فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: في الركاز الخمس

باب فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ إِدْرِيسَ: الرِّكَازُ دِفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ، فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمُسُ، وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكَازٍ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ.
وَأَخَذَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً.
.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ: مَا كَانَ مِنْ رِكَازٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ فَفِيهِ الْخُمُسُ، وَمَا

كَانَ مِنْ أَرْضِ السِّلْمِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ.
وَإِنْ وَجَدْتَ اللُّقَطَةَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَعَرِّفْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْعَدُوِّ فَفِيهَا الْخُمُسُ.
.

     وَقَالَ  بَعْضُ النَّاسِ الْمَعْدِنُ رِكَازٌ مِثْلُ دِفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ، لأَنَّهُ يُقَالُ: أَرْكَزَ الْمَعْدِنُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ شَىْءٌ.
قِيلَ لَهُ: قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ شَىْءٌ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ أَرْكَزْتَ.
ثُمَّ نَاقَضَ.

     وَقَالَ : لاَ بَأْسَ أَنْ يَكْتُمَهُ فَلاَ يُؤَدِّيَ الْخُمُسَ.

هذا ( باب) بالتنوين ( في الركاز الخمس) ، بالرفع مبتدأ مؤخر، والركاز: بكسر الراء وتخفيف الكاف آخره زاي هو من دفين الجاهلية كأنه ركز في الأرض ركزًا أي غرز وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه.
( وقال مالك) : هو ابن أنس إمام دار الهجرة مما رواه أبو عبيد في كتاب الأموال ( وابن إدريس) هو الشافعي الإمام الأعظم صاحب المذهب كما جزم به أبو زيد المروزي أحد الرواة عن الفربري، وتابعه البيهقي وجمهور الأئمة وعبارة البيهقي كما رأيته في كتابه معرفة السنن والآثار قد حكى محمد بن إسماعيل البخاري مذهب مالك والشافعي في الركاز والمعدن في كتاب الزكاة من الجامع، وقال مالك وابن إدريس يعني الشافعي، وقيل المراد بابن إدريس عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي: ( الركاز دفن الجاهلية) بكسر الدال وسكون الفاء أي الشيء المدفون كذبح بمعنى مذبوح وبالفتح المصدر ولا يراد هنا كذا قاله ابن حجر كالزركشي.
وتعقبه في المصابيح بأنه
يصح الفتح على أن يكون مصدرًا أريد به المفعول مثل الدرهم ضرب الأمير وهذا الثوب نسج اليمن ( في قليله وكثيره الخمس) بضمتين وقد تسكن الميم وهذا قوم أبي حنيفة ومالك وأحمد وبه قال إمامنا الشافعي في القديم، وشرط في الجديد النصاب فلا تجب الزكاة فيما دونه إلا إذا كان في ملكه من جنس النقد الموجود، ( وليس المعدن) بكسر الدال أي المكان من الأرض يخرج منه شيء من الجواهر والأجساد كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والكبريت وغير ذلك مأخوذ من عدن بالمكان إذا أقام به يعدن بالكسر عدونًا سمي بذلك لعدون ما أنبته الله فيه قاله الأزهري.
وقال في القاموس: والمعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه لإقامة أهله فيه دائمًا أو لإنبات الله عز وجل إياه فيه ( بركاز) : لأنه لا يدخل تحت اسم الركاز ولا له حكمه، ( وقد قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) كما وصله في آخر الباب من حديث أبي هريرة ( في المعدن جبار) بضم الجيم وتخفيف الموحدة آخره راء يعني إذا حفر معدنًا في ملكه أو في موات فوقع فيه شخص ومات أو استأجره لعمل في المعدن فهلك لا يضمنه بل دمه هدر، وليس المراد أنه لا زكاة فيه ( وفي الركاز) دفن الجاهلية ( الخمس) ، ففرق بينهما وجعل لكل منهما حكمًا ولو كانا بمعنى واحد بينهما فلما فرق بينهما دل على التغاير.
( وأخذ عمر بن عبد العزيز من المعادن) وهي المستخرجة من موضع خلقها ( من كل مائتين) من الدراهم ( خمسة) منها وهي ربع العشر، وفي قول الخمس كالركاز بجامع الخفاء في الأرض.
وهذا التعليق وصله أبو عبيد في كتاب الأموال.

( وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه ( مما كان من ركاز) دفن الجاهلية ( في أرض الحرب ففيه الخمس وما كان في أرض السلم) بكسر السين وسكون اللام أي الصلح، ولأبي
الوقت: وما كان من أرض السلم ( ففيه الزكاة) .
المعهودة وهي ربع العشر.
قال ابن المنذر: لا أعرف أحدًا فرق هذه التفرقة غير الحسن ( وإن وجدت اللقطة) بضم الواو مبنيًا للمفعول واللقطة بضم اللام المشددة وفتح القاف وسكونها وهذا من قول الحسن، ولأبي الوقت: وجدت لقطة ( في أرض العدوّ فعرّفها) لاحتمال أن تكون للمسلمين وفي الفرع كأصله وإن وجدت بفتح الواو مبنيًّا للفاعل اللقطة مفعول ( وإن كانت من العدوّ) أي من ماله فلا حاجة إلى تعريفها لأنها صارت ملكه ( ففيها الخمس.
وقال بعض الناس)
هو الإمام أبو حنيفة وهذا أوّل موضع ذكره فيه المؤلّف بهذه الصيغة، ويحتمل أن يكون أراد أبا حنيفة وغيره من الكوفيين ممن قال بذلك ( المعدن ركاز مثل دفن الجاهلية) ، بكسر الدال وفتحها على ما مر فيجب فيه أيضًا الخمس.
قال الزهري وأبو عبيد: الركاز المال المدفون والمعدن جميعًا ( لأنه يقال:) مما سمع من العرب ( أركز المعدن) بفتح الهمزة فعل ماض مبني للفاعل والضمير في لأنه للشأن واللام للتعليل ( إذا خرج منه شيء) بفتح الخاء المعجمة بغير همزة قبلها، ولأبي ذر: أخرج بهمزة مضمومة ( قيل له:) أي لبعض الناس ( قد يقال لمن وهب له شيء) بضم الواو وكسر الهاء مبنيًّا للمفعول شيء رفع نائب عن الفاعل ( أو ربح ربحًا كثيرًا أو كثر ثمره أركزت) .
بتاء الخطاب أي: فيلزم أن يقال لكل واحد من الموهوب والربح والثمر ركاز، ويقال لصاحبه أركزت ويجب فيه الخمس لكن الإجماع على خلافه وإنه ليس فيه الأربع العشر فالحكم مختلف وإن اتفقت التسمية، واعترضه بعضهم بأنه لم ينقل عن بعض الناس ولا عن العرب أنهم قالوا: أركز المعدن وإنما قالوا أركز الرجل فإذا لم يكن هذا صحيحًا فكيف يتوجه الإلزام بقول القائل قد يقال لمن وهب الخ.
ومعنى أركز الرجل صار له ركاز من قطع الذهب ولا يلزم منه أنه إذا وهب له شيء أن يقال له أركزت بالخطاب، وكذا إذا ربح ربحًا كثيرًا أو أكثر ثمره ولو علم المعترض أن معنى أفعل هنا ما هو لما اعترض ولا أفحش فيه، ومعنى أفعل هنا للصيرورة يعني لصيرورة الشيء منسوبًا إلى ما اشتق منه الفعل كأغدّ البعير أي صار ذا غدّة ومعنى أركز الرجل صار له ركاز من قطع الذهب كما مر ولا يقال إلا بهذا القيد لا مطلقًا ( ثم ناقض) أي بعض الناس لأنه قال المعدن ركاز ففيه الخمس ( وقال:) ثانيًا ( لا بأس أن يكتمه) عن الساعي ( فلا يؤدي الخمس) في الزكاة وهو عنده شامل للمعدن.
وقد اعترض ابن بطال المؤلّف في هذه المناقضة بأن الذي أجاز أبو حنيفة كتمانه إنما هو إذا كان محتاجًا إليه بمعنى أنه يتأول أن له حقًا في بيت المال ونصيبًا في الفيء فأجاز له أن يأخذ الخمس لنفسه عوضًا عن ذلك لا أنه أسقط الخمس عن المعدن بعدما أوجبه فيه.


[ قــ :1439 ... غــ : 1499 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ».
[الحديث 1499 - أطرافه في: 2355، 6912، 6913] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن ابن شهاب)

الزهري ( عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بفتح لام سلمة كلاهما ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( العجماء) بفتح العين المهملة وسكون الجيم والمد أي البهيمة لأنها لا تتكلم ( جبار) بضم الجيم وتخفيف الموحدة أي هدر غير مضمون، ولمسلم جرحها جبار ولا بد في رواية البخاري من تقدير إذ لا معنى لكون العجماء نفسها هدرًا، وقد دلت رواية مسلم على أن ذلك المقدر هو الجرح فوجب المصير له لكن الحكم غير مختص به بل هو مثال نبه به على غيره، ولو لم تكن رواية أخرى على تعيين ذلك المقدّر لم يكن لرواية البخاري عموم في جميع المقدرات التي يستقيم الكلام بتقدير واحد منها هذا هو الصحيح في الأصول أن المقتضي لا عموم له، والمراد أنها إذا انفلتت وصدمت إنسانًا فأتلفته أو أتلفت مالاً غرم على مالكها أما إذا كان معها فعليه ضمان ما أتلفته سواء أتلفته ليلاً أو نهارًا وسواء كان سائقها أو راكبها أو قائدها وسواء كان مالكها أو أجيره أو مستأجرًا أو مستعيرًا أو غاصبًا وسواء أتلفت بيدها أو رجلها أو عضها أو ذنبها.
وقال مالك: القائد والراكب والسائق كلهم ضامنون لما
أصابت الدابة إلا أن ترمح الدابة من غير أن يفعل بها شيء ترمح له.
وقال الحنفية: إن الراكب والقائد لا يضمنان ما نفحت الدابة برجلها أو ذنبها إلا إن أوقفها في الطريق واختلفوا في السائق فقال القدوري وآخرون: إنه ضامن لما أصابت بيدها ورجلها لأن النفحة بمرأى عينه فأمكنه الاحتراز عنها، وقال أكثرهم: لا يضمن النفحة أيضًا وإن كان يراها إذ ليس على رجلها ما يمنعها به فلا يمكنه التحرز عنه بخلاف الكدم لإمكان كبحها بلجامها، وصححه صاحب الهداية وكذا قال الحنابلة: إن الراكب لا يضمن ما تتلفه البهيمة برجلها ( والبئر) يحفرها الرجل في ملكه أو في موات فيسقط فيها رجل أو تنهار على من استأجره لحفرها فيهلك ( جبار) لا ضمان أما إذا حفرها في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه فتلف فيها إنسان وجب ضمانه على عاقلة حافرها والكفارة في مال الحافر، وإن تلف بها غير الآدمي وجب ضمانه في مال الحافر ( والمعدن) إذا حفره في ملكه أو في موات أيضًا لاستخراج ما فيه فوقع فيه إنسان أو انهار على حافره ( جبار) لا ضمان فيه أيضًا ( وفي الركاز) دفن الجاهلية ( الخمس) في عطف الركاز على المعدن دلالة على تغايرهما وأن الخمس في الركاز لا في المعدن، واتفق الأئمة الأربعة وجمهور العلماء على أنه سواء كان في دار الإسلام أو في دار الحرب خلافًا للحسن حيث فرق كما مر وشرطه النصاب والنقدان لا الحول، ومذهب أحمد أنه لا فرق بين النقدين فيه وغيرهما كالنحاس والحديد والجواهر لظاهر هذا الحديث وهو مذهب الحنفية أيضًا، لكنهم أوجبوا الخمس وجعلوه فيئًا والحنابلة أوجبوا ربع العشر وجعلوه زكاة، وعن مالك روايتان كالقولين وحكي كل منهما عن ابن القاسم.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في الحدود، والنسائي في الزكاة، وأورده البخاري في الأحكام.