فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب المسح على الخفين

باب الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
( باب) حكم ( المسح على الخفين) في الوضوء بدلاً عن غسل الرجلين.


[ قــ :198 ... غــ : 202 ]
- حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ الْمِصْرِيُّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرٌو قال: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: نَعَمْ، إِذَا حَدَّثَكَ شَيْئًا سَعْدٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ.


وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: أَخْبَرَنِي أَبُو النَّضْرِ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ سَعْدًا ... فَقَالَ عُمَرُ لِعَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ.

وبالسند قال: ( حدّثنا أصبغ) بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح الموحدة آخره معجمة أبو عبد الله ( بن الفرج) بالجيم القرشي الفقيه ( المصري) المتوفى سنة ست وعشرين ومائتين ( عن ابن وهب) القرشي المصري وكان أصبغ وراقًا أنه ( قال: حدّثني) وفي رواية أخبرني بالإفراد فيهما ( عمرو) بفتح العين ابن الحرث كما في رواية ابن عساكر أبو أمية المؤدب الأنصاري المصري الفقيه، المتوفى بمصر سنة ثمان وأربعين ومائة ( قال: حدّثني) بالتوحيد ( أبو النضر) بالضاد المعجمة الساكنة سالم بن أبي أمية القرشي المدني مولى عمر بن عبيد الله المتوفى سنة تسع وعشرين ومائة ( عن أبي سلمة) بفتح اللام عبد الله ( بن عبد الرحمن) بن عوف القرشي الفقيه المدني ( عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما ( عن سعد بن أبي وقاص) رضي الله عنه: ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه مسح على الخفين) القويين الطاهرين الملبوسين بعد كمال الطهر الساترين لمحل الفرض وهو القدم بكعبيه من كل الجوانب غير الأعلى، فلو كان واسعًا ترى منه لم يضر ( وأن عبد الله بن عمر) هو عطف على قوله عن عبد الله بن عمر فيكون موصولاً إن حملناه على أن أبا سلمة سمع ذلك من عبد الله، وإلا فأبو سلمة لم يدرك القضية ( سأل) أباه ( عمر) أي ابن الخطاب كما للأصيلي ( عن ذلك) أي عن مسح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الخفين ( فقال) عمر رضي الله عنه: ( نعم) مسح عليه الصلاة والسلام على الخفين ( إذا حدّثك شيئًا سعد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا تسأل عنه غيره) لثقته بنقله وقد أخرج الحديث الإمام أحمد من طريق أخرى عن أبي النضر عن أبي سلمة عن ابن عمر قال: رأيت سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يمسح على خفّيه بالعراق حين توضأ فأنكرت ذلك عليه، فلما اجتمعنا عند عمر رضي الله عنه قال لي سعد سل أباك وذكر القصة.
ورواه ابن خزيمة من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر نحوه، وفيه أن عمر رضي الله عنه قال: كنا ونحن مع نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأسًا، وإنما أنكر ابن عمر المسح على الخفين مع قدم صحبته وكثرة روايته لأنه خفي عليه ما اطّلع عليه غيره أو أنكر عليه مسحه في الحضر كما هو ظاهر رواية الموطأ من حديث نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه أن ابن عمر قدم الكوفة على سعد وهو أميرها فرآه يمسح على الخفين فأنكر ذلك عليه فقال له سعد: سل أباك فذكر القصة.
وأما في السفر فقد كان ابن عمر يعلمه.

ورواه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه الكبير، وابن أبي شيبة في مصنفه من رواية عاصم عن سالم عنه رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح على الخفّين بالماء في السفر، وقد تكاثرت الروايات بالطرق المتعددة عن الصحابة رضي الله عنهم الذين كانوا لا يفارقونه عليه الصلاة والسلام سفرًا ولا حضرًا، وقد صرح جمع من الحفاظ بتواتره وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين منهم العشرة المبشرة

وعن ابن أبي شيبة وغيره عن الحسن البصري، حدّثني سبعون من الصحابة بالمسح على الخفين.

واتفق العلماء على جوازه خلافًا للخوارج كبتهم الله لأن القرآن لم يرد به، وللشيعة -قاتلهم الله تعالى- لأن عليًّا رضي الله عنه امتنع منه ويرد عليهم صحته عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتواتره على قول بعضهم.
كما تقدم.

وأما ما ورد عن علي رضي الله عنه فلم يرد عنه بإسناد موصول يثبت بمثله كما قاله البيهقي، وقد قال الكرخي: أخاف الكفر على من لا يرى المسح على الخفين، وليس بمنسوخ لحديث المغيرة في غزوة تبوك وهي آخر غزواته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمائدة نزلت قبلها في غزوة المريسيع فأمن النسخ للمسح.

ويؤيده حديث جرير رضي الله عنه أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد المائدة.


ورواة الحديث السبعة ما بين مصري ومدني وفيه تابعي عن تابعي وصحابي عن صحابي، والتحديث بصيغة الجمع والإفراد والعنعنة، ولم يخرجه المؤلف في غير هذا الموضع، ولم يخرج مسلم في المسح إلا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهذا الحديث من أفراد المؤلف، وأخرجه النسائي في الطهارة أيضًا.

( وقال موسى بن عقبة) بضم العين وسكون القاف وفتح الموحدة التابعي صاحب المغازي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة مما وصله الإسماعيلي وغيره بهذا الإسناد.
( أخبرني) بالإفراد ( أبو النضر) التابعي ( أن أبا سلمة) التابعي أيضًا ( أخبره أن سعدًا) هو ابن أبي وقاص رضي الله عنه ( حدّثه) أي حديث أبا سلمة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مسح على الخفّين ( فقال عمر) ابن الخطاب رضي الله عنه ( لعبد الله) ولده ( نحوه) بالنصب لأنه مقول القول أي نحو قوله في الرواية السابقة: إذا حدّثك شيئًا سعد عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا تسأل عنه غيره، فقول عمر رضي الله عنه في هذه الرواية المعلقة بمعنى الموصولة السابقة لا بلفظها، والفاء في فقال عطف على قوله حدث المحذوف عند المصنف كما قدّرناه الخ، وإنما حذفه لدلالة السياق عليه.




[ قــ :199 ... غــ : 03 ]
- حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.

وبالسند قال: ( حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ بالفاء المفتوحة وضم الراء المشددة وفي آخره معجمة ( الحراني) بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وبعد الألف نون نسبة إلى حران مدينة قديمة بين دجلة والفرات ( قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري ( عن يحيى بن سعيد) بالمثناة التحتية الأنصاري ( عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف ( عن نافع بن جبير) أي ابن مطعم ( عن عروة بن المغيرة) بن شعبة ( عن أبيه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه) .


( عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه خرج لحاجته) في غزوة تبوك عند صلاة الفجر كما في الموطأ ومسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من طريق عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة ( فاتبعه المغيرة) بتشديد المثناة الفوقية ( بإداوة) بكسر الهمزة أي مطهرة ( فيها ماء فصبَّ) المغيرة ( عليه) زاده الله شرفًا لديه ( حين فرغ من حاجته فتوضأ) فغسل وجهه ويديه كذا عند المؤلف في باب الرجل يوضئ صاحبه، وله في الجهاد أنه تمضمض واستنشق وغسل وجهه.
زاد الإمام أحمد ثلاث مرات فذهب يخرج يديه من كميه فكانا ضيقين فأخرجهما من تحت الجبة، ولمسلم من وجه آخر: وألقى الجبة على منكبيه، وللإمام أحمد فغسل يده اليمنى ثلاث مرات ويده اليسرى ثلاث مرات، وللمصنف ومسح برأسه، ( ومسح على الخفين) .
والسُّنَّة أن يمسح على أعلاهما الساتر لمشط الرجل وأسفلهما خطوطًا، وكيفية ذلك أن يضع يده اليسرى تحت العقب واليمنى على ظهر الأصابع ثم يمر اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى أطراف الأصابع من تحت مفرجًا بين الأصابع يده، ولا يسنّ استيعابه بالمسح ويكره تكراره، وكذا غسل الخف، ولو وضع يده المبتلّة عليه ولم يمرها أو قطر عليه أجرأه ويكفي مسمى مسح يحاذي الفرض من ظاهر الخف دون باطنه الملاقي للبشرة فلا يكفي كما قال في شرح المهذب اتفاقًا، ولا يكفي مسح أسفل الرجل وعقبها على المذهب لأنه لم يرد الاقتصار على ذلك كما ورد الاقتصار على الأعلى فيقتصر عليه وقوفًا على محل الرخصة وحرفه كأسفله فلا يكفي الاقتصار عليه لقربه منه، وهل المسح على الخف أفضل أم غسل الرجل أفضل؟ قال في آخر صلاة السافر من الروضة بالثاني، ولا يجوز المسح عليه في الغسل واجبًا كان أو مندوبًا كما نقله في شرح المهذب لما في حديث صفوان عند الترمذي وصححه قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاث أيام ولياليهن إلا من جنابة، فدلّ الأمر بالنزع على عدم جواز المسح في الغسل والوضوء لأجل الجنابة فهي مانعة من المسح.

ورواة هذا الحديث السبعة ما بين حراني ومصري ومدني وفيه أربعة من التابعين على الولاء يحيى وسعد وعروة والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف في مواضع من الطهارة وفي المغازي وفي اللباس، ومسلم في الطهارة والصلاة، وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الطهارة.





[ قــ :00 ... غــ : 04 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
وَتَابَعَهُ حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ وَأَبَانُ عَنْ يَحْيَى.

وبه قال: ( حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين ( قال: حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي ( عن يحيي) بن أبي كثير التابعي ( عن أبي سلمة) بفتح اللام عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ( عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري) بالضاد المعجمة المفتوحة وعمرو بفتح العين التابعي الكبير، المتوفى سنة خمس وتسعين.


( أن أباه) عمرو بن أمية المتوفى بالمدينة سنة ستين ( أخبره أنه رأى النبي) وفي رواية رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح على الخفين) .
ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وكوفي ومدني وفيه ثلاثة من التابعين يحيى وأبو سلمة وجعفر والتحديث والعنعنة والإخبار، وأخرجه النسائي وابن ماجة في الطهارة.

( وتابعه) وفي رواية ابن عساكر قال أبو عبد الله أي البخاري وفي رواية الأصيلي تابعه بغير واو أي تابع شيبان المذكور ( حرب) أي ابن شداد كما في رواية غير أبي ذر والأصيلي وهذا وصله النسائي والطبراني، ( و) تابعه أيضًا ( أبان) بفتح الهمزة والموحدة بالصرف على أن ألفه أصلية ووزنه فعال وبعدمه على أن الهمزة زائدة والألف بدل من الياء، وأصله بين وهو ابن يزيد العطار وهذا وصله الإمام أحمد والطبراني في الكبير كلاهما ( عن يحيى) بن أبي كثير عن أبي سلمة.




[ قــ :01 ... غــ : 05 ]
- حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ.
وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

وبه قال: ( حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة لقب عبد الله بن عثمان العتكي الحافظ ( قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي ( قال: أخبرنا الأوزاعي عن يحيى) بن أبي كثير ( عن أبي سلمة) بفتح اللام ابن عبد الرحمن بن عوف ( عن جعفر بن عمرو) بفتح العين زاد الأصيلي وأبوا الوقت وذر وابن عساكر ابن أمية ( عن أبيه) عمرو المذكور رضي الله عنه، وأسقط بعض الرواة عنه جعفرًا من الإسناد.
قال أبو حاتم الرازي: وهو خطأ ( قال) عمرو بن أمية:
( رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسح على عمامته) بعد مسح الناصية كما في رواية مسلم السابقة أو بعضها أو على عمامته فقط مقتصرًا عليها.
( و) كذا رأيته يمسح على ( خفّيه) أي في الوضوء، والاقتصار على المسح على العمامة هو مذهب الإمام أحمد لكن بشرط أن يعتم بعد كمال الطهارة ومشقة نزعها بأن تكون محنكة كعمائم العرب، لأنه عضو يسقط فرضه في التيمم، فجاز المسح على حائله كالقدمين، ووافق الإمام أحمد على ذلك الأوزاعي والثوري وأبو ثور وابن خزيمة.

وقال ابن المنذر: إنه ثبت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا" واحتج المانعون بقوله تعالى: { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُم} [المائدة: 6] .
ومن مسح على العمامة لم يمسح على رأسه، وأجمعوا على أنه لا يجوز مسح الوجه في التيمم على حائل دونه فكذلك الرأس.
وقال الخطابي: فرض الله مسح الرأس، والحديث في مسح العمامة محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل.
قال: وقياسه على مسح الخف بعيد لأنه يشق نزعه بخلافها اهـ.


وأجيب بأن الآية لا تنفي الاقتصار على المسح عليها لا سيما عند من يحمل الشترك على حقيقته ومجازه لأن من قال: قبّلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل، وبأن الذين أجازوا الاقتصار على مسحها شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف، وقد مرَّ، والتقييد بالعمامة مخرج للقلنسوة ونحوها فلا يجوز الاقتصار في المسح عليها.
نعم روي عن أنس رضي الله عنه أنه مسح على القلنسوة وتحصل سُنَّة مسح جميع الرأس عندنا بتكميله على العمامة عند عسر رفعها أو عند عدم إرادة نزعها.
وقال الأصيلي فيما حكاه عنه ابن بطال: ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها، فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحد اهـ.

وأجيب بأن تفرّد الأوزاعي بذكر العمامة على تقدير تسليمه لا يستلزم تخطئته لأنه زيادة من ثقة غير منافية لغيره فتقبل.
ورواة هذا الحديث السبعة ما بين مروزي وشامي ومدني وفيه التحديث والإخبار والعنعنة.


( وتابعه) بواو العطف وللأصيلي وابن عساكر تابعه بإسقاطها أي تابع الأوزاعي على رواية هذا المتن ( معمر) أي ابن راشد ( عن يحيى) ابن أبي كثير ( عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ( عن عمرو) بالواو بإسقاط جعفر الثابت في السابقة وهذا هو السبب في سياق المؤلف الإسناد ثانيًا ليبيّن أنه ليس في رواية معمر ذكر جعفر بين أبي سلمة وعمرو ( قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لم يذكر المتن في هذه الرواية، وهذه المتابعة رواها عبد الرزاق في مصنفه عن معمر بدون ذكر العمامة وهي مرسلة، لكن أخرجها ابن منده في كتاب الطهارة له من طريق عمر بإثباتها وأبو سلمة لم يسمع من عمرو بل من ابنه جعفر فالمتابعة مرسلة.