فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج، هل يجزئه من طواف الوداع

باب الْمُعْتَمِرِ إِذَا طَافَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ؟
( باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع) ؟.


[ قــ :1709 ... غــ : 1788 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ، فَنَزَلْنَا سَرِفَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَصْحَابِهِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلاَ.
وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ الْهَدْيُ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُمْرَةً.
فَدَخَلَ عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ لأَصْحَابِكَ مَا قُلْتَ، فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ.
قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ: لاَ أُصَلِّي.
قَالَ: فَلاَ يَضُرَّكِ، أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كُتِبَ عَلَيْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِهَا: قَالَتْ: فَكُنْتُ حَتَّى نَفَرْنَا مِنْ مِنًى فَنَزَلْنَا الْمُحَصَّبَ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الْحَرَمَ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا، أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا.
فَأَتَيْنَا فِي

جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: فَرَغْتُمَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَنَادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ".

وبالسند قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضيل بن دكين قال: ( حدّثنا أفلح بن حميد) بالفاء الأنصاري المدني البخاري يقال له ابن صفيرًا ( عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر ( عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرجنا) حال كوننا ( مهلين) ولأبي ذر: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مهلين ( بالحج في أشهر الحج وحرم الحج) بضم الحاء والراء الحالات والأماكن والأوقات التي للحج ( فنزلنا سرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء آخره فاء وحذف الموحدة، ولأبوي ذر والوقت: بسرف، ولابن عساكر: فنزلنا منزلاً ( فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه) :
( من لم يكن معه هدي فأحب أن يجعلها) أي حجته ( عمرة فليفعل ومن كان معه هدي فلا) يفسخ الحج إلى العمرة وفي غير هذه الرواية أن قوله عليه الصلاة والسلام لهم ذلك كان بعد دخوله مكة فيحتمل التعدد والعزيمة وقعت أخيرًا كما مرّ قريبًا ( وكان مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورجال) بالجر عطفًا على المجرور ( من أصحابه ذوي قوة الهدي) بالرفع اسم كان ( فلم تكن لهم عمرة) مستقلة لأنهم كانوا قارنين وعمرة بالنصب خبر كان ( فدخل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يوم التروية كما في مسلم ( وأنا أبكي) جملة حالية ( فقال: ( ما يبكيك) ؟ قلت سمعتك تقول لأصحابك ما قلت فمنعت العمرة) بضم الميم مبنيًا للمفعول والعمرة نصب بنزع الخافض أي من العمرة ( قال: ( وما شأنك) ؟ قلت: لا أصلي) لمانع الحيض وهو من ألطف الكنايات ( قال) : ( فلا يضرك) بضم المعجمة وتشديد الراء أو بكسر الضاد وسكون الراء ولم يضبط ذلك في اليونينية ولا فرعها ( أنت من بنات آدم كتب عليك) بضم كاف كتب مبنيًا للمفعول، ولأبي ذر: كتب الله عليك ( ما كتب عليهن) من الحيض وغيره ( فكوني في حجتك) بتاء التأنيث، ولأبي الوقت: في حجك.
وعزاها في الفتح لأبي ذر ( عسى الله أن يرزقكها) أي العمرة ( قالت: فكنت) في حجي كما أمرني عليه الصلاة والسلام ( حتى نفرنا من منى فنزلنا المحصب) وهو الأبطح أي بعد أن طهرت من الحيض وطافت للإفاضة ( فدعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( عبد الرحمن) بن أبي بكر الصديق ( فقال اخرج بأختك الحرم) أي من الحرم فنصبه على نزع الخافض.
قال في الفتح وللكشميهني: من الحرم قال وهو أوضح والمراد الإخراج من أرض الحرم إلى الحل ( فلتهل بعمرة) من التنعيم ( ثم أفرغا من طوافكما) فارجعا فإني ( أنتظركما هاهنا) يعني المحصب قالت عائشة ( فأتينا) أي بعد أن فرغنا من الاعتمار وتحللنا ( في جوف الليل) إلى المحصب، وللإسماعيلي من آخر الليل وهو أوفق ببقية الروايات، وهذا لا تخالفه الرواية السابقة فلقيته مصعدًا وأنا منهبطة أو العكس لأنه كان خرج بعد ذهابها ليطوف للوداع فلقيها وهو صادر بعد الطواف وهي راحلة لطواف عمرتهما، ثم لقيته بعد ذلك وهو بمنزله بالمحصب.
ويحتمل أن لقاءه لها كان حين انتقل من المحصب كما عند عبد الرزاق أنه كره أن يقتدي الناس بإناخته بالبطحاء فرحل حتى أناخ على

ظهر العقبة أو من ورائها ينتظرها، فيحتمل أن يكون لقاؤه لها في هذا الرحيل وأنه المكان الذي عينه لها في رواية الأسود حيث قال لها: موعدك مكان كذا وكذا قال في الفتح وهذا تأويل حسن.

( فقال) : عليه الصلاة والسلام ( فرغتما) من عمرتكما؟ قالت ( قلت: نعم) .
فرغنا ( فنادى بالرحيل في أصحابه فارتحل الناس ومن طاف بالبيت قبل صلاة الصبح) طواف الوداع وهذا من عطف الخاص على العام لأن الناس أعم من الطائفين ومن الذين لا طواف وداع عليهم كالحائض أو هو صفة للناس، ويجوز توسط العاطف بين الصفة والموصوف لتأكيد لصوقها بالموصوف نحو: { إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} [الأنفال: 49] قال: سيبويه: هو مثل مررت بزيد وصاحبك إذا أردت بصاحبك زيد، وقال الزمخشري في قوله تعالى: { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] جملة واقعة صفة لقرية والقياس أن لا تتوسط الواو بينهما كما في قوله: { وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ} [الشعراء: 208] وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف كما يقال في الحال: جاءني زيد عليه ثوب وجاءني وعليه ثوب.
اهـ.

وتعقبه أبو حيان فقال: وافقه على ذلك أبو البقاء قال: وهذا الذي قاله الزمخشري وتبعه فيه أبو البقاء لا نعلم أحدًا قاله من النحويين وهو مبني على أن ما بعد إلا يجوز أن يكون صفة وهم قد منعوا ذلك.
قال الأخفش: لا يفصل بين الصفة والموصوف بالإثم قال: ونحو ما جاءني رجل إلا راكب تقديره إلا رجل راكب وفيه قبح لجعل الصفة كالاسم، وقال أبو علي الفارسي تقول: ما مررت بأحد إلا قائمًا قائمًا حال من أحد ولا يجوز إلا قائم لأن إلا لا تعترض بين الصفة والموصوف.

وقال ابن مالك: وقد ذكر ما ذهب إليه الزمخشري من قوله في نحو ما مررت بأحد إلا زيد خير منه أن الجملة بعد إلا صفة لأحد إنه مذهب لم يعرف لبصري ولا كوفي فلا يلتفت إليه اهـ.

قال الحافظ ابن حجر: وهذا كله مبني على صحة هذا السياق والذي يغلب عندي أنه وقع فيه تحريف، والصواب فارتحل الناس ثم طاف بالبيت الخ.

وكذا وقع عند أبي داود من طريق أبي بكر الحنفي عن أفلح بلفظ فأذن في أصحابه بالرحيل فارتحل فأمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حتى خرج ثم انصرف متوجهًا إلى المدينة، ولمسلم: فأذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمرّ بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح، فيحتمل أنه أعاد الوداع لما رجع من الأبطح.

( ثم خرج) عليه الصلاة والسلام ( موجهًا إلى المدينة) بضم الميم وفتح الواو وتشديد الجيم المكسورة كما في الفرع وغيره، ولابن عساكر: متوجهًا بزيادة تاء كما في اليونينية أيضًا فالأولى من التوجيه وهو الاستقبال تلقاء وجهه والثانية من التوجه من باب التفعل.
وموضع الترجمة فلتهل بعمرة الخ من حيث كونه اكتفى فيه بطواف العمرة عن طواف الوداع.

وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم في الحج وكذا النسائي.