فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: لا يشتري حاضر لباد بالسمسرة

باب لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ، وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ بِعْ لِي ثَوْبًا، وَهْيَ تَعْنِي الشِّرَاءَ.

هذا (باب) بالتنوين (لا يبيع حاضر لباد بالسمسرة) بمهملتين وجمعه سماسرة وهو القيم بالأمر الحافظ له ثم غلب استعماله فيمن يدخل بين البائع والمشتري في ذلك ولكن المراد به هنا أخص من ذلك وهو أن يدخل بين البائع البادي والمشتري الحاضر أو عكسه والسمسرة: البيع والشراء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: لا يشتري بدل قوله لا يبيع فيكون قياسًا على البيع أو استعمالاً للفظ البيع في البيع والشراء.
(وكرهه) أي كره البيع والشراء المذكورين (ابن سيرين) محمد فيما وصله أبو عوانة (وإبراهيم) النخعي (للبائع والمشتري) ولأبي ذر كما في الفرع: وللمشتري، ورواه أبو داود من طريق أبي هلال عن ابن سيرين عن أنس كان يقال: لا يبيع حاضر لبادٍ وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئًا ولا يبتاع له شيئًا قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف لإبراهيم النخعى على ذلك صريحًا، لكن (قال إبراهيم) مستدلاً لما ذهب إليه من التسوية في الكراهة بين بيع الحاضر للبادي وبين شرائه له (إن العرب تقول: بع لي ثوبًا وهي تعني) أي تقصد وتريد (الشراء) وللحموي والمستملي: وهو يعني.
قال الكرماني: وهو صحيح على مذهب من جوّز استعمال اللفظ المشترك في معنييه اللهم إلا أن يقال إن البيع والشراء ضدّان فلا تصح إرادتهما معًا.

فإن قلت: فما وجهه؟ قلت: وجهه أن يحمل على عموم المجاز انتهى.

قال البرماوي: ولا تضادّ في استعمالهما كالقرء للطهر والحيض انتهى.


قال ابن حبيب من المالكية: الشراء للبادي مثل البيع لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا يبيع بعضكم على بيع بعض" فإن معناه الشراء.
وعن مالك في ذلك روايتان.
وقال أصحابنا الشافعية: ولو قدم البادى يريد الشراء فتعرض له حاضر يريد أن يشتري له رخيصًا وهو المسمى بالسمسار فهل يحرم عليه كما في البيع.
تردد فيه في المطلب واختار البخاري المنع.
وقال الأذرعي: ينبغي الجزم به.


[ قــ :2076 ... غــ : 2160 ]
- حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَبْتَاعُ الْمَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ».

وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) البلخيّ (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن جريج) بضم الجيم الأولى عبد الملك (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا يبتاع المرء) بالرفع على النفي، وللكشميهني: لا يبتع المرء بالجزم على النهي (على بيع أخيه ولا تناجشوا) أصله (تتناجشوا فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا وقد سبق أنه الزيادة في الثمن ليغرّ غيره (ولا يبيع) بالرفع، ولأبي ذر: ولا يبع بالجزم (حاضر لبادٍ) قال العيني: ولفظ السمسرة وإن لم يكن مذكورًا في الحديث فمتبادر إلى الذهن من اللام في قوله لبادٍ، وقال الكرماني من لفظ باع لغيره فليتأمل.




[ قــ :077 ... غــ : 161 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: "نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ".

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني ( محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال ( حدّثنا معاذ) بضم الميم آخره ذال معجمة هو ابن معاذ قاضي البصرة قال: ( حدّثنا ابن عون) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة نون عبد الله ( عن محمد) هو ابن سيرين أنه قال: ( قال أنس بن مالك -رضي الله عنه- نهينا) بضم النون أي نهانا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( أن يبيع حاضر لبادٍ) ووقع التصريح بالرفع في رواية مسلم والنسائي من وجه آخر، وهذه ثلاثة أبواب ساق فيها حديث لا يبيع حاضر لبادٍ، لكن في الأوّل استفهام بهل، وفي الثاني نص على الكراهة بالأجر، وفي الثالث نهي في صورة النفي مقيد بالسمسرة مستنبطًا لها وهو ترتيب حسن وخص كل باب يإسناد تكثيرًا للطرق وتقوية وتأكيدًا، وإسناد كل حكم إلى رواية الشيخ الذي استدلّ به عليه قاله الكرماني وغيره.

وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع وكذا أبو داود والنسائي.