فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب ما جاء في غسل البول

باب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَوْلِ
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِصَاحِبِ الْقَبْرِ: كَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ.
وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ.

( باب ما جاء) في الحديث ( في غسل البول) من الإنسان قال فيه للعهد الخارجي ( وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الحديث السابق ( لصاحب القبر كان لا يستتر) بالمثناتين ولابن عساكر لا يستبرئ بالموحدة بعد المثناة ( من بوله ولم يذكر سوى بول الناس) أخذ المؤلف هذا من إضافة البول إليه، وحينئذ فتكون رواية لا يستتر من البول محمولة على ذلك من باب حمل المطلق على المقيد، وعلى هذا فالقول بنجاسة البول خاص ببول الناس وليس عامًّا في بول جميع الحيوان.
نعم للقائلين بعموم النجاسة فيه دلائل أُخر كالقائلين بطهارة بول المأكول، واللام في قوله لصاحب للتعليل أو بمعنى عن كما ذكره ابن الحاجب في قوله تعالى: { لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا} [الأحقاف: 11] الآية.


[ قــ :213 ... غــ : 217 ]
- حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ.

وبه قال: ( حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي ( قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت أخبرنا ( إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية وليس هو أخا يعقوب ( قال: حدّثني) بالإفراد ( روح بن القاسم) بفتح الراء على المشهور وعن القابسي ضمها وهو شاذ مردود التميمي العنبري من ثقات البصريين ( قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا ( عطاء بن أبي ميمونة) أبو معاذ البصري مولى أنس ( عن أنس بن مالك) رضي الله عنه أنه ( قال كان النبي) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر رسول الله ( -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا تبرز) بتشديد الراء أي خرج إلى البراز بفتح الموحدة وهو اسم للفضاء الواسع فكنّوا به عن قضاء الحاجة كما كنّوا عنه بالخلاء لأنهم كانوا يتبرزون في الأمكنة الخالية من الناس ( لحاجته) أي لأجلها ( أتيته بماء يغسل به) ذكره المقدّس بفتح المثناة التحتية وسكون الغين المعجمة وكسر السين وحذف المفعول لظهوره أو للاستحياء عن ذكره، ولأبي ذر فيغتسل بمثناة فوقية بين الغين والسين، ولابن عساكر فتغسل بفتح المثناة الفوقية وفتح الغين وتشديد السين المفتوحة يقال: تغسل يتغسل تغسلاً من

التكلف والتشديد في الأمر، وقد استدل المؤلف بهذا الحديث هنا على غسل البول وهو أعمّ من الاستدلال به على الاستنجاء وغيره فلا تكرار فيه، وقد ثبتت الرخصة في حق المستجمر فيستدل به على وجوب غسل ما انتشر على المحل.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بغدادي وبصري وفيه التحديث بصيغة الإفراد والجمع والإخبار والعنعنة وأخرجه المؤلف أيضًا في الطهارة والصلاة ومسلم وأبو داود والنسائي في الطهارة والله أعلم.


باب
هذا ( باب) بالتنوين من غير ترجمة.


[ قــ :14 ... غــ : 18 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ،.
وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا».

قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا مِثْلَهُ.

وبالسند قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني ( محمد بن المثنى) بضم الميم وفتح المثلثة وتشديد النون البصري ( قال: حدّثنا محمد بن خازم) بالخاء المعجمة والزاي أبو معاوية الضرير الكوفي أحفظ الناس لحديث الأعمش، المتوفى سنة خمس وتسعين ومائة ( قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي الأسدي ( عن مجاهد) هو ابن جبر ( عن طاوس) هو ابن كيسان ( عن ابن عباس) رضي الله عنهما ( قال) :
( مرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقبرين فقال: إنهما ليعذبان) أسند العذاب إلى المقبرين من باب ذكر المحل وإرادة الحال ( وما يعذبان في كبير) يشق الاحتراز عنه وإن كان كبيرًا في المعصية ( أما أحدهما فكان لا يستتر من البول) من الاستتار وهو بمعنى التنزّه منه المروي في مسلم وسنن أبي داود، ولابن عساكر لا يستبرئ بالموحدة من الاستبراء، ( وأما الآخر) من المقبورين ( فكان يمشي بالنميمة) بقصد الإضرار، فأما ما اقتضى فعل مصلحة أو ترك مفسدة فهو مطلوب، وقيل ليس ذلك بكبير بمجرده، وإنما صار كبيرًا بالمواظبة عليه ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وقع التعبير عن كل منهما بما يدل على تجدد ذلك منه واستمراره عليه للإتيان بصيغة المضارعة بعد كان كما أشير إليه فيما سبق، ( ثم أخذ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ( جريدة رطبة فشقّها نصفين فغرز) وفي رواية وكيع في الأدب المفرد فغرسِ بالسين وهما بمعنى واحد ( في كل قبر واحدة، قالوا) أي الصحابة رضي الله عنهم: ( يا رسول الله لم فعلت) زاد أبو الوقت والأصيلي وابن عساكر هذا.
وهي ساقطة عند المستملي والسرخسي ( قال) عليه الصلاة

والسلام: ( لعله يخفف) بفتح الفاء الأولى المشددة ( عنهما) العذاب ( ما لم ييبسا) بالتذكير والتأنيث كما مرّ.


ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وكوفي ومكي ومدني وفيه التحديث والعنعنة، ووقع بينه وبين السابق اختلاف لأنه هناك عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس، وهنا عن الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، ومن الوجه الثاني أخرجه مسلم وباقي الأئمة الستة كالمؤلف من طريق أخرى، وأخرجه أبو داود والنسائي من الوجه الأوّل، وانتقد الدارقطني على المؤلف إسقاط طاوس من السند الأول، وقال الترمذي بعد أن أخرجه رواه منصور عن مجاهد عن ابن عباس، وحديث الأعمش أصح يعني المتضمن للزيادة اهـ.

وأجيب بأن مجاهدًا غير مدلس وسماعه عن ابن عباس صحيح في جملة الأحاديث ومنصور عندهم أتقن من الأعمش مع أن الأعمش أيضًا من الحفاظ، فالحديث كيفما دار على ثقة، والإسناد كيفما دار كان متصلاً، فالحاصل أن إخراج المؤلف له من هذين الطريقين صحيح لأنه يحتمل أن مجاهدًا سمعه تارة عن ابن عباس وتارة عن طاوس.

( قال ابن المثنى) وللأصيلي وابن عساكر، وقال محمد بن المثنى ( وحدّثنا) بواو العطف على قوله: حدّثنا محمد بن خازم ( وكيع قال: حدّثنا الأعمش، قال: سمعت مجاهدًا مثله) صرّح بسماع الأعمش عن مجاهد ومن ثم ذكر المؤلف هذا الإسناد لأن الأوّل معنعن والأعمش مدلس وعنعنة المدلس غير معتبرة إلا إن علم سماعه، وقد وصل أبو نعيم هذا في مستخرجه من طريق محمد بن المثنى عن وكيع وأبي معاوية جميعًا عن الأعمش وعبر هنا بقال رعاية للفرق بينه وبين حدّثني، فإن قال أحطّ رتبة.