فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب صوم يوم النحر

باب الصَّوْمِ يَوْمَ النَّحْرِ
( باب) حكم ( الصوم يوم النحر) ولابن عساكر والحموي والمستملي: صوم يوم النحر.


[ قــ :1912 ... غــ : 1993 ]
- حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ قَالَ: سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "يُنْهَى عَنْ صِيَامَيْنِ وَبَيْعَتَيْنِ: الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، وَالْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ".

وبالسند قال: ( قال إبراهيم بن موسى) بن يزيد الفراء الرازي المعروف بالصغير قال: ( أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني ( عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز ( قال: أخبرني) بالتوحيد ( عمرو بن دينار عن عطاء بن ميناء) بكسر الميم وسكون المثناة التحتية وبالنون ممدودًا كعطاء إلا أن الأول منصرف حذف تنوينه والثاني غير منصرف وهو مدني ( قال) أي عمرو بن دينار ( سمعته) أي عطاء بن ميناء ( يحدث عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: ينهى) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول ( عن صيامين و) عن ( بيعتين الفطر والنحر والملامسة والمنابذة) بالجرّ في الأربعة بدلاً من السابق وفيه لف ونشر مرتب، فالفطر والنحر يرجعان إلى صيامين والآخران إلى بيعتين والملامسة بضم الميم الأولى مفاعلة من اللمس وهي أن يلمس ثوبًا مطويًا أو في ظلمة ثم يشتريه على أنه لا خيار له إذا رآه اكتفاء بلمسه عن رؤيته، أو يقول إذا لسته فقد بعتك اكتفاء بلمسه عن الصيغة أو
يبيعه شيئًا على أنه متى لمسه لزم البيع وانقطع الخيار اكتفاء بلمسه عن الإلزام بتفرق أو تخاير.

والمنابذة بضم الميم وبالذال المعجمة بأن ينبذ كل منهما ثوبه على أن كلاً منهما مقابل بالآخر ولا خيار لهما إذا عرفا الطول والعرض، وكذا لو نبذه إليه بثمن معلوم اكتفاء بذلك عن الصيغة.
وتأتي مباحث ذلك في البيع إن شاء الله تعالى، والنهي هنا للتحريم فلا يصح الصوم ولا البيع والبطلان في الأخيرين من حيث المعنى لعدم الرؤية أو عدم الصيغة أو للشرط الفاسد وفي الأوّلين أن الله تعالى أكرم عباده فيهما بضيافته فمن صامهما فكأنه رد هذه الكرامة، وهذا المعنى وإن كان لمن يصوم رمضان ومن ينسك لكنه عام لعموم الكرم.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع.




[ قــ :1913 ... غــ : 1994 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: رَجُلٌ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ الاِثْنَيْنِ فَوَافَقَ يَوْمَ عِيدٍ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ النَّذْرِ، وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَوْمِ هَذَا الْيَوْمِ".
[الحديث 1994 - طرفاه في: 6705، 6706] .

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري الزمن قال: ( حدّثنا معاذ) هو ابن معاذ

العنبري قال: ( أخبرنا ابن عون) هو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري ( عن زياد بن جبير) بضم الجيم وفتح الموحدة ابن حيّة بفتح المهملة وتشديد المثناة التحتية الثقفي أنه ( قال جاء رجل) لم يسم ( إلى ابن عمر) بن الخطاب ( -رضي الله عنهما-) ولابن عساكر: جاء رجل ابن عمر بإسقاط إلى ونصب ابن ( فقال) : أي الجائي لابن عمر ( رجل نذر أن يصوم يومًا قال أظنه قال الاثنين) أي قال الجائي أظن الرجل الذي نذر قال إنه نذر صوم يوم الاثنين ( فوافق) يوم الاثنين المنذور ( يوم عيد) ولأبي ذر عن المستملي: فوافق ذلك يوم عيد، وفي رواية يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد الله عند المصنف في النذر فوافق يوم النحر ( فقال ابن عمر أمر الله بوفاء النذر) أي في قوله تعالى: { وليوفوا نذورهم} [الحج: 9] ( ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم هذا اليوم) إنما توقف ابن عمر عن الجزم بالفتيا لتعارض الأدلة عنده وهذا قاله الزركشي في آخرين، وتعقبه البدر الدماميني فقال: ليس كما ظنه بل نبه ابن عمر على أن أحدهما وهو الوفاء بالنذر عام والآخر وهو المنع من صوم العيد خاص، فكأنه أفهمه أنه يقضي بالخاص على العام اهـ.

وهذا الذي ذكره هو قول ابن المنير في الحاشية، وقد تعقبه أخوه بأن النهي عن صوم العيد فيه أيضًا عموم للمخاطبين ولكل عيد فلا يكون من حمل الخاص على العام اهـ.

وقيل: ويحتمل أنه عرّض للسائل بأن الاحتياط لك القضاء فيجمع بين أمر الله وأمر رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقيل إذا التقى الأمر والنهي في موضع قدّم النهي، وعند الشافعية إذا نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه فلان صح نذره في الأظهر لإمكان العلم بقدومه قبل يومه فيبيت النية، والثاني قال: لا يمكن الوفاء به لانتفاء تبييت النية لانتفاء العلم بقدومه فإن قدم ليلاً أو يوم عيد أو نحوه أو في رمضان انحل النذر ولا شيء عليه لعدم قبول ما عدا الأخير للصوم والأخير لصوم غيره.




[ قــ :1914 ... غــ : 1995 ]
- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ قَزَعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً قَالَ: سَمِعْتُ أَرْبَعًا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَعْجَبْنَنِي، قَالَ: لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ، وَلاَ صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ: الْفِطْرِ وَالأَضْحَى، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ وَلاَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ، وَلاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا".

وبه قال: ( حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون السلمي الأنماطي البصري قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( حدّثنا عبد الملك بن عمير) بضم العين وفتح الميم ابن سويد اللخمي الكوفي ويقال له الفرسي بفتح الفاء والراء نسبة إلى فرس له سابق ( قال: سمعت قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة ابن يحيى البصري ( قال: سمعت أبا سعيد) سعد بن مالك ( الخدري -رضي الله عنه- وكان غزا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اثنتي عشرة غزوة) وكان قد استصغر بأحد واستشهد

أبوه مالك بن سنان بها وغزا هو ما بعدها ( قال: سمعت أربعًا من النبي) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر عن النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأعْجَبْنَنِي) ، بسكون الموحدة بلفظ صيغة الجمع للمؤنث أحدها ( قال) :
( لا تسافر المرأة مسيرة يومين إلا معها زوجها) بالواو كما في رواية أبوي ذر والوقت في باب فضل مسجد بيت المقدس ( أو ذو محرم) عاقل بالغ ( و) ثانيها ( لا صوم في يومين: الفطر والأضحى) لأنهما غير قابلين للصوم لحرمته فيهما فلا يصح نذر صومهما وكذا حكم صوم أيام التشريق كما سيأتي بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى ومذهب أبي حنيفة لو نذر صوم يوم النحر أفطر وقضى يومًا مكانه ( و) ثالثها ( لا صلاة بعد) صلاة ( الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد) صلاة ( العصر حتى تغرب) الشمس ( و) رابعها ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد الحرام) بمكة ( ومسجد الأقصى) بالقدس ( ومسجدي هذا) بطيبة.

وهذا الحديث قد سبق في باب مسجد القدس في أواخر الصلاة.


باب صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
( باب صيام أيام التشريق) وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهذا قول ابن عمر وأكثر العلماء.

وروي عن ابن عباس وعطاء أنها أربعة أيام يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وسماها عطاء أيام التشريق والأول أظهر، وقد قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه" أخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث عبد الرحمن بن يعمر، وهذا صريح في أنها أيام التشريق وأفضلها أولها وهو يوم القر بفتح القاف وتشديد الراء لأن أهل منى يستقرون فيه ولا يجوز فيه النفر وهي الأيام المعدودات وأيام منى، وسميت بأيام التشريق لأن لحوم الأضاحي تشرّق فيها أي تنشر في الشمس.


[ قــ :1914 ... غــ : 1996 ]
- قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ:.

     وَقَالَ  لِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي: "كَانَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- تَصُومُ أَيَّامَ مِنًى، وَكَانَ أَبُوهَا يَصُومُهَا".

وبالسند قال: ( قال أبو عبد الله) : كذا لأبوي ذر والوقت وسقط لغيرهما ( وقال لي محمد بن المثنى) الزمن وكأنه لم يصرح بالتحديث لكونه موقوفًا على عائشة كما عرف من عادته بالاستقراء كذا قاله الحافظ ابن حجر، وتعقبه العيني بأنه إنما ترك التحديث لأنه أخذه عن ابن المثنى مذاكرة قال: وهذا هو المعروف من عادته ( حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان ( عن هشام قال: أخبرني) بالتوحيد ( أبي) عروة بن الزبير قال: ( كانت عائشة رضي الله عنها تصوم أيام منى) ولأبي ذر عن المستملي: أيام التشريق بمنى.
قال عروة: ( وكان أبوها) أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- ( يصومها) أيضًا، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: وكان أبوه أي أبو هشام وهو عروة والقائل يحيى القطان، ونسب ابن حجر الأولى لرواية كريمة.

1997، 1998 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِيسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهم- قَالاَ: "لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ".

وبالسند قال ( حدثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة والمشدّدة البصري المنقب ببندار قال: ( حدّثنا غندر) بضم الغين المعجمة وفتح المهملة آخره راء محمد بن جعفر قال: ( حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: ( سمعت عبد الله بن عيسى) الأنصاري، ولأبي ذر عن الكشميهني: زياد بن أبي ليلى وهو ثقة لكن فيه تشيع ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( عن عروة) بن الزبير بن العوّام ( عن عائشة، وعن سالم) هو من رواية الزهري عن سالم فهو موصول ( عن ابن عمر) والد سالم ( -رضي الله عنهم- قالا) أي عائشة وابن عمر: ( لم يرخص) بضم أوّله وفتح ثالثه المشدد مبنيًا للمفعول ولم يضيفاه إلى الزمن النبوي فهو موقوف كما جزم به ابن الصلاح في نحوه مما لم يضف والمعنى حينئذٍ لم يرخص من له مقام الفتوى في الجملة، لكن جعله الحاكم أبو عبد الله من المرفوع.
قال النووي في شرح المهذّب: وهو القوي يعني من حيث المعنى وهو ظاهر استعمال كثير من المحدّثين وأصحابنا في كتب الفقه، واعتمده الشيخان في صحيحيهما وأكثر منه البخاري.
وقال التاج ابن السبكي: إنه الأظهر وإليه ذهب الإمام فخر الدين.
وقال ابن الصباغ في العدة: إنه الظاهر والمعنى هنا لم يرخص النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( في أيام التشريق) وهي الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر ( أن يصمن) أي يصام فيهن فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير، ولذا بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ينادي أنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل فلا يصومن أحد رواه أصحاب السنن.

وروى أبو داود عن عقبة بن عامر مرفوعًا: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب.

وفي حديث عمرو بن العاصي عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم أنه قال لابنه عبد الله في أيام التشريق إنها الأيام التي نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صومهن وأمر بفطرهن وقد قال الطحاوي بعد أن أخرج أحاديث النهي عن ستة عشر صحابيًّا، فلما ثبت بهذه الأحاديث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النهي عن صيام أيام التشريق وكان نهيه عن ذلك بمنى والحاج مقيمون بها وفيهم المتمتعون والقارنون ولم يستثن منهم متمتعًا ولا قارنًا دخل المتمتعون والقارنون في ذلك اهـ.

وفي النهي عن صيام هذه الأيام والأمر بأكل والشرب سرّ حسن وهو أن الله تعالى لما علم ما يلاقي الوافدون إلى بيته من مشاق السفر وتعب الإحرام وجهاد النفوس على قضاء المناسك شرع لهم الاستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده وأمرهم بالأكل فيها من لحوم الأضاحي فهم في ضيافة الله تعالى فيها لطفًا من الله تعالى بهم ورحمة، وشاركهم أيضًا أهل الأمصار في ذلك لأن أهل الأمصار شاركوهم في النصب لله تعالى والاجتهاد في عشر ذي الحجة بالصوم

والذكر والاجتهاد في العبادات وفي التقرب إلى الله تعالى بإراقة دماء الأضاحي وفي حصول المغفرة فشاركوهم في أعيادهم واشترك الجميع في الراحة بالأكل والشرب، فصار المسلمون كلهم في ضيافة الله تعالى في هذه الأيام يأكلون من رزقه ويشكرونه على فضله، ولما كان الكريم لا يليق به أن يجيع أضيافه نهوا عن صيامها ( إلا لمن لم يجد الهدي) وفي رواية أبي عوانة عن عبد الله بن عيسى عند الطحاوي إلا لمتمتع أو محصر أي فيجوز له صيامها وهذا مذهب مالك وهو الرواية الثانية عن أحمد واختاره ابن عبدوس في تذكرته وصححه في الفائق وقدمه في المحرر والرعاية الكبرى.
وقال ابن منجا في شرحه أنه المذهب وهو قول الشافعي القديم لحديث الباب قال في الروضة: وهو الراجح دليلاً والصحيح من مذهب الشافعي وهو القول الجديد ومذهب الحنفية أنه يحرم صومها لعموم النهي وهو الرواية الأولى عن أحمد.
قال الزركشي الحنبلي: وهي التي ذهب إليها أحمد أخيرًا.
قال في المبهج وهي الصحيحة اهـ.

وأما قول الحافظ ابن حجر أن الطحاوي قال إن قول ابن عمر وعائشة لم يرخص الخ أخذاه من عموم قوله تعالى: { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج} [البقرة: 196] لأن قوله في الحج يعم ما قبل يوم النحر وما بعده فتدخل أيام التشريق.
قال في الفتح: وعلى هذا فليس بمرفوع بل هو بطريق الاستنباط عما فهماه من عموم الآية، وقد ثبت نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم أيام التشريق وهو عام في حق المتمتع وغيره، وعلى هذا فقد تعارض عموم الآية المشعر بالإذن وعموم الحديث المشعر بالنهي وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الآحاد نظر لو كان الحديث مرفوعًا فكيف وفي كونه مرفوعًا نظر، فعلى هذا يترجح القول بالجواز وإلى هذا جنح البخاري اهـ.
والله أعلم.

ففيه نظر لأن قوله لو كان الحديث مرفوعًا فكيف وفي كونه مرفوعًا نظر لا معنى له لأنه إن كان مراده به حديث النهي عن صوم أيام التشريق المروي في غير ما حديث فهو بلا شك مرفوع كما صرح هو به حيث قال: وقد ثبت نهيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صوم أيام التشريق وإن كان مراده به حديث الباب فليس التعارض المذكور واقعًا بينه وبين عموم الآية، وكيف يكون ذلك؟ وقد ادّعى استنباطه منها فالظاهر أنه سهو، ولئن سلمنا التعارض بين حديث النهي والآية فالصحيح أنه مخصص لعمومها لكنا لا نسلم أن أيام التشريق من أيام الحج كما لا يخفى ونص عليه الشافعي وغيره على أن الطحاوي لم يجزم بأن ابن عمر وعائشة أخذاه من عموم الآية، وعبارته فقولهما ذلك يجوز أن يكونا عنيا بهذه الرخصة ما قال الله تعالى في كتابه { فصيام ثلاثة أيام في الحج} فعداها أيام التشريق من أيام الحج فقالا رخص للحاج المتمتع والمحصر في صوم أيام التشريق لهذه الآية ولأن هذه الأيام عندهما من أيام الحج وخفي عليهما ما كان من توقيف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس من بعده على أن هذه الأيام ليست بداخلة فيما أباح الله عز وجل صومه من ذلك اهـ فليتأمل.

والعجب من العيني في كونه لم ينبه على ذلك ولم يعرج عليه كغيره من الشراح مع كثرة تعقبه على الحافظ في كثير من الواضحات.
نعم تعقبه في قوله ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة

عند الدارقطني والطحاوي بأن لفظ الحديث للدارقطني لا لفظ الطحاوي.