فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من يقدم في اللحد

باب مَنْ يُقَدَّمُ فِي اللَّحْدِ
وَسُمِّيَ اللَّحْدَ لأَنَّهُ فِي نَاحِيَةٍ وَكُلُّ جَائِرٍ مُلْحِدٌ.
{ مُلْتَحَدًا} : مَعْدِلاً.
وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِيمًا كَانَ ضَرِيحًا.

( باب من يقدم) من الموتى ( في اللحد) وهو بفتح اللام وضمها، يقال: لحدت الميت وألحدت له، وأصله: الميل لأحد الجانبين.

قال المؤلّف: ( وسمي: اللحد لأنه) شق بعمل ( في ناحية) من القبر مائلاً عن استوائه، بقدر ما يوضع فيه الميت في جهة القبلة ( وكل جائر ملحد) لأنه مال وعدل ومارى وجادل.

وسقط: وكل جائر ملحد، لأبي ذر، وقال المؤلّف أيضًا في قوله تعالى: { وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف: 27] أي: ( معدلاً) قاله أبو عبيدة في كتاب: المجاز، أي: ملتجأ تعدل إليه إن هممت به.

( ولو كان) القبر أو الشق ( مستقيمًا) غير مائل إلى ناحية ( كان) وللحموي والمستملي: لكان ( ضريحًا) بالضاد المعجمة، لأن الضريح شق في الأرض على الاستواء.



[ قــ :1295 ... غــ : 1347 ]
- حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ.

     وَقَالَ : أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ.
وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ".

وبالسند قال: ( حدّثنا ابن مقاتل) المروزي، ولأبي ذر: محمد بن مقاتل، قال: ( أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي، قال: ( أخبرنا ليث) بلام واحد، ولأبي ذر: الليث ( بن سعد) الإمام ( قال: حدّثني) بالإفراد ( ابن شهاب) الزهري ( عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن جابر بن عبد الله) الأنصاري ( رضي الله عنهما) .

( أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يجمع بين الرجلين من قتلى) غزوة ( أحد في ثوب واحد، ثم يقول: أيهم) أي: أي القتلى ( أكثر أخذًا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد) مما يلي القبلة، وحق لقارئ القرآن الذي خالط لحمه ودمه وأخذ بمجامعه، أن يقدم على غيره في حياته في الإمامة، وفي مماته في القبر.

وفيه: تقديم الأفضل، فيقدم الرجل ولو أميًّا، ثم الصبي، ثم الخنثى، ثم المرأة.
فإن اتحد النوع قدم بالأفضلية المعروفة في نظائره: كالأفقه والأقرأ، إلا الأب فيقدم على الابن وإن فضله الابن لحرمة الأبوة، وكذا الأم مع البنت.

( وقال) عليه الصلاة والسلام: ( أنا شهيد على هؤلاء) أي: حفيظ عليهم، أراقب أحوالهم، وشفيع لهم ( وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل) عليه الصلاة والسلام ( عليهم ولم يغسلهم) بضم أوله وفتح ثانيه، والحكمة في ذلك إبقاء أثر الشهادة عليهم.
ولأبي ذر، ولم يغسلهم، بفتح أوله وسكون ثانيه.




[ قــ :195 ... غــ : 1348 ]
- قال ابنُ المبارَكِ: وَأَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لِقَتْلَى أُحُدٍ: أَيُّ هَؤُلاَءِ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ صَاحِبِهِ -وَقَالَ جَابِرٌ- فَكُفِّنَ أَبِي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ وَاحِدَةٍ".

وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا مَنْ سَمِعَ جَابِرًا - رضي الله عنه.

( قال) عبد الله ( بن المبارك) ولأبي ذر: وأخبرنا ابن المبارك، وهو بالإسناد الأول: محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا الأوزاعي عن الزهري.


( وأخبرنا الأوزاعي) عبد الرحمن ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنهما، قال) :
( كان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول لقتلى أحد: أي هؤلاء) القتلى ( أكثر أخذًا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى رجل قدمه في اللحد قبل صاحبه) .
وهذا منقطع لأن ابن شهاب لم يسمع من جابر ( -وقال جابر-) المذكور: ( فكفن أبي) عبد الله بن عمرو بن حرام ( وعمي) عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام، وسماه: عمّا تعظيمًا له، وليس هو عمه، بل ابن عمه وزوج أخته، هند بنت عمرو ( في نمرة واحدة) بفتح النون وكسر الميم، بردة من صوف أو غيره، مخططة.
وذكر الواقدي وابن سعد: أنهما كفنا في نمرتين، فإن صح حمل على أن النمرة الواحدة شقت بينهما نصفين.

وفي طبقات ابن سعد: أن ذلك كان بأمر رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولفظه، قالوا: وكان عبد الله بن عمرو بن حرام أول قتيل قتل من المسلمين يوم أحد، قتله سفيان بن عبد شمس.
وقال رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كفنوا عبد الله بن عمرو، وعمرو بن الجموح في نمرة واحدة.
لما كان بينهما من الصفاء.
وقال: ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد.

( وقال سليمان بن كثير) بالمثلثة العبدي، مما وصله الذهلي في الزهريات: ( حدّثني الزهري) قال: ( حدّثني) بالإفراد فيهما ( من سمع جابرًا رضي الله عنه) هو المسمى في رواية الليث، وهو: عبد الرحمن بن كعب بن مالك.

وبهذا التفسير يمكن نفي الاضطراب الذي أطلقه الدارقطني في هذا الحديث عنه، وأما رواية الأوزاعي المرسلة، فتصرف فيها بحذف الواسطة، وإنما أخرجها مع انقطاعها لأن الحديث عنده عن عبد الله بن المبارك، عن الليث، والأوزاعي جميعًا عن الزهري، فأسقط الأوزاعي عبد الرحمن بن كعب، وأثبته الليث.
وهما في الزهري سواء.
وقد صرحا جميعًا بسماعهما له منه، فقبل زيادة الليث لثقته، ثم قال بعد ذلك: ورواه سليمان بن كثير، عن الزهري، عمن سمع جابرًا.
وأراد بذلك إثبات الواسطة بين الزهري وجابر فيه في الجملة، وتأكيد رواية الليث بذلك، وقد رد هذا بأن الاختلاف على الثقات والإبهام مما يورث الاضطراب، ولا يندفع ذلك بما ذكر، والله أعلم.