فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

باب التَّمَتُّعِ على عهدِ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
( باب التمتع) زاد أبو ذر: على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي بعض النسخ باب بالتنوين لغير ترجمة.


[ قــ :1507 ... غــ : 1571 ]
- حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ عِمْرَانَ -رضي الله عنه- قَالَ "تَمَتَّعْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ".
[الحديث 1571 - طرفه في: 4518] .

وبالسند قال: ( حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: ( حدّثنا همام) هو ابن يحيى بن دينار ( عن قتادة) بن دعامة ( قال: حدثني) بالإفراد ( مطرف) بضم الميم فطاء مهملة مفتوحة فراء مشددة مكسورة، ففاء ابن الشخير ( عن عمران) بن حصين ( قال) :
( تمتعنا على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونزل القرآن) بجوازه قال تعالى: { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] .
وزاد مسلم: ( ولم ينزل قرآن) يحرمه ولم ينه عنها حتى مات.
أي: فلا نسخ.
وفي نسخة: وهي التي في الفرع فنزل بالفاء بدل الواو ( قال: رجل برأيه ما شاء) هو عمر بن

الخطاب لا عثمان بن عفان لأن عمر أول من نهى عنها فكان من بعده تابعًا له في ذلك، ففي مسلم أن ابن الزبير كان ينهى عنها وابن عباس يأمر بها فسألوا جابرًا فأشار إلى أن أول من نهى عنها عمر.

ورواة هذا الحديث كلهم بصريون وأخرجه مسلم في الحج أيضًا.


باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى [البقرة: 196] { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
(باب) تفسير (قول الله تعالى: { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] .


[ قــ :1507 ... غــ : 157 ]
- وَقَالَ أَبُو كَامِلٍ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَرٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ فَقَالَ "أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَهْلَلْنَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اجْعَلُوا إِهْلاَلَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلاَّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ،.

     وَقَالَ : مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.
ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا مِنَ الْمَنَاسِكِ جِئْنَا فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] إِلَى أَمْصَارِكُمْ.
الشَّاةُ تَجْزِي، فَجَمَعُوا نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسَنَّهُ نَبِيُّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرَ أَهْلِ مَكَّةَ.
قَالَ اللَّهُ: { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وَأَشْهُرُ الْحَجِّ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى: شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحَجَّةِ، فَمَنْ تَمَتَّعَ فِي هَذِهِ الأَشْهُرِ فَعَلَيْهِ دَمٌ أَوْ صَوْمٌ" وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ، وَالْفُسُوقُ الْمَعَاصِي، وَالْجِدَالُ الْمِرَاءُ.

(وقال أبو كامل فضيل بن حسين) بضم الفاء والحاء فيهما مصغرين (البصري) الجحدري المتوفى سنة سبع وثلاثين ومائتين مما وصله الإسماعيلي: (حدّثنا أبو معشر) بفتح الميم وسكون العين وفتح الشين المعجمة يوسف بن يزيد من الزيادة ولأبي ذر أبو معشر البراء بفتح الموحدة وتشديد الراء نسبة إلى بري السهام قال: (حدّثنا عثمان بن غياث) بغين معجمة مكسورة فمثناة تحتية فألف فمثلثة الباهلي (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أنه سئل عن متعة الحج فقال:) مجيبًا عن ذلك (أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع وأهللنا) قد مر أنهم كانوا ثلاث فرق: فرقة أحرموا بحج وعمرة أو بحج ومعهم هدي، وفرقة بعمرة ففرغوا منها

ثم أحرموا بحج، وفرقة بحج ولا هدي معهم، فأمرهم عليه الصلاة والسلام أن يجعلوه عمرة وإلى هذا الأخير أشار بقوله: (فلما قدمنا مكة) أي قربنا منها لأنه كان بسرف (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لمن كان أهل بالحج مفردًا:
(اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة) افسخوه إلى العمرة لبيان مخالفة ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، وهذا خاص بهم في تلك السنة كما في حديث بلال عند أبي داود وقد مرّ التنبيه على ذلك (إلا من قلد الهدي) (طفنا بالبيت) أي فلما قدمنا طفنا، وللأصيلي: فطفنا بفاء العطف (وبالصفا والمروة وأتينا النساء) أي واقعناهنّ والمراد غير المتكلم لأن ابن عباس كان إذ ذاك لم يدرك الحلم وإنما حكي ذلك عن الصحابة، (ولبسنا الثياب) المخيطة (و) قد (قال) عليه الصلاة والسلام: (من قلد الهدي فإنه لا يحل له) شيء من محظورات الإحرام (حتى يبلغ الهدي محله) بأن ينحره بمنى (ثم أمرنا) عليه الصلاة والسلام (عشية) يوم (التروية) بعد الظهر ثامن من ذي الحجة (أن نهل بالحج)، من مكة (فإذا فرغنا من المناسك) من الوقوف بعرفة والبيت بمزدلفة والرمي والحلق (جئنا فطفنا بالبيت) طواف الإفاضة (وبالصفا والمروة فقد تم حجنا) وللكشميهني: وقد بالواو بدل
الفاء ومن قوله فقد تم حجنا إلى آخر الحديث موقوف على ابن عباس ومن أوله إليه مرفوع (وعلينا الهدي) (كما قال الله تعالى: { فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] ، أي فعليه دم استيسره بسبب التمتع فهو دم جبران يذبحه إذا أحرم بالحج لأنه حينئذ يصير متمتعًا بالعمرة إلى الحج ولا يأكل منه وقال أبو حنيفة: أنه دم نسك فهو كالأضحية ({ فمن لم يجد} ) أي الهدي ({ فصيام ثلاثة أيام في الحج} ) في أيام الاشتغال به بعد الإحرام وقبل التحلل، ولا يجوز تقديمها على الإحرام بالحج لأنها عبادة بدنية فلا تقدم على وقتها، ويستحب قبل يوم عرفة لأنه يستحب للحاج فطره.
وقال أبو حنيفة: في أشهره بين الإحرامين والأحب أن يصوم سابع ذي الحجة وثامنه وتاسعه ولا يجوز يوم النحر وأيام التشريق عند الأكثر.
وقال المالكية: يصوم أيام التشريق أو ثلاثة بعدها لقوله تعالى: ({ فصيام ثلاثة أيام في الحج} ) أي في وقته وذو الحجة كله وقت عندهم.
ولنا: أنه نهى عن صوم
أيام التشريق ولأن ما بعدها ليس من وقت الحج عندنا ({ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} إلى أمصاركم) [البقرة: 196] وهذه تفسير من ابن عباس للرجوع، وإذا نفرتم وفرغتم من أعماله لأن قوله تعالى: ({ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} ) مسبوق بقوله تعالى: ({ ثلاثة أيام في الحج} ) فتنصرف إليه، وكأنه بالفراغ رجع عما كان مقبلاً عليه من الأعمال وهذا مذهب أبي حنيفة.
والقول الثاني للشافعي وإذا قلنا بالأول فلو توطن مكة بعد فراغه من الحج صام بها وإن لم يتوطنها لم يجز صومه بها ولا يجوز صومها بالطريق إذا توجه إلى وطنه لأنه تقديم للعبادة البدنية على وقتها وإن قلنا بالثاني فلو أخره حتى رجع إلى وطنه جاز بل هو أفضل خروجًا من الخلاف.

(الشاة تجزي) بفتح أوله من غير همز أي تكفي لدم التمتع والجملة حالية وقعت بدون واو نحو كلمته فوه إلى فيّ وهذا تفسير ابن عباس، وفي بعض الأصول تجزئ بضم أوله وهمز آخره (فجمعوا

نسكين في عام بين الحج والعمرة) ذكرهما للبيان وإلا فهما نفس النسكين على ما لا يخفى، والنسكين بضم السين كما في فروع ثلاثة لليونينية وغيرها تثنية نسك.
وضبطه الحافظ ابن حجر والعيني والدماميني بإسكان السين مستدلين بما نقلوه عن الجوهري أن النسك بإسكان السين العبادة وبالضم الذبيحة، والذي رأيته في الصحاح والنسك العبادة والناسك العابد، وقد نسك وتنسك أي تعبد ونسك بالضم نساكة أي صار ناسكًا، والنسيكة الذبيحة.
والجمع نسك ونسائك هذا لفظه.
وقال في القاموس: النسك مثلثة وبضمتين العبادة وكل حق لله عز وجل، والنسك بالضم وبضمتين وكسفينة الذبيحة أو النسك الدم والنسيكة الذبح، فليتأمل هذا مع ما سبق، (فإن الله تعالى أنزله) أي الجمع بين الحج والعمرة (في كتابه) العزيز حيث قال (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) [البقرة: 196] (وسنه) أي شرعه (نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حيث أمر به أصحابه (وأباحه) أي التمتع (للناس) بعد أن كانوا يعتقدون حرمته في أشهر الحج وأنه من أفجر الفجور (غير أهل مكة)، فلا دم عليهم، وغير بالنصب على الاستثناء والجر صفة للناس.
وقوله في الفتح: ويجوز كسره مخالف للاستعمال النحوي إذ هو للبناء والجر للإعراب.

(قال الله) عز وجل: ({ ذلك} ) إشارة إلى الحكم المذكور عندنا والتمتع عند أبي حنيفة إذ لا تمتع ولا قران لحاضري المسجد الحرام عنده تقليدًا لابن عباس -رضي الله عنهما-.
وأجاب الشافعية بأن قول الصحابي ليس حجة عند الشافعي إذ المجتهد لا يقلد مجتهدًا قاله الكرماني وغيره، وأما قول العيني أن هذا جواب واهٍ مع إساءة الأدب، فإن مثل ابن عباس كيف لا يحتج بقوله وأي مجتهد بعد الصحابة يلحق ابن عباس أو يقرب منه حتى لا يقلده فلا يخفى ما فيه فلا يحتاج إلى الاشتغال برده ({ لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام} ) [البقرة: 196] وهو من كان من الحرم على مسافة القصر عندنا كمن مساكنهم بها، واعتبرت المسافة من الحرم لأن كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام فهو الحرم إلا قوله تعالى: { فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144] فهو نفس الكعبة.
واعتبرها الرافعي في الحرر من مكة.
قال في المهمات: وبه الفتوى فقد نقله في التقريب عن نص الإملاء، وأن الشافعي أيّده أن اعتبارها من الحرم يؤدي إلى إدخال البعيد عن مكة وإخراج القريب منها لاختلاف المواقيت اهـ.

والقريب من الشيء يقال إنه حاضره قال الله تعالى: { واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} [الأعراف: 163] أي قريبة منه.
وقال في المدونة: وليس على أهل مكة القرية بعينها وأهل ذي طوى إذا قرنوا أو تمتعوا دم قران ولا متعة.
قال ابن حبيب عن مالك وأصحابه: ومن كان دون مسافة القصر من مكة حكمه حكم المكي، وقيل: إن من دون المواقيت كالمكي ولم يعزه اللخمي قاله بهرام.
وقال الحنفية: هم أهل المواقيت ومن دونها.

(وأشهر الحج التي ذكر الله تعالى) زاد أبو بكر في كتابه أي في الآية التي بعد آية التمتع وهي قوله تعالى: { الحج أشهر معلومات} [البقرة: 197] (شوال وذو القعدة وذو الحجة) من باب إقامة

البعض مقام الكل أو إطلاقًا للجمع على ما فوق الواحد أي تسع ذي الحجة بليلة النحر عندنا، والعشر عند أبي حنيفة، وذو الحجة كله عند مالك وبناء الخلاف أن المراد بوقته وقت إحرامه أو وقت أعماله ومناسكه أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك مطلقًا، فإن مالكًا كره العمرة في بقية ذي الحجة وأبو حنيفة وإن صحح الإحرام به قبل شوّال فقد استكرهه.
(فمن تمتع في هذه الأشهر) الثلاثة أو العاشر من الحجة أو ليلته (فعليه دم أو صوم) ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إن عجز عن الهدي وليس للقيد بالأشهر مفهوم، لأن الذي يعتمر في غير أشهر الحج لا يسمى متمتعًا ولا دم عليه، وكذلك المكي عند الجمهور خلافًا لأبي حنيفة ويدخل في عموم قوله: فمن تمتع من أحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم رجع إلى بلده ثم حج منها، وبه قال الحسن البصري وهو مبني على أن التمتع إيقاع العمرة في أشهر الحج فقط، والذي عليه الجمهور أن التمتع أن يجمع الشخص الواحد بينهما في سفر واحد في أشهر الحج في عام واحد وأن يقدم العمرة وأن لا يكون مكيًّا فمتى اختل شرط واحد من هذه الشروط لم يكن متمتعًا.

(والرفث الجماع) أو الفحش من الكلام (والفسوق المعاصي) فيه إشعار بأن الفسوق جمع فسق لا مصدر وتفسير الأشهر وسائر الألفاظ زيادة للفوائد باعتبار أدنى ملابسة بين الآيتين قاله الكرماني: (والجدال المراء) كذا فسره ابن عباس فيما رواه ابن أبي شيبة ولفظه: ولا جدال في الحج تماري صاحبك حتى تغضبه.