فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام، أو بعد شهر، أو بعد سنة جاز، وهما على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل

باب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ لَهُ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ -أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ- جَازَ وَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا الَّذِي اشْتَرَطَاهُ إِذَا جَاءَ الأَجَلُ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا استأجر) الرجل ( أجيرًا ليعمل له) عملاً ( بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد سنة) وجواب إذا قوله ( جاز) التواجر ( وهما) أي المؤجر والمستأجر ( على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل) قال العيني وهو جائز عند مالك وأصحابه بعد اليوم أو اليومين أو ما قرب إذا أنقده الأجرة، واختلفوا فيما إذا لم ينقده فأجازه مالك وابن القاسم.
وقال أشهب: لا يجوز لأنه لا يدري أيعيش أم لا.
وقياسه أن يستأجر منه منزلاً مدة معلومة قبل مجيء السنة بأيام يقول آجرتك الدار سنة بعد عشرة أيام فمذهب الشافعية عدم الصحة لأن منفعتها إذ ذاك غير مقدورة التسليم في الحال فأشبه بيع العين على أن يسلمها غدًا وهو بخلاف إجارة الذمة فإنه يجوز فيها تأجيل العمل كما في السلم فلو آجر السنة الثانية لمستأجر الأولى قبل انقضائها جاز لاتصال المدتين مع اتحاد المستأجر فهو كما لو آجرهما دفعة واحدة بخلاف ما لو آجرها من غيره لعدم اتحاد المستاجر.
وقال الحنفية: إذا قال في شعبان مثلاً آجرتك داري في أول يوم من رمضان جاز مطلقًا لأن العقد يتحدد بحدوث المنافع وهو مذهب المالكية.


[ قــ :2172 ... غــ : 2264 ]
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ".

وبه قال: ( حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: ( حدّثنا الليث) بن سعد

الإمام ( عن عقيل) بضم العين بن خالد بن عقيل بفتح العين ( قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ( فأخبرني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوام ( أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها ( قالت: واستأجر) بواو العطف على قصة مذكورة في الحديث كما نبّه عليه في الباب السابق ( رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر رجلاً) اسمه عبد الله بن أريقط ( من بني الديل) بكسر الدال ( هاديًا) يرشد إلى الطريق ( خريتًا) بكسر المعجمة وتشديد الراء ماهرًا يهتدي لأخرات المفازة وهي طرقها الخفية ومضايقها وقال الزهري فيما أدرجه في السابقة الماهر بالهداية ( وهو على دين كفّار قريش) على أن يدلهما على طريق المدة بعد ثلاث ليالٍ، ( فدفعا) أي النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر -رضي الله عنه- ( إليه) أي إلى عبد الله بن أريقط ( راحلتيهما وواعداه) بألف قبل العين وبعد الدال ( غار ثور) بأسفل مكة ( بعد ثلاث ليال) زاد في نسخة الميدومي فأتاهما ( براحلتيهما صبح ثلاث) نصب على الظرفية والعامل فيه واعداه وكذا العامل في غار ثور، واعترض الإسماعيلي على المصنف بأنه لا مطابقة بين الترجمة والحديث فإنه ليس فيه أنهما استأجراه على أن لا يعمل إلا بعد ثلاث بل الذي فيه أنهما استأجراه وابتدأ في العمل من وقته بتسلمه راحلتيهما منهما يرعاهما ويحفظهما إلى أن يتهيأ لهما الخروج.

وأجيب: بأن الإجارة إنما كانت على الدلالة على الطريق من غير زيادة وأن يحضر لهما راحلتيهما بعد ثلاث ليالٍ عند الغار ثم يخدمهما بما أراداه من الدلالة على الطريق بعد الليالي الثلاث، وقاس المؤلّف على ذلك إذا كان ابتداء العمل بعد شهر أو بعد سنة فقاس الأجل البعيد على الأجل القريب ولم تكن إجارتهما له لخدمة الراحلتين، ويؤيده أن الذي كان يرعاهما عامر بن فهيرة لا الدليل كما في الحديث، وأما من قال ببطلان الإجارة إذا لم يشرع في العمل من وقت الإجارة فيحتاح إلى دليل.