فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صلاة النوافل جماعة

باب صَلاَةِ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَهُ أَنَسٌ وَعَائِشَةُ -رضي الله عنهما-
( باب صلاة النوافل جماعة، ذكره) أي حكم صلاتها جماعة ( أنس) أي: ابن مالك، مما وصله المؤلّف في باب: الصلاة على الحصير ( وعائشة، رضي الله عنها) ، مما وصله أيضًا في باب: الصدقة في الكسوف، من بابه كلاهما ( عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .



[ قــ :1145 ... غــ : 1185 ]
- حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ "أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِهِ مِنْ بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ".

وبه قال: ( حدّثني) بالإفراد، ولأبى ذر، والأصيلي: حدّثنا ( إسحاق) هو: ابن راهويه.
أو: ابن منصور.

والأول روى الحديث في مسنده، بهذا الإسناد إلا أن في لفظه اختلافًا يسيرًا، ويستأنس للقول بأنه الأول بقوله: ( أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، لأن ابن راهويه لا يعبر عن شيوخه إلا بذلك.
لكن في رواية كريمة، وأبي الوقت، وغيرهما حدّثنا يعقوب، قال: ( حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد، بسكون العين ( عن ابن شهاب) الزهري ( قال: أخبرني) بالإفراد ( محمود بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة، ابن سراقة ( الأنصاري) .

( أنه عقل) بفتحات.
أي عرف ( رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعقل مجة مجها) أي: رمى بها حال كونها ( في وجهه) يداعبه بها، استئلافًا لأبويه، وإكرامًا للربيع، ( من بئر كانت) أي: البئر، وللحموي والمستملي: كان، أي الدلو ( في دارهم) .




[ قــ :1145 ... غــ : 1186 ]
- فَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ سَمِعَ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنه-وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَقُولُ "كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بِبَنِي سَالِمٍ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَادٍ إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَلَىَّ اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ.
فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ الْوَادِيَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَلَىَّ اجْتِيَازُهُ، فَوَدِدْتُ أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي مِنْ بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَأَفْعَلُ.
فَغَدَا عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَبَّرَ، وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ.
فَحَبَسْتُهُ عَلَى خَزِيرٍ يُصْنَعُ لَهُ، فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي فَثَابَ رِجَالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ؟ لاَ أَرَاهُ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: ذَاكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَقُلْ ذَاكَ، أَلاَ تَرَاهُ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ لاَ نَرَى وُدَّهُ وَلاَ حَدِيثَهُ إِلاَّ إِلَى الْمُنَافِقِينَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ".
قَالَ مَحْمُودٌ: فَحَدَّثْتُهَا قَوْمًا فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَتِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا وَيَزِيدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ بِأَرْضِ الرُّومِ- فَأَنْكَرَهَا عَلَىَّ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ مَا قُلْتَ قَطُّ.
فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَىَّ، فَجَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَىَّ إِنْ سَلَّمَنِي حَتَّى أَقْفُلَ مِنْ غَزْوَتِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهَا عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- إِنْ وَجَدْتُهُ حَيًّا فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ، فَقَفَلْتُ فَأَهْلَلْتُ بِحَجَّةٍ -أَوْ بِعُمْرَةٍ- ثُمَّ سِرْتُ حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ بَنِي سَالِمٍ، فَإِذَا عِتْبَانُ شَيْخٌ أَعْمَى يُصَلِّي لِقَوْمِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ مِنَ الصَّلاَةِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ مَنْ أَنَا، ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ".

( فزعم) أي أخبر ( محمود) المذكور فهو من إطلاق الزعم على القول ( أنه سمع عتبان بن مالك) بكسر العين ( الأنصاري، رضي الله عنه، وكان ممن شهد بدرًا) أي: وقعة بدر ( مع رسول الله) ولأبي ذر: والأصيلي: مع النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول) :
( كنت) وللكشميهني: يقول إني كنت ( أصلي لقومي ببني سالم) بموحدتين، وللهروي: بني سالم بإسقاط الأولى منهما ( وكان يحول بيني وبينهم وادٍ إذا جاءت الأمطار فيشق) بمثناة تحتية بعد الفاء، وللكشميهني: فشق، بصيغة الماضي، وفي رواية يشق بإثبات المثناة، وحذف الفاء ( عليّ اجتيازه) بجيم ساكنة ومثناة وزاي ( قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة ( مسجدهم: فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقلت له) :
( إني) وللأصيلي: فقلت إني ( أنكرت بصري) يريد به العمى، أو ضعف الإبصار ( وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار، فيشق عليّ اجتيازه، فوددت أنك تأتي فتصلي من بيتي مكانًا) بالنصب على الظرفية، وإن كان محدودًا لتوغله في الإبهام، فأشبه خلف ونحوها، أو هو على نزع الخافض ( أتخذه مصلّى) برفع المعجمة، والجملة في محل نصب صفة لمكانًا أو مستأنفة لا محل لها، أو: هي مجزومة جوابًا للأمر، أي: إن تصل فيه أتخذه موضعًا للصلاة.

( فقال رسول الله) وللهروي، والأصيلي: فقال النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( سأفعل) زاد في الرواية الآتية، إن شاء الله تعالى.

قال عتبان: ( فغدا عليّ رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبو بكر رضي الله عنه، بعدما اشتد النهار) في الرواية السابقة: حين ارتفع النهار ( فاستأذن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأذنت له) فدخل ( فلم يجلس حتى قال) لي:
( أين تحب أن أصلي) بضم الهمزة وللحموي، والمستملي، أن نصلّى بنون الجمع ( من بيتك) .

قال عتبان:
( فأشرت له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( إلى المكان الذي أحب أن أصلي فيه) بهمزة مضمومة، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: يصلّي، بمثناة تحتية مضمومة مع كسر اللام، ( فقام رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكبر) وفي نسخة:

مكبرًا للصلاة ( وصففنا) بفاءين ( وراءه، فصلّى) بنا ( ركعتين، ثم سلم، وسلمنا) بالواو، ولأبي الوقت: فسلمنا ( حين سلم) عليه الصلاة والسلام ( فحبسته على خزير) بفتح الخاء وكسر الزاي المعجمتين: طعام ( يصنع) من لحم ودقيق ( له) عليه الصلاة والسلام ( فسمع أهل الدار) أي: أهل المحلة ( رسول الله) بالرفع، ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي: أن رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي، فثاب) بالمثلثة بعد الفاء وموحدة بعد الألف، أي: جاء ( رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت، فقال رجل منهم: ما فعل مالك) هو: ابن الدخشن ( لا أراه) بفتح الهمزة أي: لا أبصره ( فقال رجل) آخر ( منهم: ذاك) أي: مالك ( منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( لا تقل ذلك، ألا تراه) بفتح التاء ( قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله) أي ذاته؟
( فقال) بالإفراد، وللكشميهني فقالوا: ( الله ورسوله أعلم.
أما)
بفتح الهمزة وتشديد الميم، وللحموي، والمستملي: إنما ( نحن، فوالله لا) وفي نسخة: ما ( نرى وده، ولا حديثه إلا إلى المنافق، قال) بغير: فاء، وللهروي والأصيلي: فقال ( رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله) مع قول: محمد رسول الله، ( يبتغي بذلك وجه الله) أي: ذاته.

وهذه شهادة منه عليه الصلاة والسلام له بإيمانه، وبأنه تشهد مخلصًا نافيًا بها تهمة النفاق عنه.

( قال محمود) بالإسناد السابق، زاد الهروي، والأصيلي: ابن الربيع ( فحدّثتها قومًا) أي: رجالاً ( فيهم أبو أيوب) خالد بن زيد الأنصاري ( صاحب رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوته) سنة خمسين أو بعدها في خلافة معاوية، ودخلوا فيها إلى القسطنطينية وحاصرها، ( التي توفي فيها) وأوصي أن يدفن تحت أقدام الخيل، ويغيب قبره، فدفن إلى جدار القسطنطينية.
كما ذكره ابن سعد، وغيره ( ويزيد بن معاوية) بن أبي سفيان أمير ( عليهم) من قبل أبيه معاوية ( بأرض الروم) وهي ما وراء البحر، وبها مدينة القسطنطينية ( فأنكرها) أي الحكاية، أو القصة ( علي، أبو أيوب) الأنصاري ( قال) وللهروي، والأصيلي: وقال: ( والله ما أظن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال ما قلت قط) .

قيل: والباعث له على الإنكار استشكاله قوله: إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله، لأن ظاهره لا يدخل أحد من عصاة الموحدين النار، وهو مخالف لآيات كثيرة وأحاديث شهيرة.

وأجيب: بحمل التحريم على الخلود.

قال محمود ( فكبر) بضم الموحدة، أي عظم ( ذلك) الإنكار من أبي أيوب ( عليّ، فجعلت لله عليّ إن سلمني) ولأبوي: ذر، والوقت: فجعلت لله إن سلمني ( حتى أقفل) بضم الفاء، أي:

أرجع، وسقط لفظ: حتى لأبي ذر ( من غزوتي) وللمستملي: عن غزوتي ( أن أسال عنها عتبان بن مالك، رضي الله عنه، إن وجدته حيًّا في مسجد قومه) .

قال في الفتح: وكأن الحامل لمحمود على الرجوع إلى عتبان ليسمع الحديث منه ثانيًا، أن أبا أيوب لما أنكر عليه، اتهم نفسه بأن يكون ما ضبط القدر الذي أنكره عليه.

( فقفلت) أي: فرجعت ( فأهللت) أي: أحرمت ( بحجة -أو بعمرة) بالموحدة، وفي نسخة بإسقاطها ( ثم سرت حتى قدمت المدينة، فأتيت بني سالم، فإذا عتبان) بن مالك ( شيخ أعمى، يصلّي لقومه، فلما سلم من الصلاة) وللأصيلي: من صلاته ( سلمت عليه، وأخبرته من أنا، ثم سألته عن ذلك الحديث) الذي حدثت به، وأنكره أبو أيوب عليّ ( فحدثنيه) عتبان ( كما حدثنيه أول مرة) .

ومطابقة الحديث للترجمة من قوله: فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصففنا وراءه، ثم سلم وسلمنا حين سلم.