فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب النهي عن تلقي الركبان وأن بيعه مردود لأن صاحبه عاص آثم إذا كان به عالما وهو خداع في البيع، والخداع لا يجوز

باب النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ لأَنَّ صَاحِبَهُ عَاصٍ آثِمٌ إِذَا كَانَ بِهِ عَالِمًا، وَهُوَ خِدَاعٌ فِي الْبَيْعِ وَالْخِدَاعُ لاَ يَجُوزُ
( باب النهي عن تلقي الركبان) لابتياع ما يحملونه إلى البلد قبل أن يقدموا الأسواق ويعرفوا السعر ( وأن بيعه) أي متلقي الركبان ( مردود) باطل ( لأن صاحبه) أي صاحب التلقي ( عاصٍ آثم إذا كان به) أي بالنهي ( عالمًا) كما هو شرط لكل ما نهي عنه ( وهو) أي التلقي ( خداع) بكسرَ أوله ( في البيع والخداع) حرام ( لا يجوز) لكن لا يلزم من ذلك بطلان البيع لأن النهي لا يرجع إلى نفس العقد ولا يخل بشيء من أركانه وشرائطه وإنما هو لدفع الإضرار بالركبان، وجزم المؤلّف بأنه مردود بناء على أن النهي يقتضي الفساد، وتعقبه الإسماعيلي وألزمه التناقض ببيع المصراة فإن فيه خداعًا ومع ذلك لا يبطل البيع وبكونه فصل في بيع الحاضر للبادي بين أن يبيع بأجر أو بغير أجر، ومذهب الشافعية يحرم التلقي للشراء قطعًا وللبيع في أحد الوجهين والمعنى فيه الغبن والوجه الثاني لا يحرم، وصححه الأذرعي تبعًا لابن أبي عصرون ويصح كل من الشراء والبيع وإن ارتكب محرمًا لما سبق في بيع حاضر لبادٍ ولهم الخيار إذا عرفوا الغبن لحديث مسلم: فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار وحيث ثبت الخيار فهو على الفور قياسًا على خيار العيب وخرج بالتقييد بقبل دخول البلد التلقي بعد دخوله فلا يحرم لقوله في رواية البخاري: لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق ولأنه إن وقع لهم غبن فالتقصير منهم لا من المتلقي، ولو التمسوا البيع منه ولو مع جهلهم بالسعر أو لم يغبنوا بأن اشتراه منهم بسعر البلد أو أكثر أو بدونه وهم عالمون به فلا خيار لهم لانتفاء المعنى السابق، ويؤخذ من كلامهم أنه لا يأثم وهو ظاهر إذ لا تغرير.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا كان التلقي في أرض لا يضر بأهلها فلا بأس به وإن كان يضرهم فمكروه لحديث ابن عمر: كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام فنهانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نبيعه حتى نبلغ به سوق الطعام.
قال الطحاوي: في هذا الحديث إباحة التلقي وفي غيره النهي، وأولى بنا أن نحمل ذلك على غير التضار فيكون ما نهي عنه من التلقي لما فيه من الضرر على غير المتلقين المقيمين في السوق وما أبيح من التلقي هو ما لا ضرر عليهم فيه.


[ قــ :2078 ... غــ : 2162 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ".

وبه قال: ( حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان العبدي البصري الملقب ببندار قال: ( حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: ( حدّثنا عبيد الله) بالتصغير ابن عمر بن حفص بن عاصم ( العمري) وسقط العمري لغير أبي ذر ( عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال) :

( نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نهي تحريم ( عن التلقي) أي للقافلة ( وأن يبيع حاضر لباد) وظاهره منع التلقي مطلقًا سواء كان قريبًا أو بعيدًا لأجل الشراء منهم أم لا وسيأتي البحث فيه قريبًا إن شاء الله تعالى.




[ قــ :079 ... غــ : 163 ]
- حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ لاَ يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ فَقَالَ: لاَ يَكُنْ لَهُ سِمْسَارًا".

وبه قال: ( حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر: حدّثني ( عياش بن الوليد) بالمثناة التحتية والشين المعجمة الرقام البصري قال: ( حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى قال: ( حدّثنا معمر) هو ابن راشد ( عن ابن طاوس) عبد الله ( عن أبيه) أنه ( قال: سألت ابن عباس -رضي الله عنهما- ما معنى قوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
( لا يبيعن حاضر لبادٍ فقال لا يكن له سمسارًا) بالتحتية والجزم على النهي، ولأبي ذر والحموي والمستملي: لا يكون بالرفع على النفي، ولأبي الوقت: لا تكون بالمثناة الفوقية وليس للتلقي فيه ذكر ولعله أشار على عادته إلى أصل الحديث، وقد سبق قبل بابين في حديث آخر عن معمر وفي أوله: ولا تلقوا الركبان والتقييد بالركبان خرج مخرج الغالب في أن من جلب الطعام يكون عددًا ركبانًا ولا مفهوم له، بل لو كان الجلب عددًا مشاة أو واحدًا راكبًا لم يختلف الحكم.




[ قــ :080 ... غــ : 164 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَنِ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا.
قَالَ: وَنَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ".

وبه قال: ( حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء ( قال: حدّثني) بالإفراد ( التيمي) هو سليمان بن طرخان ( عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي بالنون ( عن عبد الله) هو ابن مسعود ( -رضي الله عنه- قال: من اشترى محفلة) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد الفاء المفتوحة مصراة ( فليردّ معها صاعًا) أي من تمر بدل ما فسد من لبنها ( قال) ابن مسعود بالسند: ( ونهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن تلقي البيوع) فيه تقييد لإطلاق حديث أبي هريرة السابق هنا.




[ قــ :08 ... غــ : 165 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ تَلَقَّوُا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ».

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: ( أخبرنا مالك) الإمام ( عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :
( لا يبيع) بالرفع ( بعضكم على بيع بعض) عدّي بعلى لأنه ضمن معنى الاستعلاء ( ولا تلقوا

السلع)
أصله لا تتلقوا فحذفت إحدى التاءين والسلع بكسر السين جمع سلعة وهي المتاع ( حتى يهبط) بضم أوله وفتح ثالثه أي ينزل ( بها إلى السوق) ويأتي البحث في هذا إن شاء الله تعالى في الباب التالي.

وهذا الحديث أخرجه أيضًا في البيوع وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وأخرجه ابن ماجة في التجارات.