فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب الدعاء عند الجمرتين

باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ
( باب الدعاء عند الجمرتين) الدنيا والوسطى.


[ قــ :1676 ... غــ : 1753 ]
- وَقَالَ مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ.
ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو.
ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا".
قَالَ الزُّهْرِيُّ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ مِثْلَ هَذَا عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.

( وقال محمد) هو ابن بشار كما قاله ابن السكن أو ابن المثنى أو هو الذهلي ( حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين وفتح الميم ابن فارس العبدي البصري مما وصله الإسماعيلي عن ابن ناجية عن ابن المثنى وغيره عن عثمان بن عمر قال: ( أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي ( عن الزهر) محمد بن مسلم:
( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا رمى الجمرة) الأولى "التي تلي مسجد منى يرميها بسبع حصيات يكبر كلما رمى بحصاة" منها ( ثم تقدم) عليه الصلاة والسلام ( أمامها فوقف) حالة كونه ( مستقبل القبلة) حال كونه ( رافعًا يديه) حال كونه ( يدعو وكان) عليه الصلاة والسلام ( يطيل الوقوف) للدعاء زاد البيهقي وابن أبي شيبة بإسناد صحيح قدر سورة البقرة ( ثم يأتي الجمرة الثانية) وهي الوسطى ( فيرميها بسبع حصيات) حال كونه ( يكبر كلما رمى بحصاة) منها ( ثم ينحدر ذات اليسار) أي في الناحية التي هي ذات اليسار ( مما يلي الوادي فيقف) بالسهل من الأرض الذي لا ارتفاع فيه حال كونه ( مستقبل القبلة) حال كونه ( رافعًا يديه) حال كونه ( يدعو ثم يأتي الجمرة) الأخيرة ( التي عند العقبة فيرميها بسبع حصيات يكبر عند كل حصاة) منها ( ثم ينصرف) بعد أن يفرغ من رميها ( ولا يقف عندها) .

قال الزهري محمد بن مسلم بن شهاب بالإسناد السابق أول حديث هذا الباب ( سمعت سالم بن عبد الله يحدث مثل) ولأبوي ذر والوقت: بمثل ( هذا عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان) ولأبي الوقت قال: وكان ( ابن عمر يفعله) بإثبات ضمير المفعول المحذوف في سابقه وهذا من تقديم المتن على بعض السند فإنه ساق السند من أوله إلى أن قال عن الزهري أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم بعد أن ذكر المتن كله ساق تتمة السند فقال: قال الزهري الخ.
وقد صرح جماعة بجواز ذلك منهم الإمام أحمد ولا يمنع التقديم في ذلك الوصل بل يحكم باتصاله.
قال الحافظ ابن حجر: ولا خلاف بين أهل الحديث أن الإسناد بمثل هذا السياق موصول.
قال:

وأغرب الكرماني فقال هذا الحديث من مراسيل الزهري ولا يصير بما ذكره آخرًا مسندًا لأنه قال يحدّث بمثله لا بنفسه كذا قال، وليس مراد المحدّث بقوله في هذا بمثله إلا نفسه وهو كما لو ساق المتن بإسناد ثم عقبه بإسناد آخر ولم يعد المتن بل قال بمثله ولا نزاع بين أهل الحديث في الحكم بوصل مثل هذا وكذا عند أكثرهم لو قال بمعناه خلافًا لمن يمنع الرواية بالمعنى.

وقد أخرج الحديث المذكور الإسماعيلي عن ابن ناجية عن محمد بن المثنى وغيره عن عثمان بن عمر وقال في آخره قال الزهري: سمعت سالمًا يحدّث بهذا عن أبيه عن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعرف أن المراد بقوله مثله نفسه وإذا تكلم المرء في غير فإنه أتى بهذه العجائب اهـ.

وتعقبه العيني فقال: من أين هذا التصرف وكيف يصح احتجاجه في دعواه بحديث الإسماعيلي، فإن الزهري فيه صرح بالسماع عن سالم وسالم صرح بالتحديث عن أبيه، وأبوه صرح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكيف يدل هذا على أن المراد بقوله بمثله نفسه، وهذا شيء عجيب لأن بين قوله يحدث بهذا عن أبيه وبين قوله يحدث مثل هذا عن أبيه فرقًا عظيمًا لأن مثل الشيء غيره فكيف يكون نفسه تيقظ فإنه موضع التأمل اهـ.

واختلف في جواز تقديم بعض المتن على بعض السند وتقديم بعض المتن على بعضه، لكن منع البلقيني مجيء الخلاف في الأول وفرق بأن تقديم بعض المتن على بعض قد يؤدي إلى خلل في المقصود في العطف وعود الضمير ونحو ذلك بخلاف تقديم المتن على بعض السند، وسبقه إلى الإشارة إلى ذلك النووي فقال في إرشاده: والصحيح أو الصواب جواز هذا وليس كتقديم بعض المتن على بعض فإنه قد يتغير به المعنى بخلاف هذا.