فهرس الكتاب

إرشاد الساري - باب أم الولد

باب أُمِّ الْوَلَدِ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّهَا».

( باب) حكم ( أم الولد قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- فيما تقدم بمعناه موصولاً في الإيمان ( عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربها) أي سيدها لأن ولدها من سيدها ينزل منزل سيدها لمصير مال الإنسان إلى ولده، ولا دلالة فيه على جواز بيع أم الولد ولا عدمه كما سبق تقريره في كتاب الإيمان فليراجع.
وقال ابن المنير: استدلّ البخاري بقوله تلد الأمة ربها على إثبات حرية أم الولد وأنها لا تباع من جهة كونه من أشراط الساعة أي يعتق الرجل والمرأة أمهما الأمة ويعاملانها معاملة السيد تقبيحًا لذلك، وعدّه من الفتن ومن أشراط الساعة فدلّ على أنها محترمة شرعًا.


[ قــ :2423 ... غــ : 2533 ]
- حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يَقْبِضَ إِلَيْهِ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ قَالَ عُتْبَةُ: إِنَّهُ ابْنِي.
فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَمَنَ الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدٌ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَقْبَلَ مَعَهُ بِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ.
فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنُ أَخِي، عَهِدَ إِلَىَّ أَنَّهُ ابْنُهُ.
فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَخِي، ابْنُ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ.
فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَإِذَا هُوَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ.
مِمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ.
وَكَانَتْ سَوْدَةُ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

وبه قال: ( حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: ( أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة ( عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب ( قال: حدّثني) بالإفراد ( عروة بن الزبير) بن العوّام ( أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن عتبة بن أبي وقاص) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: كان عتبة بن أبي وقاص ( عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص) أحد العشرة المبشرة بالجنة ( أن يقبض إليه ابن وليدة زمعة) بن قيس العامري ولم تسمِّ الوليدة نعم ذكر مصعب الزبيري في نسب قريش أنها كانت أمة يمانية واسم ولدها عبد الرحمن ( قال عتبة) بن أبي وقاص: ( إنه) أي عبد الرحمن ( ابني فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة ( زمن الفتح أخذ سعد) بالتنوين ( ابن وليدة زمعة) عبد الرحمن بنصب ابن على المفعولية ويكتب بالألف ( فأقبل به إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأقبل معه بعبد بن زمعة) أخي سودة أم المؤمنين ( فقال سعد) بالتنوين وفي اليونينية برفعه من غير تنوين ( يا رسول الله هذا) أي عبد الرحمن ( ابن أخي) عتبة ( عهد إليّ أنه ابنه، فقال عبد بن زمعة: يا رسول الله هذا) أي عبد الرحمن ( أخي ابن وليدة) أبي ( زمعة) ولأبوي ذر والوقت: هذا أخي ابن زمعة ( ولد على فراشه) من جاريته ( فنظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ابن وليدة زمعة) عبد الرحمن ( فإذا هو أشبه الناس به) أي بعتبة ( فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) :

( هو) أي عبد الرحمن ( لك) أخ إما بالاستلحاق وإما من القضاء بعلمه لأن زمعة كان صهره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فألحق ولده به لما علمه من فراشه ( يا عبد بن زمعة) بضم الدال على الأصل ونصب ابن ( من أجل أنه ولد على فراش أبيه) زمعة.
( قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احتجبي منه يا سودة بنت زمعة) بضم سودة ونصبها على الوجهين المشهورين في مثل يا زيد بن عمرو ذلك أن توابع المبني المفرد من التأكيد والصفة وعطف البيان ترفع على لفظه وتنصب على محله بيانه أن لفظ سودة وعبد في يا عبد منادى مبني على الضم، فإذا أكد أو اتّصف أو عطف عليه يجوز فيه الوجهان، وأما بنت زمعة فالنصب لا غير لأنه مضاف إضافة معنوية وما كان كذلك من توابع المنادى وجب نصبه، وأما قول الزركشي يجوز رفع بنت فقال في المصابيح: هو خطأ منه أو من الناسخ، والأمر هنا للندب والاحتياط عند الشافعية والمالكية والحنابلة، وإلاّ فقد ثبت نسبه وأخوته لها في ظاهر الشرع قيل: يحتمل أن يكون قوله هو لك أي ملكًا لأنه ابن وليدة أبيك من غيره لأن زمعة لم يقرّ به فلم يبق إلا أنه عبد تبعًا لأمه، ولذا أمرها بالاحتجاب منه، وهذا يردّه قوله في رواية البخاري في المغازي هو لك فهو أخوك يا عبد، وإذا ثبت أنه أخو عبد لأبيه فهو أخو سودة لأبيها وإنما أمرها بالاحتجاب.
( مما رأى من شبهه بعتبة وكانت سودة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) .
قال إمامنا الشافعي رحمه الله: رؤية ابن زمعة لسودة مباحة لكنه كرهه للشبهة وأمرها بالتنزّه عنه اختيارًا انتهى.

وقد استشكل الحديث من جهة خروجه عن الأصول المجمع عليها وذلك أن الاتفاق على أنه لا يدعى أحد عن أحد إلا بتوكيل من المدعى له، فكيف ادّعى سعد وليس وكيلاً عن أخيه عتبة، وادّعى عبد بن زمعة على أبيه ولدًا بقوله أخي ابن وليدة أبي ولم يأتِ ببينة تشهد على إقرار أبيه زمعة بذلك ولا تجوز دعواه على أمة.

وأجيب: باحتمال أن يكون حكمًا مستوفيًا الشروط ولم تستوعب الرواة القصة، وقد سبق أن عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك وإذا كان وصيّ أخيه فهو أحق بكفالة ابن أخيه وحفظ نسبه فتصحّ دعواه بذلك وكذا دعوى عبد بن زمعة المخاصمة في أخيه فإنه كافله وعاصبه إن كان حرًّا ومالكه إن كان عبدًا فلا يحتاج إلى إثبات وكالة ولا وصية لأن كلاًّ منهما يطلب الحضانة وهي حقه إذ أحدهما في دعواه عمّ والآخر أخ، وغرض المؤلّف من الحديث قول عبد بن زمعة أخي ابن وليدة زمعة ولد على فراشه وحكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن زمعة بأنه أخوه فإن فيه ثبوت أمية الأمة لكن ليس فيه تعريض لحريتها ولا لإرقاقها، لكن قال الكرماني: أنه رأى في بعض النسخ في آخر الباب ما نصه فسمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم وليدة زمعة أمة ووليدة فدلّ على أنها لم تكن عتيقة اهـ.

وحينئذٍ فهو ميل من المؤلّف إلى أنها لا تعتق بموت السيد؟ وأجيب: بأن عتق أم الولد بموت السيد ثبت بأدلة أخرى وقيل غرض البخاري بإيراده أن بعض الحنفية لما التزم أن أم الولد المتنازع فيه كانت حرة ردّ ذلك وقال بل كانت عتقت، وكأنه قال: قد ورد في بعض طرقه أنها أمة فمن ادّعى

أنها عتقت فعليه البيان.
وأجاب ابن المنير: بأن البخاري استدلّ بقوله الولد للفراش على أن أم الولد فراش كالحرة بخلاف الأمة ولهذا سوّى بينها وبين الزوجة في هذا اللفظ العام.

وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في الفرائض، وقد اختلف السلف والخلف في عتق أم الولد وفي جواز بيعها فالثابت عن عمر عدم جواز بيعها وهو مروي عن عثمان وعمر بن عبد العزيز وقول أكثر التابعين وأبي حنيفة والشافعي في أكثر كتبه وعليه جمهور أصحابه وهو قول أبي يوسف ومحمد وزفر وأحمد وإسحاق، وعن أبي بكر الصديق جواز بيعها وهو كذا عن عليّ وابن عباس وابن الزبير وجابر وفي حديثه: كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيّ لا يرى بذلك بأسًا أخرجه عبد الرزاق.
وفي لفظ: بعنا أمهات الأولاد على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا، ولم يسند الشافعي القول بالمنع إلا إلى عمر فقال قلته تقليدًا لعمر قال بعض أصحابه لأن عمر لما نهى عنه فانتهوا صار إجماعًا يعني فلا عبرة بندور المخالف بعد ذلك، وإذا قلنا بالمذهب إنه لا يجوز بيع أم الولد فقضى قاضٍ بجوازه، فحكى الروياني عن الأصحاب كما قاله في الروضة: أنه ينقض قضاؤه وما كان فيه من خلاف فقد انقطع وصار مجمعًا على منعه، ونقل الإمام فيه وجهين والمستولدة فيما سوى نقل الملك فيها كالقنة فله إجارتها واستخدامها ووطؤها وأرش الجناية عليها وعلى أولادها التابعين لها وقيمتهم إذا قتلوها ومن غصبها فتلفت في يده ضمنها كالقنة وفي تزويجها أقوال أظهرها للسيد الاستقلال به لأنه يملك إجارتها ووطأها كالمدبرة، والثاني قاله في القديم لا يزوّجها إلا برضاها، والثالث لا يجوز وإن رضيت وعلى هذا هل يزوجها القاضي؟ وجهان: أحدهما: نعم بشرط رضاها ورضا السيد، والثاني: لا.