فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب: لا يستنجى بروث

باب لاَ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ
هذا ( باب) بالتنوين ( لا يستنجى بروث) بضم المثناة التحتية وفتح الجيم مبنيًّا للمفعول، وثبت في رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر ما بعد الباب.


[ قــ :154 ... غــ : 156 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: لَيْسَ أَبُو عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ، وَلَكِنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ: أَتَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ، وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ.

     وَقَالَ : هَذَا رِكْسٌ.
.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ.

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين ( قال: حدّثنا زهير) هو ابن معاوية الجعفي المكي الكوفي ( عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي بفتح السين المهملة وكسر الموحدة التابعي وما ذكر من كون زهير سمع من أبي إسحاق بآخرة لا يقدح لثبوت سماعه منه هذا الحديث قبل الاختلاط بطرق متعددة ( قال) أي أبو إسحاق ( ليس أبو عبيدة) عامر بن عبد الله بن مسعود ( ذكره) لي ( ولكن) ذكره ليس وحدّثني به ( عبد الرحمن بن الأسود) المتوفى سنة تسع وتسعين أي لست أرويه الآن عن أبي عبيدة، وإنما أرويه عن عبد الرحمن بن الأسود ( عن أبيه) الأسود بن يزيد النخعي الكوفي صاحب ابن مسعود، وقد اختلف فيه على أبي إسحاق فرواه إسرائيل عنه عن أبي عبيدة عن أبيه وابن مغول وغيره عن الأسود عن أبيه عن عبد الله من غير ذكر عبد الرحمن، ورواه زكريا بن أبي زائدة عنه عن عبد الرحمن بن يزيد عن الأسود ومعمر عنه عن علقمة عن عبد الله، ويونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي الأحوص عن عبد الله، ومن ثم انتقده الدارقطني على المؤلف لكنه قال: أحسنها سياقًا الطريق التي أخرجها البخاري لكن في النفس منه شيء لكثرة الاختلاف فيه على أبي إسحاق.
وأجيب: بأن الاختلاف على الحفاظ لا يوجب الاضطراب إلا مع استواء وجوه الاختلاف

فمتى رجح أحد الأقوال قدم، ومع الاستواء لا بدّ أن يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، وهنا يظهر عدم استواء وجود الاختلاف على أبي إسحاق فيه لأن الروايات المختلفة عنه لا يخلو إسناد منها عن مقال غير طريق زهير وإسرائيل مع أنه يمكن ردّ أكثر الطرق إلى رواية زهير.

وقد تابع زهيرًا يوسف بن إسحاق كما سيأتي وهو يقتضي تقديم رواية زهير ( أنه) بفتح الهمزة بتقدير الموحدة أي الأسود ( سمع عبد الله) أي ابن مسعود رضي الله عنه ( يقول) :
( أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغائط) أي الأرض المطمئنة القضاء حاجته، فالمراد به معناه اللغوي ( فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار) أي فأمرني بإتيان ثلاثة أحجار وفي طلبه الثلاثة دليل على اعتبارها وإلاّ لما طلبها، وفي حديث سلمان نهانا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نكتفي بدون ثلاثة أحجار كما رواه مسلم وأحمد.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( فوجدت) أي أصبت ( حجرين والتمست) أي طلب الحجر ( الثالث فلم أجده) بالضمير المنصوب أي الحجر، ولأبي ذر فلم أجد بحذفه ( فأخذت روثة) زاد ابن خزيمة في رواية له في هذا الحديث أنها كانت روثة حمار ( فأتيته) عليه الصلاة والسلام ( بها) أي بالثلاثة ( فأخذ) عليه الصلاة والسلام ( الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا ركس) بكسر الراء أي رجس كما في رواية ابن خزيمة وابن ماجة في هذا الحديث أو طعام الجن، وعزي للنسائي أو الرجيع رد من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة قاله الخطابي وذكر إشارة الروثة باعتبار تذكير الخبر على حدّ قوله تعالى: { هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 78] وفي بعض النسخ هذه ركس على الأصل.


فإن قلت: ما وجه إتيانه بالروثة بعد أمره عليه الصلاة والسلام له بالأحجار؟ أجيب: بأنه قاس الروث على الحجر بجامع الجمود فقطع -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قياسه بالفرق أو بإبداء المانع، ولكنه ما قاسه إلا لضرورة عدم المنصوص عليه، وزاد في رواية الأصيلي وابن عساكر وأبوي الوقت وذر.

( وقال إبراهيم بن يوسف) بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي، المتوفى سنة ثمان وتسعين ومائة ( عن أبيه) يوسف بن أبي إسحاق الكوفي الحافظ، المتوفى في زمن أبي جعفر المنصور أو سنة سبع وخمسين ومائة ( عن) جدّه ( أبي إسحاق حدّثني) بالإفراد ( عبد الرحمن) هو ابن الأسود بن يزيد أي بالإسناد السابق، وأراد المؤلف بهذا التعليق الردّ على رغم أن أبا إسحاق دل هذا الخبر وفي ذكر مبحث ذلك طول يخرج عن غرض الاختصار.
وقد استدل الطحاوي بقوله: وألقى الروثة على عدم اشتراط الثلاث في الاستنجاء، وعلّله بأنه لو كان شرطًا لطلب ثالثًا، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وداود.
وأجيب: بأن في رواية أحمد في مسنده بإسناد رجاله ثقات أثبات عن ابن مسعود في هذا
الحديث، فألقى الروثة وقال: إنها ركس ائتني بحجر أو أنه عليه الصلاة والسلام اكتفى بطرف أحد الحجرين عن الثالث لأن المقصود بالثلاثة أن يمسح بها ثلاث مسحات وذلك حاصل ولو بواحد له ثلاثة أطراف، وتأتي بقية المباحث قريبًا إن شاء الله تعالى.