فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب

باب هَلْ يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ مِنْ مُشْرِكٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ؟
هذا (باب) بالتنوين (هل يؤاجر الرجل) المسلم (نفسه من مشرك في أرض الحرب) وهي دار الكفر.


[ قــ :2182 ... غــ : 2275 ]
- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ حَدَّثَنَا خَبَّابٌ قَالَ: "كُنْتُ رَجُلاً قَيْنًا، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَ لِي عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ.
فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ فَلاَ.
قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ، فَأَقْضِيكَ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا.

     وَقَالَ  لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا}
.

وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق النخعي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) هو ابن صبيح بضم الصاد مصغرًا أبي الضحى (عن مسروق) هو ابن الأجدع قال: (حدّثنا خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى ابن الأرت التميمي من السابقين إلى الإسلام (-رضي الله عنه- قال: كنت رجلاً قينًا) بفتح القاف وسكون التحتية حدادًا (فعملت) أي سيفًا (للعاصي بن وائل) السهمي والد عمرو بن العاصي الصحابيّ المشهور وكان له قدر في الجاهلية ولكنه لم يوفق للإسلام وكان عمله ذلك له بمكة وهي إذ ذاك دار حرب وخباب مسلم، (فاجتمع لي عنده) زاد الإمام أحمد بن دراهم (فأتيته أتقاضاه) أي أطلب الدراهم أجرة عمل السيف (فقال) أي العاص: (لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد.
فقلت: أما) بتخفيف الميم حرف تنبيه (والله) لا أكفر (حتى تموت ثم تبعث) مفهومه غير مراد لأن الكفر لا يتصوّر بعد
البعث فكأنه قال: لا أكفر أبدًا (فلا) أي فلا أكفر والفاء لا تدخل في جواب القسم فهو مفسّر للمقدّر الذي حذقه.
قال الكرماني: ويروى أما بالتشديد وتقديره أما أنا فلا أكفر والله وأما غيري فلا أعلم حاله (قال) العاصي: (وإني) بحذف همزة الاستفهام والتقدير أو أني (لميت ثم مبعوث)؟ قال خباب: (قلت) له (نعم.
قال: فإنه سيكون لي ثم) بفتح المثلثة أي هناك (مال وولد فأقضيك) حقك (فأنزل الله { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدًا} [مريم: 77] .

وموضع الترجمة منه قوله: فعملت الخ ... ووجه الدلالة أن العاصي كان مشركًا وكان خباب إذ ذاك مسلمًا ومكة حينئذ دار حرب، واطّلع عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأقرّه، لكن يحتمل أن يكون الجواز مقيدًا بالضرورة وقبل الإذن بقتال المشركين والأمر بعدم إذلال المؤمن نفسه.
قال ابن المنير: والذي استقرت عليه المذاهب أن الصناع في حوانيتهم كالقين والخياط ونحوهما يجوز أن تعمل لأهل الذمة ولا يعدّ ذلك ذلّة بخلاف خدمته في منزله وبطريق التبعية له كالمكاري والبلان في الحمام ونحو ذلك.


وهذا الحديث سبق في باب ذكر القين والحدّاد من كتاب البيع ويأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة مريم.