فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التجارة أيام الموسم، والبيع في أسواق الجاهلية

باب التِّجَارَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ وَالْبَيْعِ فِي أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ
( باب) جواز ( التجارة أيام الموسم) بفتح الميم وسكون الواو وكسر السين المهملة.
قال في القاموس: موسم الحج مجتمعه ( و) جواز ( البيع في أسواق الجاهلية) وهي أربعة: عكاظ وذو الجاز ومجنة بفتح الميم والجيم والنون المشددة على أميال يسيرة من مكة بناحية مرّ الظهران، ويقال هي على بريد من مكة وهي لكنانة.
وحباشة بضم المهملة وتخفيف الموحدة وبعد الألف شين معجمة وكانت بأرض بارق من مكة إلى جهة اليمن على ست مراحل ولا ذكر للأخيرين في هذا الحديث.
نعم أخرج أحمد عن جابر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبث ثلاث عشرة سنة يتبع الناس في منازلهم في الموسم بمجنة وإنما لم يذكر سوق حباشة في الحديث لأنه لم يكن في مواسم الحج وإنما كان يقام في شهر رجب.


[ قــ :1690 ... غــ : 1770 ]
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ [البقرة: 198] : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ".
[الحديث 1770 - أطرافه في: 2050، 2098، 4519] .

وبالسند قال: ( حدّثنا عثمان بن الهيثم) بفتح الهاء وسكون التحتية وفتح المثلثة المؤذن البصري قال: ( أخبرنا ابن جريج) عبد الملك المكي ( قال عمرو بن دينار) : بفتح العين ( قال ابن عباس -رضي الله عنهما-) وفي رواية إسحاق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس عن ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار عن ابن عباس ( كان ذو المجاز) بفتح الميم والجيم المخففة وبعد الألف زاي وكانت بناحية عرفة إلى جانبها، وعند ابن الكلبي مما ذكره الأزرقي أنه كان لهذيل على فرسخ من عرفة.
وقول البرماوي كالكرماني موضع بمنى كان له سوق في الجاهلية رده الحافظ ابن حجر بما

رواه الطبري عن مجاهد أنهم كانوا لا يبيعون ولا يبتاعون بعرفة ولا منى، لكن روى الحاكم في مستدركه من حديث ابن عباس أن الناس في أول الحج كانوا يبتاعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج فخافوا البيع وهم حرم فأنزل الله تعالى: ( { فليس عليكم جناح} ) اهـ.

( وعكاظ) بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وبعد الألف ظاء معجمة كغراب.
قال الرشاطي: هي صحراء مستوية لا علم فيها ولا جبل إلا ما كان من الأنصاب التي كانت بها في الجاهلية، وعن ابن إسحاق أنها فيما بين نخلة والطائف إلى بلد يقال له الفتق بضم الفاء والفوقية بعدها قاف، وعن ابن الكلبي أنها كانت وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء وكانت لقيس وثقيف ( متجر الناس) بفتح الميم والجيم بينهما مثناة فوقية أي مكان تجارتهم ( في الجاهلية) وفي رواية ابن عيينة: أسواقًا في الجاهلية ( فلما جاء الإسلام كأنهم) أي المسلمين ( كرهوا ذلك) .

قال في المصابيح: فإن قلت: أتى جواب لما هنا جملة اسمية وإنما أجازوه إذا كانت مصدرة بإذا الفجائية، وزاد ابن مالك جواز وقوعها جوابًا إذا تصدرت بالفاء نحو: { فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد} [لقمان: 32] والفرض أن ليس هنا إذا ولا الفاء وأجاب بأن الجواب محذوف لدلالة الجملة الواقعة بعده عليه أي: فلما جاء الإسلام تركوا التجارة فيها كأنهم كرهوا ذلك اهـ.

وقال الزمخشري: وكان ناس من العرب يتأثمون أن يتجروا أيام الحج وإذا دخل العشر كفوا عن البيع والشراء فلم يقم لهم سوق ويسمون من يخرج بالتجارة الداج ويقولون هؤلاء الداج وليسوا بالحاج.

وفي رواية ابن عيينة كأنهم تأثموا أي خافوا الوقوع في الإثم للاشتغال في أيام النسك بغير العبادة ( حتى نزلت) آية ( { ليس عليكم جناح أن تبتغوا} ) في ( { أن تبتغوا} ) أي تطلبوا ( { فضلاً من ربكم} ) [البقرة: 198] عطاء ورزقًا منه يريد الربح بالتجارة زاد أبي في قراءته ( في مواسم الحج) الجار متعلق بجناح والمعنى أن الجناح منتف ويبعد تعلقه بليس لأنه لم يرد أن ينفي الجناح مطلقًا ويجعل انتفاء التجارة ظرفًا للنفي فيبعد لهذا أن يكون متعلقًا به، وقد كان أهل الجاهلية يصبحون بعكاظ يوم هلال ذي القعدة ثم يذهبون منه إلى مجنة بعد مضي عشرين يومًا من ذي القعدة فإذا رأوا هلال ذي الحجة ذهبوا من مجنة إلى ذي المجاز فلبثوا به ثمان ليال ثم يذهبون إلى عوفة ولم تزل هذه الأسواق قائمة في الإسلام إلى أن كان أوّل ما ترك منها سوق عكاظ في زمن الخوارج سنة تسع وعشرين ومائة لما خرج الحروري بمكة مع أبي حمزة المختار بن عوف خاف الناس أن ينتهبوا وخابوا الفتنة فتركت إلى الآن، ثم ترك مجنة وذو المجاز بعد ذلك واستغنوا بالأسواق بمكة ومنى وعوفة وآخر ما ترك سوق حباشة في زمن داود بن عيسى بن موسى العباسي في سنة سبع وتسعين ومائة.