فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة

باب الْتِمَاسِ الْوَضُوءِ إِذَا حَانَتِ الصَّلاَةُ
.

     وَقَالَتْ  عَائِشَةُ: حَضَرَتِ الصُّبْحُ فَالْتُمِسَ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ، فَنَزَلَ التَّيَمُّمُ.

هذا ( باب التماس الوضوء) بفتح الواو أي طلب الماء لأجل الوضوء بالضم ( إذا حانت الصلاة) أي قرب وقتها ( وقالت) أم المؤمنين ( عائشة) رضي الله عنها مما أخرجه المؤلف من حديثها في قصة ضياع عقدها المذكور في مواضع منها التيمم، وساقه هنا بلفظ عمرو بن الحرث في تفسير المائدة فقال: ( حضرت الصبح) أنّثه باعتبار صلاة الصبح ( فالتمس) بضم المثناة مبنيًّا للمفعول أي

طلب ( الماء) بالرفع مفعول نائب عن الفاعل ( فلم يوجد) وفي رواية الكشميهني فالتمسوا الماء بالجمع والنصب على المفعولية فلم يجدوه بالجمع ( فنزل التيمم) أي آيته وإسناد التيمم إلى النزول مجاز عقلي.


[ قــ :166 ... غــ : 169 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَانَتْ صَلاَةُ الْعَصرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ.
قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحتِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى تَوَضَّئُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ.
[الحديث 169 - أطرافه في: 195، 200، 3572، 3573، 3574، 3575] .

وبه قال: ( حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي ( قال: أخبرنا مالك) إمام دار الهجرة ( عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري ( عن أنس بن مالك) الأنصاري رضي الله عنه ( أنه قال) :
( رأيت) أي أبصرت ( رسول الله) وفي رواية أبي ذر النبي ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) الحال أنه قد ( حانت) بالمهملة أي قربت ( صلاة العصر) وهو بالزوراء كما رواه قتادة عند المؤلف سوق بالمدينة ( فالتمس) أي طلب ( الناس الوضوء) بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به ( فلم يجدوه) ولغير الكشميهني فلم يجدوا بغير الضمير المنصوب أي فلم يصيبوا الماء، ( فأُتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول ( رسول الله) بالرفع مفعول نائب عن الفاعل ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوضوء) بفتح الواو أي بإناء فيه ماء ليتوضأ به، وفي رواية ابن المبارك فجاء رجل بقدح فيه ماء يسير، وروى المهلب أنه كان مقدار وضوء رجل واحد ( فوضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك الإناء يده وأمر) عليه الصلاة والسلام ( الناس أن) أي بأن ( يتوضؤوا) أي بالتوضؤ ( منه) أي من ذلك الإناء.
( قال) أنس رضي الله عنه: ( فرأيت) أي أبصرت ( الماء) حال كونه ( ينبع) بتثليث الموحدة أي يخرج ( من تحت) وفي رواية يفور من بين ( أصابعه) فتوضؤوا ( حتى توضؤوا من عند آخرهم) أي توضأ الناس ابتداء من أوّلهم حتى انتهوا إلى آخرهم، ولم يبق منهم أحد، والشخص الذي هو آخرهم داخل في هذا الحكم لأن السياق يقتضي العموم والمبالغة لأن ( عند) هنا تجعل لمطلق الظرفية حتى تكون بمعنى "في" كأنه قال: حتى توضأ الذين هم في آخرهم، وأنس داخل فيهم إذا قلنا يدخل المخاطب بكسر الطاء في عموم خطابه أمرًا أو نهيًا أو خبرًا، وهو مذهب الجمهور.
وقال بعضهم: حتى حرف ابتداء يستأنف بعده جملة اسمية وفعلية فعلها ماضٍ نحو حتى عفوا وحتى توضؤوا ومضارع نحو: حتى يقول الرسول في قراءة نافع ومن للغاية لا للبيان خلافًا للكرماني لأنها لا تكون للبيان إلا إذا كان فيما قبلها إبهام ولا إبهام هنا.

وبقية المباحث تأتي إن شاء الله تعالى في علامات النبوة، واستنبط من هذا الحديث استحباب التماس الماء لمن كان على غير طهارة والرد على من أنكر المعجزة من الملاحدة واغترف المتوضئ من

الماء القليل وهو من الرباعيات، ورجاله ما بين تينسي ومدني وبصري وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المصنف في علامات النبوة، ومسلم والترمذي في المناقب وقال: حسن صحيح، والنسائي في الطهارة والله تعالى أعلم.