فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب من قعد حيث ينتهي به المجلس، ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها

باب مَنْ قَعَدَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ، وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا
( باب) حكم ( من قعد حيث) بالبناء على الضم وموضعه نصب على الظرفية ( ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة) بضم الفاء فعلة بمعنى المفعول كالقبضة بمعنى المقبوض ( في الحلقة) بإسكان اللام لا بفتحها على المشهور قال العسكري هي كل مستدير خالي الوسط والجمع حلق بفتح الحاء واللام ( فجلس فيها) أي في الفرجة وفي رواية إليها، وإنما قال في الحلقة دون أن يقول في المجلس ليطابق لفظ الحديث، وقال في الأوّل به المجلس لأن الحكم فيهما واحد.


[ قــ :66 ... غــ : 66 ]
- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذْ أَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَ وَاحِدٌ.
قَالَ فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا،.
وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ،.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا.
فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ تَعَالى فَآوَاهُ اللَّهُ إلَيْهِ،.
وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ،.
وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ».
[الحديث 66 - طرفه في: 474] .

وبالسند إلى المؤلف قال: ( حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس ( قال: حدّثني) بالإفراد ( مالك) إمام الأئمة ( عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري البخاري ابن أخي أنس لأمه التابعي المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة ( أن أبا مرة) بضم الميم وتشديد الراء اسمه يزيد ( مولى عقيل بن أبي طالب) بفتح العين ( أخبره عن أبي واقد) بالقاف المكسورة والدال المهملة اسمه الحرث بن مالك أو ابن عوف الصحابي ( الليثي) بالمثلثة البدري في قول بعضهم المتوفى بمكة سنة ثمان وستين، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث، وقد صرح أبو مرة في رواية النسائي من طريق يحيى بن أبي كثير عن إسحاق فقال عن أبي مرة أن أبا واقد حدّثه.

( أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينما) بزيادة الميم ( هو) مبتدأ خبره ( جالس) حال كونه ( في المسجد) المدني ( والناس معه) جملة حالية ( إذ أقبل) جواب بينما ( ثلاثة نفر) بالتحريك، ولم يسم واحد من الثلاثة أي ثلاثة رجال من الطريق فدخلوا المسجد كما في حديث أنس، فإذا ثلاثة نفر مارّين ( فأقبل اثنان) منهم ( إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذهب واحد.
قال: فوقفا على)
مجلس ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أو على هنا بمعنى عند قاله في الفتح.
وتعقبه صاحب عمدة القاري بأنها لم تجئ بمعناها، وزاد الترمذي والنسائي وأكثر
رواة الموطأ، فلما وقفا سلما ( فأما) بفتح الهمزة وتشديد الميم تفصيلية ( أحدهما) بالرفع مبتدأ خبره ( فرأى فرجة) بضم الفاء ( في الحلقة فجلس فيها) وأتى بالفاء في قوله فرأى لتضمن أما معنى الشرط ولابن عساكر فرجة بفتح الفاء وهي والضم لغتان وهي الخلل بين الشيئين قاله النووي فيما نقله في عمدة القاري، ( وأما الآخر) بفتح الخاء أي الثاني ( فجلس خلفهم) بالنصب على الظرفية ( وأما الثالث فأدبر) حال كونه ( ذاهبًا) أي أدبر مستمرًا في ذهابه ولم يرجع، وإلا فأدبر بمعنى مرّ ذاهبًا ( فلما فرغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما كان مشتغلاً به من تعليم القرآن أو العلم أو الذكر أو الخطبة أو نحو ذلك ( قال ألا) بالتخفيف حرف تنبيه والهمزة يحتمل أن تكون للاستفهام ولا للنفي ( أخبركم عن النفر الثلاثة) فقالوا: أخبرنا عنهم يا رسول الله.
فقال: ( أما أحدهم فأوى) بقصر الهمزة أي لجأ ( إلى الله تعالى) أو انضم إلى مجلس الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( فآواه الله إليه) بالمد أي جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه أو يؤويه يوم القيامة إلى ظل عرشه، فنسبة الإيواء إلى الله تعالى مجاز لاستحالته في حقه تعالى، فالمراد لازمه وهو إرادة إيصال الخير، ويسمى هذا المجاز مجاز المشاكلة والمقابلة.
( وأما الآخر) بفتح الخاء ( فاستحيا) أي ترك المزاحمة حياء من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن أصحابه وعند الحاكم، ومضى الثاني قليلاً ثم جاء فجلس.
قال في الفتح: فالمعنى أنه استحيا من الذهاب عن المجلس كما فعل رفيقه الثالث، ( فاستحيا الله منه) بأن رحمه ولم يعاقبه فجازاه بمثل ما فعل، وهذا أيضًا من قبيل المشاكلة لأن الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يذم به، وهذا محُال على الله تعالى فيكون مجازًا عن ترك العقاب، حينئذ فهو من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم.
( وأما الأخر) وهو الثالث ( فأعرض) عن مجلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يلتفت إليه بل ولّى مدبرًا ( فأعرض الله) تعالى ( عنه) أي جازاه بأن سخط عليه، وهذا أيضًا من قبيل المشاكلة لأن الإعراض هو الالتفات إلى جهة أخرى، وذلك لا يليق بالباري تعالى فيكون مجازًا عن السخط والغضب، ويحتمل أن هذا كان منافقًا فأطلع الله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أمره، ورواة هذا الحديث مدنيون وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والأخبار وتابعي عن مثله.
وأخرجه المؤلف في الصلاة، ومسلم والترمذي في الاستئذان، والنسائي في العلم.