظ، كما قالوا في شهر رمضان، وإن قالوا: عكاظ فعلى الحذف، كقولهم: رمضان ( وقد حيل) أي حجز ( بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب) بضم الهاء جمع شهب، وهو شعلة نار ساطعة ككوكب ينقض ( فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟، فقالوا) بالفاء، ولغير أبي ذر: قالوا: ( حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب قالوا) أي الشياطين: ( ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا) أي سيروا ( مشارق الأرض ومغاربها) أي فيهما، فالنصب على الظرفية ( فانظروا) وللأصيلي وابن عساكر: وانظروا ( ما هذا الذي) بإثبات اسم الإشارة، ولابن عساكر: ما الذي ( حال بينكم وبين خبر السماء) ولغير ابن عساكر: حيل، لكنه في اليونينية ضبب عليها وشطب ( فانصرف أولئك) الشياطين ( الذين توجهوا نحو تهامة) بكسر التاء، مكة.
وكانوا من جنّ نصيبين ( إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو بنخلة) بفتح النون وسكون الخاء المعجمة، غير منصرف للعلمية، والتأنيث موضع على ليلة من مكة، حال كونهم ( عامدين إلى سوق عكاظ، وهو) عليه الصلاة والسلام ( يصلّي صلاة الفجر) الصبح ( فلما سمعوا القرآن استمعوا له) أي قصدوه وأصغوا إليه، وهو ظاهر في الجهر المترجم له ( فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، وقالوا) بالواو، وفي رواية قالوا: وهو العامل في ظرف المكان ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: فقالوا: بالفاء، وحينئذٍ فالعامل في الظرف: رجعوا، مقدّرًا يفسره المذكور ( { يا قومنا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا} ) بديعًا مباينًا لسائر الكتب من حسن نظمه، وصحة معانيه، وهو مصدر وصف به للمبالغة ( { يهدي إلى الرشد} ) يدعو إلى الصواب ( { فآمنا به} ) أي بالقرآن ( { ولن نشرك بربنا أحدا} ) [الجن: 201] فأنزل الله تعالى على نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( { قل أوحي إليّ} ) زاد الأصيلي: { أنه استمع نفر من الجن} ( وإنما أوحي إليه قول الجن) .

وأراد بقول الجن الذي قصه ومفهومه: أنّ الحيلولة بين الشياطين وخبر السماء حدثت بعد نبوّة نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولذلك أنكرته الشياطين، وضربوا مشارق الأرض ومغاربها ليعرفوا خبره، ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب، حتى قطع بينهم وبين خبر السماء، فكان رميها من دلائل النبوّة.

لكن في مسلم ما يعارض ذلك، فمن ثمة وقع الاختلاف، فقيل: لم تزل الشهب منذ كانت الدنيا، وقيل: كانت قليلة فغلظ أمرها وكثرت بعد البعث.

وذكر المفسرون أن حراسة السماء والرمي بالشهب كان موجودًا، لكن عند حدوث أمر عظيم من عذاب ينزل بأهل الأرض، أو إرسال رسول إليهم، وقيل كانت الشهب مرئية معلومة، ولكن رمي الشياطين بها وإحراقهم لم يكن إلا بعد النبوّة.


ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وواسطي وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير، ومسلم في الصلاة، والترمذي والنسائي في التفسير، وهذا الحديث مرسل صحابي لأن ابن عباس لم يرفعه ولا هو مدرك للقصة.




[ قــ :753 ... غــ : 774 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا أُمِرَ، وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} .
{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .

وبه قال: ( حدّثنا مسدّد) بن مسرهد ( قال: حدّثنا إسماعيل) بن علية ( قال: حدّثنا أيوب) السختياني ( عن عكرمة) مولى ابن عباس ( عن ابن عباس) رضي الله عنهما ( قال: قرأ) أي: جهر ( النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما أُمِرَ) ، أي أسرَّ ( فيما أمر) بضم الهمزة فيهما، والآمر الله تعالى.
لا يقال معنى سكت: ترك القراءة، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يزال إمامًا، فلا بدّ من القراءة سرًّا أو جهرًا ( { وما كان ربك نسيًّا} ) حيث لم ينزل في بيان أفعال الصلاة قرآنًا يتلى، وإنما وكّل الأمر في ذلك إلى بيان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الذي شرع لنا الاقتداء به، وأوجب علينا اتباعه في أفعاله التي هي لبيان مجمل الكتاب ( { ولقد} ) ولغير أبوي الوقت وذر الأصيلي وابن عساكر: لقد ( { كان لكم في رسول الله أُسوة} ) بضم الهمزة وكسرها، أي: قدوة ( { حسنة} ) فتجهروا فيما جهر، وتسروا فيما أسر.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وهو من أفراده.
106 - باب الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ
وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِيمِ، وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ، وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ.
وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ: "قَرَأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُؤْمِنُونَ فِي الصُّبْحِ، حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ".

وَقَرَأَ عُمَرُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنَ الْبَقَرَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ الْمَثَانِي.

وَقَرَأَ الأَحْنَفُ بِالْكَهْفِ فِي الأُولَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِيُوسُفَ أَوْ يُونُسَ.
وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ -رضي الله عنه- الصُّبْحَ بِهِمَا.

وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنَ الأَنْفَالِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ -فِيمَنْ يَقْرَأُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ، أَوْ يُرَدِّدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ-: كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ.


( باب) حكم ( الجمع بين السورتين في الركعة) الواحدة من الصلاة، ولابن عساكر وأبي ذر: في ركعة ( و) حكم ( القراءة بالخواتيم) بالمثناة التحتية بعد الفوقية، ولأبي ذر والأصيلي: بالخواتم، أي أواخر السور، ( و) القراءة ( بسورة) .
بموحدة، أوّله، ولابن عساكر: وسورة ( قبل سورة) مخالفًا ترتيب المصحف العثماني ( و) القراءة ( بأوّل سورة) .

( ويذكر) بضم أوّله مبنيًّا للمفعول ( عن عبد الله بن السائب) بن أبي السائب، مما وصله مسلم من طريق ابن جريج: ( قرأ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- { المؤمنون} ) بالواو على الحكاية، ولأبي ذر: المؤمنين وللأصيلي { قد أفلح المؤمنون} ( في) صلاة ( الصبح) بمكة.
( حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون) أيّ قوله تعالى: { ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون} ( أو ذكر عيسى) أي { وجعلنا ابن مريم وأمه آية} ( أخذته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( سعلة) بفتح السين وقد تضم، ولابن ماجة: فلما بلغ ذكر عيسى وأمه أخذته سعلة، أو قال: شهقة وفي رواية: شرقة ( فركع) .

قيل فيه جواز قطع القراءة، وجواز القراءة ببعض السورة، وهو يردّ على مالك حيث كره ذلك.

وأجيب: بأن الذي كرهه مالك هو أن يقتصر على بعض السورة مختارًا، والمستدل به هنا ظاهر في أنه كان للضرورة، فلا يرد عليه.
نعم، الكراهية لا تثبت إلا بدليل، وأدلة الجواز كثيرة، منها حديث زيد بن ثابت: أنه في قرأ الأعراف في الركعتين، ولم يذكر ضرورة.

( وقرأ عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ( في الركعة الأولى) من الصبح ( بمائة وعشرين آية من البقرة، وفي) الركعة ( الثانية بسورة من المثاني) وهو ما يبلغ مائة آية، أو لم يبلغها، أو ما عدا السبع الطوال إلى المفصل، سمي مثاني لأنها ثنت السبع، أو لكونها قصرت عن المئين وزادت على المفصل، أو ولأن المئتين جعلت مبادي والتي تليها مثاني، ثم الفصل.

وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة لكن بلفظ: يقرأ في الصبح بمائة من البقرة، ويتبعها بسورة من المثاني.

( وقرأ الأحنف) بالمهملة، ابن قيس بن معد يكرب الكندي الصحابي، رضي الله عنه، في صلاة الصبح ( بالكهف في) الركعة ( الأولى، وفي الثانية بيوسف أو يونس) شك الراوي ( وذكر) الأحنف ( أنه صلّى مع عمر رضي الله عنه) أي وراءه ( الصبح) فقرأ ( بهما) أي بالكهف في الأولى، وبإحدى السورتين في الثانية.

وهذا مكروه عند الحنفية، لأن رعاية ترتيب المصحف العثماني مستحبة، وقيل مكروه في الفرائض دون النوافل.

وهذا التعليق وصله أبو نعيم في المستخرج، وقال في الثانية يونس ولم يشك.


( وقرأ ابن مسعود) عبد الله، فيما وصله عبد الرزاق ( بأربعين آية من الأنفال) في الركعة الأولى، ولفظ سعيد بن منصور، من وجه آخر: فافتتح الأنفال حتى بلغ { ونعم النصير} وهو رأس الأربعين آية، ( وفي) الركعة ( الثانية بسورة من المفصل) من سورة القتال، أو الفتح، أو الحجرات، أو ق، إلى آخر القرآن.

( وقال قتادة) مما وصله عبد الرزاق ( فيمن يقرأ سورة واحدة) ولأبي ذر: بسورة واحدة يفرّقها ( في ركعتين) وللأصيلي: في الركعتين، ( أو يردّد) أي يكرر ( سورة واحدة في ركعتين) بأن يقرأ في الثانية بعين السورة التي قرأها في الأولى، فالتكرير أخف من قسم السورة في ركعتين، قاله ابن المنير.

قال في فتح الباري: وسبب الكراهة فيما يظهر أن السورة يرتبط بعضها ببعض، فأي موضع قطع فيه لم يكن كانتهائه إلى آخر السورة، فإنه إن انقطع في وقف غير تام كانت الكراهة ظاهرة، وإن وقف في تام فلا يخفى أنه خلاف الأولى.
اهـ.

واستنبط جواز جميع ما ذكره في الترجمة من قول قتادة: ( كل) أي كل ذلك ( كتاب الله) عز وجل.
فعلى أي وجه يقرأ لا كراهة فيه.

ويؤيد الصورة الأولى من قول قتادة قراءته عليه الصلاة والسلام في المغرب: بآل عمران، فرّقها في ركعتين رواه النسائي.

والثاني حديث معاذ بن عبد الله الجهني: أن رجلاً من جهينة أخبره، أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقرأ في الصبح { إذا زلزلت} في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أنسي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أم قرأ ذلك
عمدًا.
ولم يذكر المؤلّف في الترجمة ترديد السورة.

774 م -.

     وَقَالَ  عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لاَ تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ.
وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ -فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا.
فَقَالَ: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» ".

( وقال عبيد الله) بضم العين مصغرًا، ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، مما وصله الترمذي والبزار عن المؤلّف، عن إسماعيل بن أبي أويس، عنه ( عن ثابت)
البناني ( عن أنس) ولأبي ذر والأصيلي كما في الفرع وأصله زيادة: ابن مالك: ( كان رجل من الأنصار) اسمه كلثوم بضم الكاف، ابن هدم، بكسر الهاء وسكون الدال، ( يؤمهم في مسجد قباء، وكان) بالواو، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: فكان ( كلما افتتح سورة) ولأبي ذر والأصيلي: بسورة، بموحدة في الأوّل ( يقرأ بها لهم في الصلاة، مما يقرأ به) بالضم مبنيًا للمفعول، أي: في الصلوات التي يقرأ فيها جهرًا، ولابن عساكر: مما يقرأ بها وجواب كلما قوله: ( افتتح) بعد الفاتحة ( بـ { قل هو الله أحد} حتى يفرغ منها) أي: إذا أراد الافتتاح وإلاّ فهو إذا افتتح سورة لا يكون مفتتحًا بغيرها، ( ثم يقرأ سورة) ولأبي ذر: بسورة ( أخرى معها) أي مع { قل هو الله أحد} ( وكان يصنع ذلك) الذي ذكر من الافتتاح بالإخلاص، ثم بسورة معها ( في كل ركعة، فكلمة أصحابه) لأن فعله ذلك بخلاف ما يعهدونه، ( فقالوا) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت: وقالوا: ( إنك تفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك) بضم أوّله مع الهمز، كما في الفرع وأصله، من الإجزاء.
ويروى: تجزيك بفتحة من جزى، أي لا ترى أنها تكفيك، ( حتى تقرأ بأخرى) ولأبي ذر والأصيلي: بالأخرى ( فإما أن تقرأ بها) ولغير أبي ذر: فإما تقرأ بها ( وإما أن تدعها) تتركها ( وتقرأ بأخرى) غير { قل هو الله أحد} ( فقال) الرجل ( ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم.
وكانوا يرون أنه)
وللأصيلي: يرونه ( من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره) لكونه من أفضلهم، أو لكونه عليه الصلاة والسلام هو الذي قرره ( فلما أتاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبروه) هذا ( الخبر) المذكور، فأل للعهد ( فقال) له عليه الصلاة والسلام: ( يا فلان! ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به) أي الذي يقوله لك ( أصحابك) من قراءة سورة الإخلاص فقط، أو غيرها فقط، وليس هذا أمرًا على الأصطلاح، لأن الأمر هو قول القائل لغيره، افعل كذا.
على سبيل الاستعلاء، فالعاري عنه يسمى التماسًا، وإنما جعله أمرًا هنا لأنه لازم التخيير المذكور، وكأنهم قالوا له: الفعل كذا أو كذا.
( وما يحملك) أي وما الباعث لك ( على لزوم) قراءة ( هذه السورة) { قل هو الله أحد} .

( في كل ركعة) سأله عن أمرين.

( فقال) الرجل مجيبًا عن الثاني منهما ( إني أحبها) أي أقرأها لمحبتي إياها إذ لا يصح أن يكون جوابًا عن الأول لأن محبتها لا تمنع أن يقرأ بها فقط وهم إنما خيّروه بينها فقط أو غيرها فقط لكنه مستلزم للأول بانضمام شيء آخر وهو إقامة السُّنّة المعهودة من الصلاة بقراءة سوة أخرى فالمانع مركب من المحبة وعهد الصلاة.

( فقال) له عليه الصلاة والسلام: ( حبك إياها) أي سورة الإخلاص، والحب مصدر مضاف لفاعله، وارتفاعه بالابتداء والخبر قوله ( أدخلك الجنة) لأنها صفة الرحمن تعالى، فحبها يدل على حسن اعتقاده في الدين، وعبر بالماضي، وإن كان دخول الجنة مستقبلاً، لتحقّق الوقوع.

وفيه جواز الجمع بين السورتين في ركعة واحدة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وروي عن عثمان وابن عمر وحذيفة وغيرهم.