فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: في كم يقصر الصلاة

باب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ؟
وَسَمَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَهْيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا.

هذا ( باب) بالتنوين ( في كم يقصر) المصلي ( الصلاة؟) بفتح المثناة التحتية وسكون القاف وضم الصاد، ولأبوي ذر، والوقت: تقصر الصلاة، بضم المثناة الفوقية وفتح القاف والصاد المشددة، وللأصيلي: تقصر الصلاة، بضم الفوقية وسكون القاف وفتح الصاد مخففة، مبنيًّا للمفعول فيهما.

والصلاة رفع نائب عنه فيهما أيضًا.

( وسمى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث هذا الباب ( يومًا وليلة سفرًا) وللأربعة، وعزاها في الفتح لأبي ذر فقط: السفر يومًا وليلة، أي: وسمى مدة اليوم والليلة سفرًا.

( وكان ابن عمر) بن الخطاب ( وابن عباس رضي الله عنهم) ، مما وصله البيهقي بسند صحيح، ( يقصران) بضم الصاد ( ويفطران) بضم أوله وكسر الطاء ( في أربعة برد) بضم الموحدة والراء وقد تسكن ذهابًا غير الإياب، ومثله إنما يفعل عن توقيف.

فلو قصد مكانًا على مرحلة بنية أن لا يقيم فيه، فلا قصر له ذهابًا ولا إيابًا، وإن نالته مشقة مرحلتين متواليتين، لما روى الشافعي بسند صحيح عن ابن عباس، أنه سئل: أتقصر الصلاة إلى عرفة؟ فقال: لا ولكن إلى عسفان، وإلى جدة، وإلى الطائف.
فقدرها بالذهاب وحده.

وقد روي عنه مرفوعًا بلفظ: "يا أهل مكة! لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد، من مكة إلى عسفان".
رواه الدارقطني، وابن أبي شيبة.
لكن في إسناده ضعف من أجل عبد الوهاب بن مجاهد.

قال البخاري: ( وهي) أي الأربعة برد ( ستة عشر فرسخًا) يقينًا أو ظنًا، ولو باجتهاد، إذ كل بريد أربعة فراسخ، وكل فرسخ ثلاثة أميال، فهي: ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية، نسبة لبني هاشم، لتقديرهم لها وقت خلافتهم بعد تقدير بني أمية لا هاشم نفسه، كما وقع للرافعي.

والميل من الأرض منتهى مد البصر، لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري.

وقيل: أن ينظر إلى شخص في أرض مصطحبة، فلا يدري أهو رجل أو امرأة، أو هو ذاهب أو آت، وهو أربعة آلاف خطوة، والخطوة: ثلاثة أقدام، فهو اثنا عشر ألف قدم، وبالذراع ستة آلاف، والذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضات، والإصبع: ست شعيرات معتدلات معترضات، والشعيرة: ست شعرات من شعر البرذون.


وقد حرر بعضهم الذراع المذكور بذراع الحديد المستعمل الآن بمصر والحجاز، في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا، فالميل، بذراع الحديد على القول المشهور: خمسة آلاف ذراع ومايتان وخمسون ذراعًا.
انتهى.

فمسافة القصر بالبرد أربعة، وبالفراسخ ستة عشر، وبالأميال ثمانية وأربعون ميلاً، وبالأقدام خمسمائة ألف وستة وسبعون ألفًا، وبالأذرع مائتا ألف وثمانية وثمانون ألفًا وبالأصابع ستة آلاف وتسعمائة ألف واثنا عشر ألفًا وبالشعيرات أْحد وأربعون ألف ألف حبة وأربعماية ألف واثنان وسبعون ألفًا، وبالشعرات مائتا ألف ألف وثمانية وأربعون ألف ألف وثمانمائة ألف واثنان وثلاثون ألفًا، وبالزمن من يوم وليلة مع المعتاد من النزول والاستراحة والأكل والصلاة ونحوها.

وعن ابن عباس قال تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة، رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وذلك: مرحلتان بسير الأثقال ودبيب الأقدام، وضبطها بذلك تحديد لثبوت تقديرها بالأميال عن الصحابة، كما مر.

ولأن القصر والجمع على خلاف الأصل، فيحتاط فيه بتحقيق تقدير المسافة، بخلاف تقدير القلتين ونحوهما، والبر كالبحر، فلو قطع المسافة فيه في ساعة قصر انتهى.

ولأبي ذر عن الحموي والمستملي، وهو ستة عشر بالتذكير، بدل: وهي، وسقط ذلك كله إلى قوله فرسخًا لابن عساكر.


[ قــ :1050 ... غــ : 1086 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ:.

قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ».
[الحديث 1086 - طرفه في: 1087] .

وبالسند قال: ( حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) المعروف بابن راهويه ( الحنظلي) بفتح الحاء المهملة والظاء المعجمة، أو: هو ابن نصر السعدي، أو: ابن منصور الكوسج، والأول هو الراجح.

وسقط: إبراهيم الحنظلي لأبي ذر، والأصيلي ( قال: قلت لأبي أسامة) حماد بن أسامة الليثي ( حدثكم عبيد الله) بن عمر بن عاصم العمري، واستدلّ به على أنه: إذا قيل للشيخ حدثكم فلان بكذا مع القرينة صح التحمل، لكن في مسند إسحاق، في آخره، فأقر به أبو أسامة وقال: نعم، ( عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لا تسافر المرأة) بكسر الراء لالتقاء الساكنين، سفرًا مباحًا أو لحج فرض ( ثلاثة أيام) بلياليها، ولمسلم: ثلاث ليال، أي: بأيامها، وللكشميهني: فوق ثلاثة أيام، وللأصيلي: لا تسافر المرأة ثلاثًا ( إلا مع ذي محرم) بفتح الميم وسكون الحاء، الذي لا يحل له نكاحها.

وتمسك به الحنفية في أن سفر القصر ثلاثة أيام، لأن المرأة يجوز لها الخروج في أقل منها لقصر

المسافة، وخفة الأمر.
وإنما الرخصة في طويل فيه مشقة وتعب.

وأجيب: بأنه لو كانت العلة ذلك لجاز للمرأة السفر فيما دون ذلك بلا محرم، لكنه لم يجز والنهي للمرأة من السير وحدها متعلق بالزمان، فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلاً في يوم تام تعلق بها النهي، بخلاف المسافر، فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلاً في يومين لم يقصر، فافترقا.

ورواة هذا الحديث ما بين: مروزي وكوفي ومدني، وفيه: التحديث والنعنة، وأخرجه مسلم.




[ قــ :1051 ... غــ : 1087 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثًا إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ».

تَابَعَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد بن مغربل الأسدي البصري ( قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن عبيد الله) العمري ( عن نافع) ، ولأبي ذر، والأصيلي: أخبرني، بالإفراد نافع ( عن ابن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال) :
( لا تسافر المرأة) مجزوم بلا الناهية والكسرة لالتقاء الساكنين ( ثلاثًا إلا مع ذي محرم) جعلها كالأولى تابعة، وللأصيلي: إلا معها ذو محرم، فجعلها متبوعة.
ولا فرق بينهما في المعنى، ولأبي ذر: إلا ومعها ذو محرم، بالواو قبل معها.
وليس في اليونينية واو، ولمسلم، وأبي داود، من حديث أبي سعيد: "إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها".

( تابعه) أي تابع عبيد الله ( أحمد) بن محمد المروزي، أحد شيوخ المؤلّف، وليس أحمد بن حنبل حيث رواه ( عن ابن المبارك) عبد الله ( عن عبيد الله) العمري ( عن نافع عن ابن عمر، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .




[ قــ :105 ... غــ : 1088 ]
- حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ».
تَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلٌ وَمَالِكٌ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.

وبه قال: ( حدّثنا آدم) بن أبي إياس ( قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) هو: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب، واسم أبي ذئب: هشام العامري المدني ( قال: حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا ( سعيد) هو: ابن أبي سعيد ( المقبري) بضم الموحدة، نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاوزًا بها ( عن أبيه) أبي سعيد كيسان ( عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي) وللأصيلي: عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) خرج مخرج الغالب.

وليس المراد إخراج سوى المؤمنة، لأن الحكم يعم كل امرأة مسلمة أو كافرة، كتابية كانت أو حربية، أو هو وصف لتأكيد التحريم لأنه تعريض أنها إذا سافرت بغير محرم فإنها مخالفة شرط الإيمان بالله واليوم الآخر، لأن التعريض إلى وصفها بذلك إشارة إلى التزام الوقوف عند ما نهيت عنه، وأن الإيمان بالله واليوم الآخر يقضي لها بذلك.

( أن تسافر) أي: لا يحل لامرأة مسافرتها ( مسيرة يوم وليلة) حال كونها ( ليس معها حرمة) بضم الحاء وسكون الراء، أي: رجل ذو حرمة منها.
بنسب أو غير نسب.

ومسيرة: مصدر ميمي بمعنى: السير، كالمعيشة، بمعنى: العيش، وليست التاء فيه للمرة.

واستشكل قوله في رواية الكشميهني في الحديث الأول: فوق ثلاثة أيام، حيث دل على عدم جواز سفرها وحدها فوق ثلاثة.
والحديث الثاني: على عدم جواز ثلاثة، والثالث: على عدم جواز يومين، فمفهوم الأول ينافي الثاني، والثاني ينافي الثالث.

وأجيب: بأن مفهوم العدد لا اعتبار به، قاله الكرماني.
لكن قوله: والثالث، على عدم جواز يومين، فيه نظر، إلا أن يقدر في الحديث يوم بليلته، وليلة بيومها.

قال: واختلاف الأحاديث لاختلاف جواب السائلين.

( تابعه) أي: ابن أبي ذئب في لفظ متن روايته السابقة ( يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة، مما وصله أحمد ( وسهيل) هو: ابن أبي صالح، مما وصله أبو داود، وابن حبان ( ومالك) الإمام، مما وصله مسلم وغيره، ( عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه) .

قال ابن حجر: واختلف على سهيل، وعلى مالك، وكأن الرواية التي جزم بها المصنف أرجح عنده عنهم.

ورجح الدارقطني أنه: عن سعيد عن أبي هريرة ليس فيه عن أبيه، كما رواه معظم رواة الموطأ، لكن الزيادة من الثقة مقبولة، ولا سيما إذا كان حافظًا.

وقد وافق ابن أبي ذئب على قوله: عن أبيه الليث بن سعد، عند أبي داود، والليث وابن أبي ذئب من أثبت الناس في سعيد.

وأما رواية سهيل، فذكر ابن عبد البر: أنه اضطرب في إسنادها ومتنها.