فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب غسل الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين

باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ، وَلاَ يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ
هذا( باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين) لأنه لا يجزئ، وحديث مسحهما المروي في سنن أبي داود ضعفه ابن مهدي وغيره، وأما تمسك من أجازه بظاهر قوله تعالى: { بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُم} فأجيب: بأنه قرئ وأرجلكم بالنصب عطفًا على أيديكم أو على محل برؤوسكم، فقراءة الجر محمولة على مسح الخفين، وقراءة النصب على غسل الرجلين، وهو معنى قول الإمام الشافعي أراد بالنصب آخرين وبالجر آخرين: أو هو معطوف على برؤوسكم لفظًا ومعنىً ثم نسخ ذلك بوجوب الغسل وهو حكم آخر.


[ قــ :163 ... غــ : 166 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا.
قَالَ: وَمَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُكَ لاَ تَمَسُّ مِنَ الأَرْكَانِ إِلاَّ الْيَمَانِيَيْنِ، وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ

النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ، وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوُا الْهِلاَلَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَمَّا الأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمَسُّ إِلاَّ الْيَمَانِيَيْنِ.
.
وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَلْبَسُ النَّعْلَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا.
.
وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْبُغُ بِهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا.
.
وَأَمَّا الإِهْلاَلُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
[الحديث 166 - أطرافه في: 1514، 1552، 1609، 2865، 5851] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا) إمام الأئمة ( مالك عن سعيد المقبري) بضم الموحدة ( عن عبيد بن جريج) بالجيم والتصغير فيهما المدني الثقة.

( أنه قال لعبد الله بن عمر) رضي الله عنهما: ( يا أبا عبد الرحمن رأيتك تصنع أربعًا) أي أربع خصال ( لم أبي أحدًا من أصحابك) وفي رواية أبي الوقت ما أصحابنا، والمراد أصحاب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( يصنعها) مجتمعة وإن كان يصنع بعضها أو المراد الأكثر منهم ( قال: وما هي يا ابن جريج؟ قال: رأيتك لا تمس من الأركان) أي أركان الكعبة الأربعة ( إلا) الركنين ( اليمانيين) تغليبًا، وإلاّ فالذي فيه الحجر الأسود عراقي لأنه إلى جهته ولم يقع التغليب باعتبار الأسود خوف الاشتباه على جاهل وهما باقيان على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ومن ثم خصّا أخيرًا بالاستلام.
وعلى هذا لو بني البيت على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام الآن استلمت كلها اقتداء به، ولذا لما ردّهما ابن الزبير على القواعد استلمهما.
وقد صح استلامهما أيضًا عن معاوية.
وروي عن الحسن والحسين رضي الله عنهما.
وظاهر ما في الحديث هنا انفراد ابن عمر رضي الله عنهما باستلام اليمانيين دون غيره ممن رآهم عبيد وإن سائرهم كان يستلم الأربعة ثم قال ابن جريح لابن عمر رضي الله عنهما.
( ورأيتك
تلبس)
بفتح المثناة الفوقية والموحدة ( النعال السبتية) بكسر المهملة وسكون الموحدة آخره مثناة فوقية التي لا شعر عليها من السبت وهو الحلق وهو ظاهر جواب ابن عمر الآتي أو هي التي عليها الشعر أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ والسبت بالضم نبت يدبغ به أو كل مدبوغ أو التي أسبتت بالدباغ أي لانت، أو نسبة إلى سوق السبت، وإنما اعترض على ابن عمر رضي الله عنهما بذلك لأنه لباس أهل النعيم، وإنما كانوا يلبسون النعال بالشعر غير مدبوغة وكانت المدبوغة تعمل بالطائف وغيره ( ورأيتك تصبغ) ثوبك أو شعرك ( بالصفرة ورأيتك إذا كنت) مستقرًا ( بمكة أهلّ الناس) أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة ( إذا رأوا الهلال) أي هلال ذي الحجة ( ولم) وفي رواية الأصيلي فلم ( تهلّ أنت حتى كان يوم التروية) الثامن من ذي الحجة لأنهم كانوا يروون فيه من الماء ليستعملوه في عرفة شربًا وغيره، وقيل غير ذلك فتهلّ أنت حينئذٍ، ويوم بالرفع اسم كان وبالنصب خبرها، فعلى الأوّل كان تامة وعلى الثاني ناقصة والرؤية هنا تحتمل البصرية والعلمية.
( قال عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما مجيبًا لابن جريج: ( أما الأركان) الأربعة ( فإني لم أر رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

يمس)
منها ( إلا) الركنين ( اليمانيين وأما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبس النعال) ولغير الأربعة النعل بالإفراد ( التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها) أي في النعل ( فأنا) وفي رواية أبي ذر عن الحموي والمستملي فإني ( أحب أن ألبسها) فيه التصريح بأنه عليه الصلاة والسلام كان يغسل رجليه الشريفتين وهما في نعليه، وهذا موضع استدلال المصنف للترجمة.

( وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها) يحتمل صبغ ثيابه لما في الحديث المروي في سُنن أبي داود وكان يصبغ بالورس والزعفران حتى عمامته أو شعره لا في السنن أنه كان يصفّر بهما لحيته، وكان أكثر الصحابة والتابعين رضي الله عنهم يخضب بالصفرة، ورجح الأول القاضي عياض.
وأجيب عن الحديث المستدل به للثاني باحتمال أنه كان يتطيب بهما لا أنه كان يصبغ بهما.


( وأما الإهلال) بالحج والعمرة ( فإني لم أر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهلّ حتى تنبعث به راحلته) أي تستوي قائمة إلى طريقه، والمراد ابتداء الشروع في أفعال النسك وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد وقال أبو حنيفة: يحرم عقب الصلاة جالسًا وهو قول عندنا لحديث الترمذي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهل بالحج حين فرغ من ركعتيه.
وقال حسن وقال آخرون: الأفضل أن يهلّ من أول يوم من ذي الحجة.

وهذا الحديث خماسي الإسناد ورواته كلهم مدنيون وفيه رواية الأقران لأن عبيدًا وسعيدًا تابعيان من طبقة واحدة، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في اللباس، ومسلم وأبو داود في الحج، والنسائي في الطهارة، وابن ماجة في اللباس، وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله تعالى.