فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب

باب مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَةِ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ».

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لاَ يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ، إِلاَّ أَنْ يُعْطَى شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ.
.

     وَقَالَ  الْحَكَمُ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ وَأَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً.
وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا.

وَقَالَ: كَانَ يُقَالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَكَانُوا يُعْطَوْنَ عَلَى الْخَرْصِ.

( باب) حكم ( ما يُعطى) بضم أوله وفتح ثالثه ( في الرقية) بضم الراء وسكون القاف أي العوذة ( على أحياء العرب) بفتح الهمزة طائفة مخصوصة ( بفاتحة الكتاب) وعورض المؤلّف في قوله على أحياء العرب لأن الحكم لا يختلف باختلاف الأمكنة والأجناس، وأجاب في فتح الباري: بأنه ترجم بالواقع ولم يتعرض لنفي غيره واعترضه في عمدة القاري بأن هذا الجواب غير مقنع لأن القيد شرط إذا انتفى ينتفي المشروط انتهى وقد شطب عليه في الفرع وأصله.

( وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله في الطب ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) ، وبهذا تمسك الجمهور في جواز الأجرة على تعليم القرآن ومنع ذلك الحنفية في التعليم لأنه عبادة والأجر فيها على الله تعالى وأجازوه في الرقى لهذا الخبر.
وبقية مبحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في باب التزويج على تعليم القرآن.

( وقال الشعبي) عامر بن شراحيل فيما وصله ابن أبي شيبة: ( لا يشترط المعلم) على من يعلمه أجرة ( إلا أن يعطى شيئًا فليقبله) بالجزم على الأمر وفتح همزة أن والاستثناء منقطع أي لكن الإعطاء بدون الاشتراط جائز فيقبله.
قال الكرماني: وفي بعضها إن بكسر الهمزة أي لكن إن يعط شيئًا بدون الشرط فليقبله.

( وقال الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بفتح المثناة والموحدة مصغر الكندي الكوفي مما وصله البغوي في الجعديات ( لم أسمع أحدًا) من الفقهاء ( كره أجر المعلم، وأعطى الحسن) البصري ( دراهم عشرة) أجرة المعلم وصله ابن سعد في الطبقات، ( ولم ير ابن سيرين) محمد ( بأجر القسام) بفتح القاف وتشديد المهملة من القسم وهو القاسم ( بأسًا) أي إذا كان بغير اشتراط أما مع الاشتراط فكان يكرهه كما أخرجه عنه موصولاً ابن سعد بل روى عنه الكراهة من غير تقييد عبد بن حميد من طريق يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين ولفظه: أنه كان يكره أجور القسام ويقول كان يقال السحت الرشوة على الحكم وأرى هذا حكمًا يؤخذ عليه الأجر.


( وقال) ابن سيرين ( كان يقال السحت الرشوة في الحكم) بكسر الراء أخرجه ابن جرير بأسانيده عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت من قولهم، وأخرجه من وجه آخر مرفوعًا برجال ثقات لكنه مرسل ولفظه: "كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به" قيل: يا رسول الله وما السحت؟ قال: "الرشوة في الحكم".
( وكانوا يعطون) الأجرة بفتح الطاء ( على الخرص) لخارص الثمرة ومناسبة ذكر القسام والخارص الاشتراك في أن كلاًّ منهما يفصل التنازع بين المتخاصمين.


[ قــ :2183 ... غــ : 2276 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَىِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ، لاَ يَنْفَعُهُ شَىْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَىْءٌ.
فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَىْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ، إِنِّي لأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضِيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً.
فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ.
فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ.
قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ.
فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا.
فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا.
فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمُ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

وَقَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ.

     وَقَالَ  شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ ... بِهَذَا.
[الحديث 2276 - أطرافه في: 5007، 5736، 5749] .

وبه قال: ( حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: ( حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري ( عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس ( عن أبي المتوكل) عليّ بن داود ويقال ابن دؤاد بضم الدال بعدها واو بهمزة الناجي بالنون والجيم البصري ( عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري ( -رضي الله عنه-) أنه ( قال: انطلق نفر) هو ما بين الثلاثة إلى العشرة من الرجال، لكن عند ابن ماجة أنهم كانوا ثلاثين وكذا عند الترمذي ولم يسمّ أحد منهم، وفي رواية سليمان بن قية بفتح القاف وتشديد التحتية عند الإمام أحمد،: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثين رجلاً ( من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفرة سافروها) أي في سرية عليها أبو سعيد الخدري كما عند الدارقطني ولم يعينها أحد من أهل المغازي فيما وقف عليه الحافظ ابن حجر ( حتى نزلوا) أي ليلاً كما في الترمذي ( على حيٍّ من أحياء العرب) قال في الفتح: ولم أقف على تعيين الحيّ الذي نزلوا بهم من أي القبائل هم ( فاستضافوهم) أي طلبوا منهم الضيافة ( فأبوا أن يضيفوهم) بفتح

الضاد المعجمة وتشديد التحتية ويروى يضيفوهم بكسر الضاد والتخفيف ( فلدغ) بضم اللام وكسر الدال المهملة لا المعجمة وسها الزركشي وبالغين المعجمة مبنيًّا للمفعول أي لسع ( سيد ذلك الحي) أي بعقرب كما في الترمذي ولم يسم سيد الحي ( فسعوا له بكل شيء) مما جرت العادة أن يتداووا به من لدغة العقرب، وللكشميهني: فشفوا بفتح الشين المعجمة والفاء وسكون الواو أي طلبوا له الشفاء أي عالجوه بما يشفيه وقد زعم السفاقسي أنها تصحيف ( لا ينفعه شيء فقال بعضهم) لبعض: ( لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا) عندكم ( لعله) وللكشميهني: لعل بإسقاط الهاء ( أن يكون عند بعضهم شيء) يداويه ( فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا) وللكشميهني: وشفينا ( له بكل شيء لا ينفعه) في رواية معبد بن سيرين أن الذي جاءهم جارية منهم فيحمل على أنه كان معها غيرها ( فهل عند أحد منكم من شيء) زاد أبو داود من هذا الوجه: ينفع صاحبنا، وزاد البزار فقالوا
لهم: قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشفاء.
قالوا: نعم ( فقال بعضهم) هو أبو سعيد الراوي كما في بعض روايات مسلم ( نعم والله أني لأرقى) بفتح الهمزة وكسر القاف ( ولكن) بالتخفيف ( والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً) بضم الجيم وسكون العين ما يعطى على العمل ( فصالحوهم) أي وافقوهم ( على قطيع من الغنم) .
وفي رواية النسائي ثلاثون شاة وهو مناسب لعدد السرية كما مرّ فكأنهم اعتبروا عددهم فجعلوا لكل واحد شاة، ( فانطلق) الراقي إلى الملدوغ وجعل ( يتفل عليه) بفتح المثناة التحتية وسكون الفوقية وكسر الفاء وتضم ينفخ نفخًا معه أدنى بزاق.
قال العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة في بهجة النفوس: محل التفل في الرقية بعد القراءة لتحصل بركة الريق في الجوارح التي يمرّ عليها فتحصل البركة في الريق الذي يتفله ( ويقرأ الحمد لله رب العالمين) الفاتحة إلى
آخرها، وفي رواية الأعمش عند سبع مرات، وفي حديث جابر ثلاث مرات والحكم للزائد ( فكأنما نشط) بضم النون وكسر الشين المعجمة من الثلاثي المجرد أي حل ( من عقال) بكسر العين المهملة وبعدها قاف حبل يشد به ذراع البهيمة، لكن قال الخطابي: إن المشهور أن يقال في الحلّ أنشط بالهمزة وفي العقد نشط، وقال ابن الأثير وكثيرًا ما يجيء في الرواية كأنما نشط من عقال وليس بصحيح يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها.
وفي القاموس كالصحاح والحبل كنصر عقده كنشطه وأنشطه حلّه، ونقل في المصابيح عن الهروي أنه رواه كأنما أنشط من عقال.
وعن السفاقسي أنه كذلك في بعض الروايات هاهنا، ( فانطلق) الملدوغ حال كونه ( يمشي وما به قلبة) بحركات أي علة وسمي بذلك لأن الذي تصيبه يتقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء منه، ونقل عن خط الدمياطي أنه داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيشتكي منه قلبه فيموت من يومه.
( قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه) وهو الثلاثون شاة ( فقال بعضهم: اقسموا فقال الذي رقى) بفتح الراء والقاف ( لا تفعلوا) ما ذكرتم من القسمة ( حتى نأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنذكر له) بنصب نذكر عطفًا على نأتي المنصوب بأن المضمرة بعد حتى ( الذي كان) من أمرنا هذا ( فننظر) نصب عطفًا على المنصوب ( ما يأمرنا) به فنتبعه وفي رواية الأعمش فلما قبضنا
الغنم عرض في أنفسنا منها شيء ( فقدموا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة ( فذكروا له) القصة ( فقال) عليه الصلاة والسلام للراقي:
( وما يدريك أنها) أي الفاتحة ( رقية) بضم الراء وإسكان القاف.
قال الداودي: معناه وما أدراك؟ قال: ولعله المحفوظ لأن ابن عيينة قال: إذا قيل وما يدريك فلم يدره وما قيل فيه وما أدراك فقد علمه.
وأجاب ابن التين: بأن ابن عيينة إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن وإلاّ فلا فرق بينهما في اللغة وعند الدارقطني وما علمك أنها رقية قال حق ألقي إليّ في روعي.
( ثم قال) عليه الصلاة والسلام ( قد أصبتم) في الرقية أو في توقفكم عن التصرف في الجعل حتى استأذنتموني أو أعمّ من ذلك ( اقسموا) الجعل بينكم ( واضربوا) اجعلوا ( لي معكم) منه ( سهمًا) أي نصيبًا والأمر بالقسمة من باب مكارم الأخلاق وإلاّ فالجميع للراقي وإنما قال اضربوا تطييبًا لقلوبهم ومبالغة في أنه حلال لا شبهة فيه ( فضحك رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .

( قال أبو عبد الله) البخاري ( وقال شعبة) بن الحجاج فيما وصله الترمذي والمؤلّف في الطب لكن بالعنعنة: ( حدّثنا أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية السابق قال: ( سمعت أبا المتوكل) الناجي ( بهذا) الحديث السابق، وفائدة ذكره هذا تصريح أبي بشر بالسماع ومتابعة شعبة لأبي عوانة على الإسناد، وقد تابع أبا عوانة أيضًا هشيم كما في مسلم والنسائي وخالفهم الأعمش فرواه عن جعفر بن أبي وحشية عن أبي نضرة عن أبي سعيد فجعل بدل أبي المتوكل أبا نضرة أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وليس الحديث مضطربًا بل الطريقان محفوظان قاله في الفتح وقد سقط قوله قال أبو عبد الله الخ ... في رواية الحموي، وثبت للمستملي والكشميهني.

ومباحث هذا الحديث وما يستنبط منه تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الطب، ومطابقته للترجمة واضحة وفيه أن رجاله كلهم مذكورون.
بالكنى وهو غريب جدًّا وكلهم بصريون غير أبي عوانة فواسطي، وأخرجه المؤلّف في الطب أيضًا وكذا مسلم، وأخرجه أبو داود فيه وفي البيوع والترمذي فيه وكذا النسائي وابن ماجة في التجارات.