فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب طواف النساء مع الرجال

باب طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ
( باب طواف النساء مع الرجال) .


[ قــ :1551 ... غــ : 1618 ]
- وَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ "أَخْبَرَنَا قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ -إِذْ مَنَعَ ابْنُ هِشَامٍ النِّسَاءَ الطَّوَافَ مَعَ الرِّجَالِ- قَالَ كَيْفَ يَمْنَعُهُنَّ وَقَدْ طَافَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الرِّجَالِ؟ قُلْتُ: أَبَعْدَ الْحِجَابِ أَوْ قَبْلُ؟ قَالَ: إِي لَعَمْرِي لَقَدْ أَدْرَكْتُهُ بَعْدَ الْحِجَابِ.
قُلْتُ: كَيْفَ يُخَالِطْنَ الرِّجَالَ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ، كَانَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لاَ تُخَالِطُهُمْ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: انْطَلِقِي نَسْتَلِمْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَتْ: انْطَلِقِي عَنْكِ، وَأَبَتْ.
يَخْرُجْنَ مُتَنَكِّرَاتٍ بِاللَّيْلِ فَيَطُفْنَ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَكِنَّهُنَّ كُنَّ إِذَا دَخَلْنَ الْبَيْتَ قُمْنَ حَتَّى يَدْخُلْنَ وَأُخْرِجَ الرِّجَالُ، وَكُنْتُ آتِي عَائِشَةَ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهِيَ مُجَاوِرَةٌ فِي جَوْفِ ثَبِيرٍ.
.

قُلْتُ وَمَا حِجَابُهَا؟ قَالَ: هِيَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ لَهَا غِشَاءٌ، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَرَأَيْتُ عَلَيْهَا دِرْعًا مُوَرَّدًا".

وبالسند إلى المؤلّف قال: ( وقال لي عمرو بن علي) بسكون الميم ابن بحر الباهلي البصري أي: من باب العرض والمذاكرة وسقط لفظ: "لي" لغير أبي ذر ( حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل البصري المتوفى سنة اثنتي عشرة ومائتين ( قال ابن جريج) بضم الجيم الأولى عبد الملك المتوفى سنة خمسين ومائة: ( أخبرنا) بالجمع ولأبي ذر بالإفراد أي: قال أبو عاصم أخبرنا ابن جريج قال: أي ابن جريج أخبرني بالإفراد ( عطاء) هو ابن أبي رباح المكي المتوفى سنة أربع عشرة ومائة ( إذ منع ابن هشام)

في محل نصب مفعول ثان لأخبرني أي قال ابن جريج: أخبرني عطاء بزمان منع ابن هشام إبراهيم في إمرته على الحج بالناس من قبل ابن أخته هشام بن عبد الملك، أو المراد أخوه محمد بن هشام وكان ابن أخته ولاه أمرة مكة فمنع ( النساء الطواف مع الرجال) في وقت واحد حال كونه أي عطاء ( قال) : فيه أي في زمان المنع ( كيف تمنعهن) بتاء الخطاب لابن هشام إبراهيم أو أخيه محمد، وفي بعض الأصول كيف يمنعهن بالغيبة أي كيف يمنعهن مانع ( وقد طاف نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع الرجال؟) في وقت واحد.

قال ابن جريج ( قلت:) لعطاء: كان طوافهن معهم ( بعد) نزول آية ( الحجاب) أي قوله تعالى: { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] وكان ذلك في تزويجه عليه الصلاة والسلام بزينب بنت جحش سنة خمس من الهجرة أو سنة ثلاث.
وفي رواية غير المستملي: بعد الحجاب أي بإسقاط همزة الاستفهام ( أو قبل؟ قال:) عطاء لابن جريج ( أي لعمري) بكسر الهمزة وسكون الياء حرف جواب بمعنى نعم، لكن يشترط فيه أن يكون بعد استفهام على رأي ابن الحاجب، وأن يكون سابقًا لقسم على رأي الجميع.
قال بعض المحققين: ولا يكون المقسم به بعدها إلا الرب أو لعمري، وعلى الجملة فقد توفرت الشروط هنا كما ترى، ولعمري بفتح اللام والعين لغة في العمر بضم العين يختص به القسم لإيثار الأخف لأنه كثير الدور على الألسنة أي وبقاء الله ( لقد أدركته) أي طوافهن معهم ( بعد الحجاب) .

قال ابن جريج: ( قلت:) لعطاء ( كيف يخالطن الرجال؟) نصب على المفعولية وفي بعض الأصول، وعزاه العيني كابن حجر للمستملي يخالطهن بالهاء بعد الطاء الرجال بالرفع على الفاعلية.
( قال: لم يكن يخالطن) ، وللمستملي أيضًا كالسابق: يخالطهن ( كانت عائشة -رضي الله عنها- تطوف حجرة) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم وبعد الراء هاء تأنيث نصب على الظرفية أي ناحية محجورة ( من الرجال) أي عنهم كقوله تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 22] أي عن ذكر الله قال الفراء والزجاج تقول: أتخمته من الطعام، وعنه ولأبي ذر عن الكشميهني: حجزة بفتح الحاء والزاي المعجمة أي في ناحية محجوزة عن الرجال بحيث يضرب بينهم وبينها حاجز يسترها عنهم ( لا تخالطهم، فقالت امرأة) : معها قيل كان اسمها دقرة بكسر الدال المهملة وسكون القاف كانت تطوف معها بالليل ( انطلقي نستلم) بالرفع والجزم ( يا أم المؤمنين، قالت:) عائشة -رضي الله عنها- ( عنك) ، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر قالت: انطلقي عنك أي عن جهة نفسك ولأجلك ( وأبت) أي منع عائشة الاستلام ( فكن يخرجن) حال كونهن ( متنكرات) في رواية عبد الرزاق مستترات ( بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت) الحرام ( قمن) فيه ( حتى يدخلن) وللمستملي والحموي: قمن حين يدخلن ( وأخرج الرجال) ، منه بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي: إذا أردن الدخول وقفن قائمات حتى يدخلن حال كون الرجال مخرجين منه.


قال عطاء ( وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير) بضم العين فيهما الليثي قاضي مكة ولد في الزمن النبوي ( وهي) أي عائشة ( مجاورة) أي مقيمة ( في جوف ثبير) ، بمثلثة مفتوحة فموحدة مكسورة منصرف جبل عظيم بالمزدلفة على يسار الذاهب منها إلى منى وعلى يمين الذاهب من منى إلى عرفات، وبمكة خمسة جبال أخرى يقال لها منها ثبير كما ذكره ياقوت والبكري.

قال ابن جريج، ( قلت) : لعطاء ( وما حجابها) ؟ يومئذ ( قال) عطاء: ( هي) أي عائشة ( في قبة تركية) أي خيمة صغيرة من لبود تضرب في الأرض ( لها) أي للقبة ( غشاء وما بيننا وبينها غير ذلك) ، أي كانت محجوبة عنا بهذه الخيمة ( ورأيت عليها) أي على عائشة وأنا صبي ( درعًا) بكسر الدال المهملة ( موردًا) أي قميصًا أحمر لونه لون الورد، ويحتمل أن يكون رأى ما عليها اتفاقًا لا قصدًا.




[ قــ :155 ... غــ : 1619 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-- قَالَتْ: "شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ، فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، وَهْوَ يَقْرَأُ { وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} ".

وبه قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ابن أخت الإمام مالك ( قال: حدّثنا) وفي رواية: حدثني ( مالك) هو ابن أنس الإمام ( عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) يتيم عروة ( عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة) ربيبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولدت بأرض الحبشة ( عن) أمها ( أم سلمة) هند ( -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قلت: شكوت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني أشتكي) أي مرضي وإني ضعيفة ( فقال:) عليه الصلاة والسلام:
( طوفي من وراء الناس) لأن ستة النساء التباعد عن الرجال في الطواف وبقربها يخاف تأذي الناس بدابتها وقطع صفوفهم في فوله ( وأنت راكبة) للحال كهي في قولها: ( فطفت ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ) أي حال كونه ( يصلّي الصبح إلى جنب البيت) الحرام لأنه أستر لها ( وهو) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام ( يقرأ) سورة { وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 1، ] وسبقت بقية مباحث الحديث في باب إدخال البعير في المسجد.