فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الفتيا على الدابة عند الجمرة

باب الْفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ
( باب الفتيا على الدابة عند الجمرة) الكبرى، وسبق في كتاب العلم باب الفتيا وهو واقف على الدابة أو على غيرها وبعدها بأبواب كثيرة باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار ولكن وجه يظهر بالتأمل.



[ قــ :1662 ... غــ : 1736 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ.
فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، قَالَ: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَىْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ".

وبالسند قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام الأعظم ( عن ابن شهاب) الزهري ( عن عيسى بن طلحة) القرشي التيمي التابعي ( عن عبد الله بن عمرو) هو ابن العاصي -رضي الله عنه- ( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقف) أي على ناقته كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الأخير من هذا الباب ( في حجة الوداع) زاد في كتاب العلم: بمنى للناس ( فجعلوا يسألونه فقال رجل) لم يسم ( لم أشعر) لم يفطن وهو أعم من الجهل والنسيان، ولم يفصح في رواية مالك بمتعلق الشعور وقد بينه يونس عند مسلم ولفظه لم أشعر أن النحر قبل الحلق ( فحلقت) شعر رأسي والفاء سببية جعل الحلق مسببًا عن عدم شعوره كأنه يعتذر لتقصيره ( قبل أن أذبح) هديي ( قال) : عليه الصلاة والسلام.

( اذبح) هديك ( ولا حرج) عليك ( فجاء) رجل ( آخر فقال) : يا رسول الله ( لم أشعر) أي أن الرمي قبل النحر ( فنحرت) هديي ( قبل أن أرمي) الجمرة ( قال) : عليه الصلاة والسلام ( ارم) الجمرة ( ولا حرج) عليك ( فما سئل) النبي ( يومئذ عن شيء) من الرمي والنحر والحلق والطواف ( قدم ولا أخر) بضم القاف والهمزة فيهما أي لا قدم فحذف لفظة لا والفصيح تكرارها في الماضي قال تعالى: { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} [الأحقاف: 9] ولمسلم ما سئل عن شيء قدم أو أخر ( إلا قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( افعل) ذلك التقديم والتأخير متى شئت ( ولا حرج) عليه مطلقًا لا في الترتيب ولا في ترك الفدية، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
وقال مالك وأبو حنيفة، الترتيب واجب يجبر بدم لما روي عن ابن عباس من قدم شيئًا في حجه أو أخره فليهرق دمًا وتأولا لا حرج لا إثم لأن الفعل صدر من غير قصد بل جهلاً أو نسيانًا كما يدل عليه قوله: لم أشعر، واحتج به من قال أن الرخصة تختص بالجاهل والناسي لا بمن تعمد.

وأجيب: بأن الترتيب لو كان واجبًا لما سقط بالسهو كالترتيب بين السعي والطواف فإنه لو سعى قبل أن يطوف وجب إعادة السعي، وقول ابن التين هذا الحديث لا يقتضي رفع الحرج في غير المسألتين المنصوص عليهما لأن قوله: ( لا حرج) وقع جوابًا للسؤال فلا يدخل فيه غيره وكأنه غفل عن قوله في بقية الحديث فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال ( افعل) أو حمل ما أبهم فيه على ما ذكر، ويرده قوله في رواية ابن جريج التالية وأشباه ذلك.
وليس في هذا الحديث ذكر الدابة المترجم بها بل قال الإسماعيلي: إنها لم تكن في شيء من الروايات عن مالك، لكن في رواية يحيى

القطان عنه أنه جلس في حجة الوداع فقام رجل قال الإسماعيلي: فإن ثبت في شيء من الطرق أنه كان على دابة فيحمل قوله جلس أي على دابته اهـ.

والدابة تطلق على المركوب من ناقة وفرس وغيرهما.

وفي هذا الحديث رواية التابعي عن التابعي عن الصحابيّ، ورواته كلهم مدنيون إلا شيخ المؤلّف.




[ قــ :1663 ... غــ : 1737 ]
- حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ "أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا، حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ".

وبه قال: ( حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيد) قال: ( حدّثنا أبي) هو يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاصي الأموي قال: ( حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز قال: ( حدثني) ولأبوي ذر والوقت أخبرني بالإفراد فيهما ( الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن عيسى بن طلحة) التابعي ( عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) ولأبي ذر: أن عبد الله بن عمرو بن العاصي ( -رضي الله عنه-) أنه ( حدثه) .

( أنه شهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي حضره حال كونه ( يخطب يوم النحر) بمنى على راحلته ( فقام إليه رجل) لم يعرف اسمه ( فقال) يا رسول الله ( كنت أحسب) أي أظن ( أن كذا قبل كذا) الكاف للتشبيه وذا للإشارة ( ثم قام) إليه رجل ( آخر فقال: كنت أحسب أن كذا قبل كذا حلقت قبل أن أنحر نحرت قبل أن أرمي) أي قال الأول كنت أظن أن الحلق قبل النحر فحلقت قبل أن أنحر وقال الآخر كنت أظن أن النحر قبل الرمي فنحرت قبل أن أرمي ( وأشباه ذلك) أي من الأشياء التي كان يحسبها على خلاف الأصل، وفي رواية محمد بن أبي حفصة عن الزهري عند مسلم حلقت قبل أن أرمي وقال آخر: أفضت إلى البيت قبل أن أرمي.

وحاصل ما في حديث عبد الله بن عمر السؤال عن أربعة أشياء: الحلق قبل الذبح والذبح قبل الرمي والحلق قبل الرمي والإفاضة قبل الرمي، وفي حديث عليّ السؤال عن الإفاضة قبل الحلق، وفي حديثه عند الطحاوي السؤال عن الرمي والإفاضة قبل الحلق، وفي حديث جابر المعلق عند المؤلّف فيما سبق السؤال عن الإفاضة قبل الذبح، وفي حديث أسامة بن شريك عند أبي داود السؤال عن السعي قبل الطواف وهو محمول على من سعى بعد طواف القدوم، ثم طاف طواف الإفاضة فإنه يصدق عليه أنه سعى قبل الطواف أي طواف الركن.


قال في الفتح: وقد بقيت عدّة صور لم يذكرها الرواة إما اختصارًا وإما لكونها لم تقع وبلغت بالتقسيم أربعًا وعشرين صورة منها صورة الترتيب المتفق عليها.

( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) : ( افعل) ما ذكر من التقديم والتأخير ( ولا حرج لهن) متعلق يقال أي قال لأجل هذه الأفعال ( كلهن) بجر اللام افعل أو لهن متعلق بمحذوف أي قال يوم النحر لهن أو متعلق بقوله: لا حرج أي لا حرج لأجلهن عليك قاله الكرماني.
قال في الفتح: ويحتمل أن تكون اللام بمعنى عن أبي قال عنهن كلهن إفعل ولا حرج، ( فما سئل يومئذ عن شيء) مما قدم أو أخر ( إلا قال) : ( افعل ولا حرج) وهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معًا، وقول الطحاوي: إنه يحتمل أن يكون قوله لا حرج أي لا إثم في ذلك الفعل وهو كذلك لمن كان ناسيًا أو جاهلاً وأما من تعمد المخالفة فتجب عليه الفدية فيه نظر لأن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ولو كان واجبًا لبينه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذٍ لأنه وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره، وقد أجمع العلماء على الإجزاء في التقديم والتأخير كما قاله ابن قدامة في المغني إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع كما تقدم تقريره.

وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة وشيخه بغدادي وأبوه كوفي ورواية التابعي عن الصحابي.




[ قــ :1663 ... غــ : 1738 ]
- حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ "وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى نَاقَتِهِ .. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ".
تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني ( إسحاق) غير منسوب، لكن قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح وقع في رواية الأصيلي ورواية أبي علي بن شبويه معًا حدّثنا إسحاق بن منصور يعني ابن بهرام الكوسج المروزي صاحب مسائل أحمد بن حنبل قال: ( أخبرنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد المتوفى فيما نقله المزي فى التهذيب عن البخاري بنيسابور يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء لعشر خلون من جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين ومائتين قال: ( حدّثنا أبي) إبراهيم ( عن صالح) هو ابن كيسان ( عن ابن شهاب) الزهري قال: ( حدثني) بالإفراد ( عيسى بن طلحة بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا التيمي المدني ( أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال) ( وقف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ناقته) زاد في الحديث الأول من هذا الباب حجة الوداع وفي الثاني يوم النحر وفي كتاب العلم عند الجمرة ( فذكر الحديث) نحو ما سبق.

( تابعه) أي تابع صالح بن كيسان ( معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين ساكنة ابن راشد في روايته ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب فيما وصله مسلم بلفظ: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ناقته بمنى، وقوله بمنى لا يضاد قوله عند الجمرة.


وفي هذا الحديث رواية ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض صالح والزهري وعيسى.