فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب طواف الوداع

باب طَوَافِ الْوَدَاعِ
( باب) حكم ( طواف الوداع) ويسمى طواف الصدر بفتح الدال لأنه يصدر عن البيت أي يرجع إليه وليس هو من المناسك بل هو عبادة مستقلة لاتفاقهم على أن قاصد الإقامة بمكة لا يؤمر به ولو كان منها لأمر به، وهذا ما صححه النووي والرافعي ونقلاه عن صاحبي التتمة والتهذيب وغيرهما ونقلاً عن الإمام والغزالي أنه منها ويختص بمن يريد الخروج من ذوي النسك.

قال السبكي: وهذا هو الذي تظاهرت عليه نصوص الشافعي والأصحاب ولم أر من قال أنه ليس منها إلا المتولي فجعله تحية للبقعة مع أنه يمكن تأويل كلامه على أنه ليس ركنًا منها كما قال غيره أنه ليس بركن ولا شرط.
قال: وأما استدلال الرافعي والنووي بأنه لو كان منها لأمر به قاصد الإقامة بمكة فممنوع لأنه شرع للمفارقة ولم تحصل كما أن طواف القدوم لا يشرع للمحرم من مكة ويلزمهما القول بأنه لا يجبر بدم ولا قائل به، وذكر نحوه الأسنوي فمن أراد الخروج من مكة إلى مسافة القصر أو دونها وجب عليه طواف الوداع سواء كان مكيًا أو آفاقيًا تعظيمًا للحرم وهذا مذهب الشافعية والحنفية والحنابلة.
وقال المالكية: مندوب إليه ولا دم في تركه.


[ قــ :1678 ... غــ : 1755 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْحَائِضِ".


وبالسند قال: ( حدّثنا مسدد) قال ( حدّثنا سفيان) بن عيينة ( عن ابن طاوس) عبد الله ( عن أبيه) طاوس ( عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال) :
( أمر الناس) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول والناس رفع نائب الفاعل أي: أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس أمر وجوب أو ندب إذا أرادوا سفرًا ( أن يكون آخر عهدهم) طواف الوداع ( بالبيت) ، برفع آخر اسم كان والجار والمجرور ومتعلقه خبرها، ولأبي ذر آخر بالنصب خبرها، وقد روى هذا الحديث مسلم عن سفيان أيضًا عن سليمان الأحول عن طاوس فصرح فيه بالرفع ولفظه عن ابن عباس: كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت" أي الطواف به كما رواه أبو داود "إلا أنه خفف عن الحائض" فلم يجب عليها واستفيد الوجوب على غيرها من الأمر المؤكد والتعبير في حق الحائض بالتخفيف والتخفيف لا يكون إلا من أمر مؤكد.

قال في فتح القدير: لا يقال أمر ندب بقرينة المعنى وهو أن المقصود الوداع لأنا نقول ليس هذا يصلح صارفًا عن الوجوب لجواز أن يطلب حتمًا لما في عدمه من شائبة عدم التأسف على الفراق وعدم المبالاة به على أن معنى الوداع ليس مذكورًا في النصوص، بل أن يجعل آخر عهدهم بالطواف فيجوز أن يكون معلولاً بغيره مما لم نقف عليه ولو سلم فإنما تعتبر دلالة القرينة إذا لم يقم منها ما يقتضي خلاف مقتضاها وهنا كذلك فإن لفظ الترخيص يفيد أنه حتم في حق من لم يرخص له لأن معنى عدم الترخيص في الشيء هو تحتيم طلبه إذ الترخيص فيه هو إطلاق تركه فعدمه عدم إطلاق تركه ولا وداع على مريد الإقامة وإن أراد السفر بعده قاله الإمام ولا على مريد السفر قبل فراغ الأعمال ولا على مقيم بمكة الخارج للتنعيم ونحوه لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر عبد الرحمن أخا عائشة بأن يعمرها من التنعيم ولم يأمرها بوداع فلو نفر من منى ولم يطف للوداع جبر بدم لتركه نسكًا واجبًا ولو أراد الرجوع إلى بلده من منى لزمه طواف الوداع وإن كان قد طافه قبل عوده من مكة إلى منى كما صرح به في المجموع، فإن عاد بعد خروجه من مكة أو منى بلا وداع قبل مسافة القصر وطاف للوداع سقط عنه الدم لأنه في حكم المقيم لا إن عاد بعدها فلا يسقط لاستقراره بالسفر الطويل ولا يلزم الطواف حائضًا طهرت خارج مكة ولو في الحرم.

وهذا الحديث يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى وسبق في الطهارة، وأخرجه مسلم والنسائي في الحج.




[ قــ :1679 ... غــ : 1756 ]
- حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ".
تابعه الليث حدثني عن سعيد عن قتادة أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حدثه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[الحديث 1756 - طرفه في: 1764] .


وبه قال: ( حدّثنا أصبغ بن الفرج) بالغين المعجمة بعد الموحدة في الأول وآخر الآخر جيم قال: ( أخبرنا ابن وهب) عبد الله ( عن عمرو بن الحرث) بفتح العين وسكون الميم ( عن قتادة) بن دعامة ( أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حدثه) .

( أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء) بعد أن رمى الجمار ونفر من منى ( ثم رقد رقدة بالمحصب) متعلق بقوله صلّى، وقوله: ثم رقد عطف عليه ( ثم ركب إلى البيت فطاف به) طواف الوداع.

( تابعه) أي تابع عمرو بن الحرث في روايته لهذا الحديث عن قتادة ( الليث) بن سعد فيما ذكره البزار والطبراني من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث قال: ( حدثني) بالإفراد ( خالد) هو ابن يزيد السكسكي ( عن سعيد) هو ابن أبي هلال ( عن قتادة) بن دعامة ( أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
وقد ذكر البزار والطبراني أن خالد بن يزيد تفرد بهذا الحديث عن سعيد وأن الليث تفرد به عن خالد وأن سعيد بن أبي هلال لم يرو عن قتادة عن أنس غير هذا الحديث حكاه في فتح الباري.