فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب إذا أعتق نصيبا في عبد، وليس له مال، استسعي العبد غير مشقوق عليه، على نحو الكتابة

باب إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا فِي عَبْدٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ، عَلَى نَحْوِ الْكِتَابَةِ
هذا ( باب) بالتنوين ( إذا أعتق) شخص ( نصيبًا) له ( في عبد وليس له مال) وجواب إذا قوله ( استسعي) بضم تاء الاستفعال مبنيًّا للمفعول أي ألزم ( للعبد) السعي في تحصيل القدر الذي يخلص به باقيه من الرقّ حال كونه ( غير مشقوق عليه على نحو) عقد ( الكتابة) .


[ قــ :2417 ... غــ : 2526 ]
- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ عَبْدٍ ... ».

وبه قال: ( حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد ( أحمد بن أبي رجاء) واسمه عبد الله بن أيوب أبو الوليد الحنفي الهروي قال: ( حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان القرشي الكوفي قال: ( حدثنا جرير بن حازم) البصري ( قال: سمعت قتادة) بن دعامة أبا الخطاب السدوسي ( قال: حدّثني) بالإفراد ( النضر بن أنس بن مالك) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة الأنصاري البصري ( عن بشبر بن نهيك) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وفتح النون وكسر الهاء في الثاني وآخره كاف السدوسي ويقال السلوليّ البصري ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه ( قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :
( من أعتق شقيصًا) بفتح الشين المعجمة وكسر القاف أي نصيبًا ( من عبد) كذا ساقه مختصرًا وعطف عليه طريق سعيد عن قتادة فقال بالسند إليه.




[ قــ :417 ... غــ : 57 ]
- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا -أَوْ شَقِيصًا- فِي مَمْلُوكٍ فَخَلاَصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ قُوِّمَ عَلَيْهِ فَاسْتُسْعِيَ بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ».

تَابَعَهُ حَجَّاجُ بْنُ حَجَّاجٍ وَأَبَانُ وَمُوسَى بْنُ خَلَفٍ عَنْ قَتَادَةَ ... اخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ.

( وحدّثنا) وفي الفرع حدّثنا بحذف واو العطف ( مسدد) هو ابن مسرهد قال: ( حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي على الراء مصغرًا أبو معاوية البصري قال: ( حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري الثقة الحافظ ذو التصانيف كثير التدليس واختلط لكنه من أثبت الناس في قتادة وقد سمع منه يزيد بن زريع قبل اختلاطه ( عن قتادة) بن دعامة ( عن النضر بن أنس) الأنصاري ( عن بشير بن نهيك) بفتح أوّلهما وكسر ثانيهما وزنًا واحدًا ( عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) :

( من أعتق نصيبًا أو) قال ( شقيصًا) بفتح أوله وكسر ثانيه والشك من الراوي ( في مملوك) مشترك بينه وبين غيره ( فخلاصه) كله من الرقّ ( عليه في ماله) بأن يؤدي قيمة باقيه من ماله ( إن كان له مال وإلاّ) بأن لم يكن للذي أعتق مال ( قوم) بضم القاف مبنيًّا للمفعول ( عليه فاستسعي) بضم التاء أي ألزم العبد ( به) أي باكتساب ما قوّم من قيمة نصيب الشريك ليفك بقية رقبته من الرقّ أو يخدم سيده الذي لم يعتقه بقدر ما له فيه من الرقّ، والتفسير الأول هو الأصح عند القائل بالاستسعاء لاسيما وفي رواية عبدة عند النسائي ومحمد بن بشر عند أبي داود كلاهما عن سعيد ما يوضح أن المراد الأول ولفظه واستسعى في قيمته لصاحبه ( غير مشقوق عليه) في الاكتساب إذا عجز، وقال ابن التين: معناه لا يستغلى عليه في الثمن وهو قول أبي حنيفة مستدلاً بهذا الحديث، وما رواه مسلم وأصحاب السنن وخالفه أصحابه وهو مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة.

( تابعه) أي تابع سعيد بن أبي عروبة في روايته عن قتادة على ذكر السعاية ( حجاج بن حجاج) بتشديد الجيم فيهما الأسلمي الباهلي البصري الأحول مما هو في نسخته عن قتادة من رواية أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن حجاج وفيها ذكر السعاية ( وأبان) بن يزيد العطار مما أخرجه أبو داود والنسائي من طريقه قال: حدّثنا قتادة أخبرنا النضر بن أنس ولفظه: فإن عليه أن يعتق بقيته إن كان له مال وإلا استسعي العبد الحديث.
( وموسى بن خلف) العمي فيما وصله الخطيب في كتاب الفصل للوصل من طريق أبي ظفر عبد السلام بن مطهر عنه كلهم ( عن قتادة) بن دعامة، وأراد المؤلّف بهذا الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ، وأن سعيد بن أبي عروبة تفرّد به فاستظهر له برواية جرير بن حازم لموافقته ثم ذكر ثلاثة تابعوهما على ذكرها فنفى عنه التفرّد ثم قال: ( اختصره) أي الحديث ( شعبة) هو ابن الحجاج وكأنه جواب عن سؤال مقدّر، وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث قتادة فكيف لا يذكر الاستسعاء فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفًا لأنه أورده مختصرًا وغيره بتمامه والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد.

ورواية شعبة أخرجها مسلم والنسائي من طريق غندر عنه عن قتادة بإسناده ولفظه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه قال "يضمن".

ومن طريق معاذ عن شعبة بلفظ: "من أعتق شقصًا من مملوك فهو حر من ماله" وقد اختصر ذكر السعاية أيضًا هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه اختلف عليه في إسناده فمنهم من ذكر فيه النضر بن أنس، ومنهم من لم يذكره.
وقد أجاب أصحابنا الشافعية عن الأحاديث المذكور فيها السعاية بأجوبة.

أحدها: أن الاستسعاء مدرج في الحديث من كلام قتادة لا من كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رواه همام بن يحيى عن قتادة بلفظ: إن رجلاً أعتق شقصًا من مملوك فأجاز النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عتقه وغرمه بقية ثمنه قال قتادة: إن لم يكن له مال استسعي العبد غير مشقوق عليه أخرجه الدارقطني والخطابي والبيهقي وفيه

فصل السعاية من الحديث وجعلها من قول قتادة.
وقال ابن المنذر والخطابي في معالم السنن: هذا الكلام لا يثبته أكثر أهل النقل مسندًا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويزعمون أنه من كلام قتادة، واستدلّ له ابن المنذر برواية همام وقد ضعف الشافعي -رضي الله عنه- أمر السعاية فيما ذكره عنه البيهقي بوجوه.

منها: أن شعبة وهشامًا الدستوائي رويا هذا الحديث ليس فيه استسعاء وهما أحفظ.

ومنها: أن الشافعي -رضي الله عنه- سمع بعض أهل النظر والقياس والعلم بالحديث يقول: لو كان حديث سعيد بن أبي عروبة في الاستسعاء منفردًا لا يخالفه غيره ما كان ثابتًا قال الشافعي -رضي الله عنه- في القديم: وقد أنكر الناس حفظ سعيد.
قال البيهقي: وهذا كما قال الشافعي فقد اختلط سعيد بن أبي عروبة في آخر عمره حتى أنكروا حفظه، إلا أن حديث الاستسعاء قد رواه أيضًا جرير بن حازم عن قتادة، ولذلك أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، واستشهد البخاري برواية الحجاج بن الحجاج وأبان وموسى عن قتادة فذكر الاستسعاء فيه، وإنما يضعف الاستسعاء في هذا الحديث رواية همام بن يحيى عن قتادة فإنه فصله من الحديث وجعله من قول قتادة، ولعل الذي أخبر الشافعي بضعفه وقف على رواية همام أو عرف علة أخرى لم يقف عليها اهـ.

فجزم هؤلاء الأثمة بأنه مدرج وأبى ذلك جماعة منهم الشيخان فصحّحا كون الجميع مرفوعًا وهو الذي رجحه ابن دقيق العيد وجماعة لأن سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له وكثرة أخذه عنه من همام وغيره، وهمام وشعبة وإن كانا أحفظ من سعيد لكنهما لم ينفيا ما رواه، وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدًّا حتى يتوقف في زيادة سعيد فإن ملازمة سعيد لقتادة كانت أكثر منهما فسمع منه ما لم يسمعه غيره وهذا كله لو انفرد وسعيد لم ينفرد، وقد قال النسائي في حديث قتادة عن أبي المليح في هذا الباب بعد أن ساق الاختلاف فيه على قتادة هشام: وسعيد أثبت في قتادة من همام وما أعلّ به حديث سعيد من كونه اختلط أو تفرد به مردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع، ووافقه عليه أربعة تقدم ذكرهم وآخرون معهم يطول ذكرهم وهمام هو الذي انفرد بالتفصيل، وهو الذي خالف الجميع في القدر المتفق على رفعه فإنه جعله واقعة عين وهم جعلوه حكمًا عامًّا فدلّ على أنه لم يضبطه كما ينبغي، وقد وقع ذكر الاستسعاء في غير حديث أبي هريرة أخرجه الطبراني من حديث جابر.

واحتج من أبطل الاستسعاء بحديث عمران بن حصين عند مسلم أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجزأهم أثلاثًا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرقّ أربعة.
ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعًا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه وأمره بالاستسعاء في بقية قيمته لورثة الميت.

وروى النسائي من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "من

أعتق عبدًا وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما أساء من مشاركتهم وليس على العبد شيء".
ورواه البيهقي أيضًا من وجه آخر.